الشعب الإيراني أمام التغيير أو الحرب النووية

ينبغي عدم الاستهانة بحرب التهديدات المتبادلة بين أمريكا وإيران في هذه الأيام، فالأرجح أنها حرب تهديدات صادقة وحقيقية، ومن يشكك بمصداقيتها، فهو يقيسها على مرحلة التهديدات الكاذبة بينهما طوال أربعة عقود تقريباً، من بداية عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، الذي واكب نشوء جمهورية الملالي الإيرانية عام 1979 وأزمة احتجاز موظفي السفارة الأمريكية في طهران رهائن فيها.
فمنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم والحرب بينهما لا تتجاوز مستوى التهديدات الكلامية والعقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، بينما يمكن مقارنتها اليوم بمرحلة التهديدات والعقوبات الأمريكية والدولية على العراق، في عهد النظام السابق منذ عام 1990، التي انتهت عام 2003 بالقضاء على النظام العراقي السابق، بقيام أمريكا بقيادة حرب عالمية بمشاركة إيران فيها واحتلال العراق.
وقبل إسقاط النظام العراقي السابق قدمت إيران أوراق اعتمادها إلى أمريكا كحليف عسكري في العراق، وقد نجحت في ذلك، لتلعب دولة الملالي الدور نفسه الذي كان يلعبه نظام الشاه السابق في الخليج والمنطقة، ولكن طبيعة النظام الإيراني في تركيبته الأيديولوجية الدينية الطائفية حال دون إخراج ذلك التحالف العسكري السري إلى العلن، خاصة أن الخميني رتب أوراقه مع المخابرات الأمريكية على السرية، ورتب أوراقه العلنية امام أنصار ثورته على تسمية أمريكا بالشيطان الأكبر، فحال ذلك دون تمكن إيران من إعلان تعاونها وتحالفها وتقاربها مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تجد السياسة الإيرانية مخرجا لها من هذا المأزق، وإلا اعتبرت قد خسرت قضيتها الثورية والدينية الطائفية أمام شعبها والعالم، وهو ما استثمرته أمريكا للاستفادة وتمرير مشاريعها في منطقة الشرق الأوسط أولاً، وخارجها ثانياً، في تنظيم علاقتها مع الصين والهند وباكستان وروسيا وأوروبا أيضا، بل قد تكون مساعي ترامب إعادة التفاوض المباشر مع إيران حول ملفها النووي هو نوع من المساعدة الترامبية لإخراج نظام الملالي من عزلته الدولية، كما فعل مع زعيم كوريا الشمالية حتى الآن.
ولذا فإن معرفة أهداف أمريكا من رفع مستوى التهديدات مع إيران ينبغي البحث عنه في الاستراتيجية الأمريكية الترامبية في السياسة الدولية، وليس داخل إيران وحدها، ولا داخل منطقة الخليج والدول العربية فقط، فأمريكا قادت الدول الخمس زائدا ألمانيا في مباحثات نووية مع إيران دامت لأكثر من عشر سنوات، حتى تم توقيع الاتفاق النووي السابق في يوليو/تموز 2015، وظنت إيران أن خروجها من مرحلة العقوبات السابقة هو المكسب الأكبر لها، وبالأخص أن امريكا استثمرت دولة الملالي الايرانية بما يخدم اهدافها الأمريكية، وبما تحلم به قيادة الملالي نفسها، فتمزيق الدول العربية وتدمير أنظمتها السياسية وإدخالها في حروب دموية مستدامة يخدم الأهداف الأمريكية لإعادة بناء الخريطة السياسية والجغرافية لمنطقة الشرق الأوسط، من وجهة نظر امريكية وصهيونية وإسرائيلية، باسم الفوضى الخلاقة، وهذا أمر لا تعارضه روسيا الاتحادية أولاً، ولا الاتحاد الأوروبي ثانياً، وتجد فيه إيران فرصة تاريخية لتحقيق أهداف توسعها الديني المذهبي الطائفي في البلاد العربية والعالم الاسلامي، فإيران مثل الدولة الاسرائيلية تعلم أن أكبر عائق أمام مشروعها التوسعي المذهبي الطائفي هو الأنظمة السياسية العربية وشعوبها، فالدول العربية على ضعفها في مواجهة تحدياتها الكثيرة، لكنها عقبة أمام توسع المشروع الإيراني الطائفي فيها، فإذا دعت أمريكا إيران للمساهمة في إضعاف الدولة العربية وتمزيقها فسوف تلبي فوراً، وسوف تقدم لأمريكا وللصهاينة كافة التعهدات بعدم التعرض للدولة الإسرائيلية بأي ضرر حقيقي، وهذا ما يفسر الانتشار الإيراني المسلح والمليشياوي في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، بدون معارضة أمريكية ولا إسرائيلية ولا أوروبية ولا روسية ولا صينية، بل كل هذه الدول تبحث عن مصالحها مع دولة الملالي لكي تكون شريكة معها في تدمير الدول العربية وسرقة أموالها ونفطها وموقعها الجيوسياسي الاستراتيجي، وكأن قادة مشروع «سايكس بيكو» أدركوا أنه أصبح قابلا للسقوط، وأن إعادة إنتاجه من جديد تحتاج إلى الأيدي الإيرانية، وأنه لا بد من مساهمة كل الدول ذات المصالح الاستراتيجية والحضارية، في سعيها لتقسيم المنطقة من جديد، بما يخدم مصالحها بما فيها دولة الملالي في إيران.
على هذا الأساس يمكن تحليل مرحلة التهديدات الجديدة من أمريكا لإيران والعكس، فأمريكا تريد توظيف إيران في عمل تدميري جديد، وبالأخص تمزيق باقي الدول العربية، وإذا ما فرغت من باقي الدول العربية فإنها سوف تستخدم ميليشياتها أو حرسها الثوري في تمزيق دول إسلامية أخرى مثل تركيا أو باكستان أو غيرهما، فإيران اليوم تقاوم الضغوط التي تمارسها أمريكا عليها لتوظيفها في مشاريعها الاستعمارية، كما استعملتها في السنوات الماضية بتدمير العراق وسوريا واليمن وتعطيل لبنان وتهديد الباقي، وإيران أدركت خطورة تدخلها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، على بقائها في السلطة السياسية والعسكرية، فالشعب الإيراني ناقم على الملالي ويسعى للتخلص منهم، وتوريط إيران في حرب مع دول الخليج سيعني المزيد من معاناة الشعب الإيراني وزيادة النقمة عليها، وحيث أن إيران لا تقوى على مواجهة أمريكا عسكرياً، فإنها ترد على الضغوط الأمريكية بتكليف الحوثيين بتوجيه صواريخهم إلى ناقلات النفط السعودية والخليجية، لكي تضغط هذه الدول على أمريكا لتخفيف ضغوطها على إيران، لأن الصدام العسكري الوهمي بين إيران وأمريكا، إن وقع، فسوف يقع على أراضي الخليج العربي ومياهه ودوله، فإيران تهدد مصالح الدول الخليجية مباشرة، لعجزها عن تهديد الأراضي الأمريكية.
وتهديد جنرالات إيران بأن خمسين ألف جندي أمريكي في مرمى النيران الإيرانية هو تهديد فارغ، لأن الجنرالات الإيرانيين يعرفون قدراتهم العسكرية الحقيقية في مواجهة أمريكا، فإطلاق الرصاصة الإيرانية الأولى على الجنود الأمريكيين في العراق أو في سوريا أو غيرهما سيعني نهاية النظام الإيراني، بالقنابل النووية الأمريكية، وهذا ما قاله ترامب تلميحا، عندما رفض التهديدات الإيرانية على لسان روحاني وغيره، وهددهم بأنهم سيواجهون ما واجهته قلة من الدولة في الماضي، وهو يشير إلى القنبلة الذرية التي ضربت بها أمريكا اليابان، إبان الحرب العالمية الثانية، فأمريكا لن تعطي الفرصة لجنرالات دولة الملالي لقيادة معركة يتبادلون فيها النيران، وإنما ستدمر قدراتهم العسكرية على إطلاق صاروخ واحد نحو الجنود الأمريكيين.
أما إذا تم توجيه نيران الصواريخ الإيرانية نحو الخليج العربي والدول العربية، فلن تستخدم أمريكا قوتها العسكرية الهائلة لحمايتها، وسيكون موقفها مثل موقفها من الحرب الدائرة في اليمن منذ ثلاث سنوات، باعتبارها مشكلة إقليمية، وستطالب كلا الطرفين لضبط النفس واللجوء للحلول السياسية السلمية على طريقة سيمفونية الأمم المتحدة، بل قد تحرض كلا الطرفين على حماية حقهما بالدفاع عن النفس، ما سيؤدي إلى تدمير دول المنطقة بما فيها إيران أيضاً، وسيكون الكاسب فيها هو المشروع الغربي والإسرائيلي والروسي فقط، فلا ضمانة لإيران أن تكسب مشروعها الطائفي في البلاد العربية إطلاقاً، حتى لو جمعت كل شيعة العالم ليكونوا حطب حروبها الخاسرة، فالبلاد العربية أكبر من قدرات إيران الطائفية والعسكرية، وإذا خضعت إيران للضغوط الأمريكية بافتعال هذه الحروب في الخليج العربي، فإن الدائرة ستدور عليها داخل إيران نفسها، بل ستكون تلك الساعة هي ساعة الصفر لكل القوميات المظلومة في إيران، من العرب والبلوش والأكراد والأذريين والأفغان وغيرهم، فهذه قوميات إيرانية ناقمة على دولة الملالي الطائفية.
الشعب الإيراني أمام تحديات كبرى في رفض الحرب مع دول الخليج العربي أولاً، لأنها ستكون حربا مدمرة لكل دول المنطقة وشعوبها، بما فيها إيران وشعبها، ومنعها قبل وقوعها خير من محاولة منعها بعد التدمير والخسارة الحتمية، وكذلك فإن الشعب الإيراني أمام خطر ضربة نووية من أمريكا في عهد ترامب، وقد هدد بذلك، ولن يسمح لجنرالات دولة الملالي بتوجيه ضربات إلى جنوده وقواعدهم العسكرية، سواء في سوريا أو العراق أو في مياه الخليج العربي، والخطوة التي ينبغي على الشعب الإيراني أن يتخذها هي إنهاء مرحلة حكم الملالي في إيران، بالدعوة إلى مظاهرات سلمية تطالب بتغيير النظام السياسي بالطرق السلمية، فالملالي أدخلوا إيران في مرحلة فقر وضعف اقتصادي هائل، بأوهام قوة عسكرية جلبت لإيران المتاعب أكثر من المكاسب، على إيران أن تتخلى عن أوهام تصدير الثورة والتوسع الجغرافي ومحاربة العالم. وعلى الشعب الإيراني أن يأتي بحكومة تحمي شعبها داخل حدودها أولاً، وعدم إخراج جنودها لخارج إيران إطلاقاً، وبناء دولة ديمقراطية حقيقية بدون أطماع طائفية، فالدول الطائفية تجاوزها الزمن، أي أن الشعب الإيراني أمام مسؤولية التغيير الحقيقي في نظامه السياسي، وإلا فهو أمام حروب إقليمية مدمرة لاقتصاده، أو أمام حرب نووية مدمرة لوجوده وكيانه.
كاتب تركي

الشعب الإيراني أمام التغيير أو الحرب النووية

محمد زاهد جول

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول احمد:

    رجل متعصب ترکی طائفی

  2. يقول محمد جبرؤوتي - ألمانيا:

    حياك الله صحافي محترف اعتمد الواقع وسلط الضوء على أقوال الساسة الذين لا ينتبه لكلامهم وتلميحاتهم الإنسان العادي إنما تحتاج لصحافي محترف.

  3. يقول مثابر:

    كلام صحيح وتحليل واقعي ولكنه رومانسي فعندما يقول الكاتب على الشعب الإيراني أن يفعل كذا وأن يقوم بكذا فكيف لهذا الشعب أن يقوم بما يطلب منه وهو مقموع بقسوة ومفقر بضراوة وكل همه لقمة عيشه. ألم ينتفض الشعب السوري على جلاديه ونظامه الكثير الشبه بنظام الملالي فماذا كانت النتيجة: العالم كل العالم وقف يتفرج بل يتلذذ بعذابات الشعب السوري. الحكي سهل و إسداء النصائح والإرشادات

  4. يقول رضا الجزائر:

    نظام الملالي أدات من أدوات الفوضى الهلاكة من حيث لا يدري الملالي، بهنجعيتها، و تطرفهم العقائدي و عنصريتهم.

اشترك في قائمتنا البريدية