هناك فرق كبير بين السخرية والمسخرة والهزل والتهريج، إضافة إلى حجم المسافة بين الإعلام المحترم والإعلام الرديء، وهذا ما يمكن ملاحظته في الإنتاج الرديء من المسخرة التي قدمتها قناة «الجديد» في برنامجها التهريجي الفارغ «قدح وجم» في حلقته الأخيرة حين تعرض لحالة إنسانية، مثل اللجوء بهذه الطريقة الفجة، التي تعكس قراءة غير إنسانية ولا محترمة في موضوع اللاجئين السوريين، الذين لم يختاروا هذا اللجوء كله وفرض عليهم كغيرهم.
الأغنية كانت عنوانا صارخا لصناعة ترفيه مريضة ترقص على إيقاع المعذبين والمقهورين.
قناة «الجديد» غالبا ما تحوي نماذج فعلا جديدة في الطرح الإعلامي وما زلت أرى في برنامج ريما كركي «للنشر» مثلا نموذجا جيدا للصحافة التلفزيونية، التي تحمل قصصا وحكايات صالحة للنشر وتحقق القيمة المثالية لمعنى ودور الإعلام، لكن برنامج للنشر لا يكفي لتكون القناة مكتملة النمو المهني، وما قدمته عن سبق إصرار عبر تلك الأغنية المسيئة والإقصائية يعكس حجم الفجوة، التي لا تزال القناة غير قادرة على عبورها في عالم الترفيه.
خبر ترشيح بوتفليقة
وما زال في نشرة الأخبار العربية ما يكفي لاجتراح الدهشة حد الذهول والضحك.
الخبر يقول ما مفاده أن هناك ترشيحا للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لدورة رئاسية جديدة، وهو ما يجعل المرء في العالم العربي ينقلب على قفاه بكاء وضحكا في الوقت نفسه.
هذا الخبر جعلني أستذكر حادثة شهدتها في باريس عام 2014، وكان ذلك الوقت أيضا متزامنا مع الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وكنت في سيارة أجرة في العاصمة الفرنسية وسائقها تصادف أنه من أصل جزائري، وكنا نستمع لمحطة إذاعية محلية وحوار ساخن جدا فيها عن انتخابات الجزائر.
لاستعصاء فهم اللهجة وقد حمي الوطيس في الحوار فتحول إلى مزيج من الفرنسية والعربية سألت السائق عن ملخص الحوار فأجابني بكل ثقة وحكمة:
لا شيء، مجرد أحياء يتعاركون على مصير واحد ميت.
إعلانات تدمر الذائقة التلفزيونية
هناك تحول نوعي في عالم التلفزيون قد يجعل من الفضائيات حالة صالحة لدخول متحف التاريخ، وتتلخص تلك الحالة بتزايد فكرة قنوات الانترنت المتلفزة المنتجة للاعمال والتي يتحكم المشاهد بتوقيت مشاهدته لها، كما ويتحكم في تحديد ذائقته الخاصة بين كم هائل من المعروض فيها، مما يضع الفضائيات أمام تحد خطير في مواصلة السعي لاستقطاب المشاهد.
الأخطر يكمن في أن سلوك المستهلك وهو المشاهد هنا بات يتغير هو الآخر فلم يعد المشاهد يركض للحاق بمنتجه التلفزيوني المفضل على موعده وأمام شاشة التلفزيون في بيته، فالمنتج التلفزيوني يمكن طلبه على حجم كف اليد عبر أجهزة ذكية استطاعت اختراق حياتنا بكل تفاصيلها.
صار عاديا مثلا أن تسافر في الطائرة وترى من حولك المسافرين وقد فردوا أجهزة الهاتف بسماعات اذنين لحضور فيلم كامل حسب الطلب، وهو ما يضع فضائيات بث الأفلام في مأزق المنافسة، خصوصا أن الفيلم حسب الطلب لا تتخلله فواصل مزعجة من عالم الإعلان والدعايات.
المفارقة أن تلك المعادلة تضع في عالم الفضاء االعربي قنوات الدجل والشعوذة في الصدارة، وهي التي تتطلب تفاعلا مباشرا من المتلقي عبر الاتصالات المباشرة لمعرفة الحظ حسب الأفلاك أو الخلطة المناسبة لفك السحرن مما يجعلني أخشى من يوم قريب لا نرى في فضائنا العربي إلا تلك المحطات المشعوذة وبعض قنوات الأخبار التي تمارس شعوذة من نوع آخر.
متعة حشر الناس في جهنم
بثت قنوات غير عربية ناطقة بالعربية فيديو مدهش لبابا الفاتيكان وهو يلتقي على ما يبدو أطفالا في إيطاليا، ومرة أخرى يدهشنا البابا فرنسيس بحكمته الواسعة حين أجاب طفلا إسمه ايمانويل على سؤاله ومفاده أن والد إيمانويل قد مات ملحدا، ويتساءل الطفل بعفوية وهو يبكي أمام البابا إن كان والده وهو يراه رجلا صالحا قد يدخل الجنة!!
البابا ترك الأمر في الحكم على مصير والد الطفل لصاحب الأمر وهو الله جل شأنه، لكنه لم يترك قلب إيمانويل ممزقا بالحيرة والقلق، فأعطاه إجابة تسكن من روع القلب الصغير وتطمئنه.
ما روعني هو حجم التعليقات التي وردت على صفحات التواصل الاجتماعي لتلك القنوات، وهي بالآلاف، وكثير منها كان مشغولا في حشر الناس في جهنم أكثر من ترغيب الناس بالخير!
دراما الديكتاتور الواحد
ويقترب موسم رمضان الفضائي أكثر وأكثر، وتزداد حمى الترويج للأعمال التلفزيونية بين برامج ترفيه وأعمال درامية لنجوم العالم العربي.
المشكلة في عالم الفضاء العربي أن كثرة المعروض قد يخفف الطلب، فالمشاهد الذي لم يعد يكفيه وقته لمتابعة كل هذا الزخم قد يصل مثلي ومثل غيري إلى مرحلة سأم من كل المعروض، خصوصا أن ما ينتجه الواقع العربي من أعمال دموية ومأساوية لا يمكن التفوق عليه حتى في كل إنتاج هوليوود.
الملفت في ما يمكن قراءته من عروض ترويج الأعمال الدرامية أن تلك الأعمال صارت تركز أكثر وأكثر على النجم الواحد، الذي يحمل كل العمل على عاتق نجوميته، وهو ما جعل أعمال فريق نخبة الممثلين في العمل الواحد تختفي.
وهذا بحد ذاته كاف، ربما لمزيد من نفور المشاهدين من هذا التكرار حتى باتت بعض الأعمال مشغولة بالتفصيل على قياس هذا النجم أو تلك النجمة. فهل هذه دراما أم نسخة ديكتاتورية مما ثار معظم العرب عليها؟!
إعلامي أردني يقيم في بروكسل
مالك العثامنة
بسم الله الرحمن الرحيم { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } (غافر: 60)