العراق: القرارات الاقتصادية وحدها هل تقنع المتظاهرين؟

بغداد ـ «القدس العربي»: أقدمت الحكومة العراقية على اتخاذ سلسلة إجراءات اقتصادية لامتصاص الغضب الجماهيري عقب التظاهرات الصاخبة الواسعة التي اجتاحت مدن جنوب ووسط العراق مؤخرا، فيما تسود مخاوف من ان لا تكون تلك الإجراءات كافية لإقناع المتظاهرين إذا لم تصاحبها إصلاحات سياسية جذرية أبرزها كشف الفاسدين ومحاسبتهم.
فقد أكد رئيس الوزراء حيدر العبادي، بعد أيام من اندلاع تظاهرات غاضبة تطالب بالخدمات وتوفير فرص العمل ومحاسبة الفساد، وجود إجراءات ومعالجات تنفيذية لخدمات الماء والكهرباء والصحة والتربية والخدمات الأخرى وتوفير فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل وغيرها وتعزيز قروض الاسكان وقروض المشاريع الصغيرة والمتوسطة في جميع محافظات العراق بدون استثناء.
وأعلن المكتب الإعلامي للعبادي، أن مجلس الوزراء وجه وزارة المالية لتخصيص وتمويل مبلغ قدره 7 مليارات دينار من احتياطي الطوارئ لعام 2018 إلى وزارة الموارد المائية لإنجاز الأعمال المدنية لمحطة التعزيز في الرميثة التابعة لمحافظة المثنى. كما أشار البيان إلى انه «تقرر قيام وزارة المالية بتخصيص وتمويل مبلغ 12 مليار دينار من احتياطي الطوارئ لعام 2018 لمشروع ماء ام قصر في محافظة البصرة، واكمال تنفيذ 52 مقاولة مدرسة فيها خلال ثلاثة أشهر».
وكانت حكومة العبادي أعلنت عقب التظاهرات، عن تشكيل «خلية أزمة وزارية» تضم عددا من الوزراء المعنيين بتقديم الخدمات، مهمتها تنفيذ بعض البرامج والمشاريع الخدمية السريعة التي يطالب بها المتظاهرون.
ولتبديد المخاوف من عدم امكانية حكومة العبادي على الالتزام بتعهداتها لتلبية مطالب المتظاهرين التي تحتاج إلى تخصيصات مالية، كشفت عضو اللجنة المالية النيابية السابقة ماجدة التميمي، عن توفر مبلغ فائض من موازنة 2018 للأشهر الستة الأولى من السنة الحالية، نتيجة ارتفاع أسعار النفط العراقي المصدر إلى الخارج.
وذكرت التميمي في بيان صحافي ان «مجموع الفائض المتحقق خلال الأشهر الستة الأولى من موازنة 2018 بلغ 7،484 ترليون دينار» أي أكثر من 6 مليار دولار. وهو الأمر الذي أكده العبادي أيضا، عندما أشار في مؤتمره الصحافي الأسبوعي إلى وجود تخصيصات مالية لتنفيذ الإصلاحات والمطالب.
وكان ارتفاع أسعار النفط عالميا في الأشهر الأخيرة قد أسهم في تجاوز العجز المالي لميزانية عام 2018 كما وفر لحكومة العبادي امكانيات مالية لتنفيذ بعض المشاريع المهمة المؤجلة، وخاصة في محافظات الجنوب والوسط التي شهدت تظاهرات غاضبة لعجز الحكومة عن توفير الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء.
وتواجه إجراءات الحكومة تحديات في مدى قدرتها على تلبية كافة متطلبات المتظاهرين لمعالجة مشاكلها الشاملة والمزمنة، ومن ذلك ان العديد من القانونيين اعتبروا حكومة العبادي الحالية حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات لحين تشكيل البرلمان الجديد واتفاق القوى السياسية على قيام حكومة جديدة.
وأشاروا إلى ان الحكومة الحالية وبعد انتهاء عمل مجلس النواب نهاية حزيران/يونيو الماضي، هي حكومة تصريف أعمال يومية ينحصر عملها في تمشية المعاملات وصرف الرواتب وتمشية بعض الشؤون العامة في البلد التي لا يجب ان تتوقف كالملف الأمني والخدمي، مؤكدين ان هذه الحكومة لا يحق لها وفق الدستور والقانون، القيام ببعض الأعمال مثل إعلان حال الطوارئ وإصدار أو تعديل القوانين والتوظيف وعقد الاتفاقيات الدولية وغيرها.
وتأتي هذه الإجراءات الحكومية في وقت يساور العراقيين، قلق جدي بان الفساد الإداري والمالي في إدارات المحافظات والتنافس والصراع السياسي بين الأحزاب قد يفشل التحرك الحكومي في الاستجابة لمطالب المتظاهرين.
ولمواجهة هذه المخاوف، أعلن مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير الثلاثاء الماضي، انه قرر تقييم ومحاسبة المسؤولين عن سوء الأداء وتقديم الخدمات في الوزارات والحكومات المحلية، وسط تسريبات عن احتمال منح بعض الوزراء إجازات إجبارية مثل وزراء الكهرباء والصحة، وتعيين وكلاء محلهم لإدارة الوزارات، بغية تنفيذ الإصلاحات والقرارات المطلوبة.
وفي السياق ذاته، كشف النائب السابق علي البديري أن جهات في حكومة محافظة المثنى جنوب العراق، تستغل قرارات بغداد الأخيرة حول تعيين عاطلين في الوظائف الحكومية، حيث يتم ابتزازهم وإجبارهم على دفع رشاوى إلى موظفين مقابل التعيين، الأمر الذي دفع محافظ المثنى إلى التهديد برفع دعوى على النائب البديري لكشفه هذه العملية.
وهدد مجلس محافظة البصرة حكومة بغداد بدفع مستحقات المحافظة المتراكمة بذمتها أو إعلان البصرة إقليما مستقلا.
وذكر عضو مجلس محافظة البصرة أحمد السليطي، إن «الطلب استكمل شروطه القانونية والشكلية وسيرسل من قبل رئاسة المجلس إلى الحكومة» مشيرا إلى ان «هناك أموالا كثيرة في ذمة الحكومة الاتحادية كديون مستحقة لمحافظة البصرة منذ سنوات تعثرت في تسديدها وهي مخصصات البترودولار والمنافذ الحدودية والموازنة الاستثمارية وتنمية الأقاليم منذ عام 2014 وتبلغ 45 مليار دولار» مبينا ان هذا المبلغ سيساعد في توفير الخدمات الأساسية مثل إنشاء محطة توليد كهرباء ومحطة لتحلية المياه.
ومعروف ان محافظة البصرة تحتضن في أراضيها معظم النفط والغاز العراقي المصدر إلى الخارج، كما توجد فيها الموانئ الوحيدة للعراق إضافة إلى منافذ حدودية مهمة مع إيران ودول الخليج العربي عبر الكويت، إلا انها تعاني من نقص هائل في الخدمات نتيجة سوء الإدارة وتفشي الفساد وصراع القوى السياسية والميليشيات ومافيات المخدرات والجريمة على ثروات المحافظة.
وفي الوقت الذي تسابق فيه حكومة العبادي الوقت في اتخاذ إجراءات اقتصادية لاحتواء الاحتجاجات التي اندلعت في مدن العراق، يرى الكثير من المراقبين والقوى السياسية، ان إجراءاته لامتصاص نقمة المتظاهرين الغاضبين مثل إطلاق الأموال لتنفيذ مشاريع خدمية ووعود بتعين الآلاف في الوظائف الحكومية، غير كافية ولا تقنع المتظاهرين الغاضبين المطالبين بإدارة جدية عادلة للمحافظات إضافة إلى ضرورة محاسبة الفاسدين واسترداد الأموال الطائلة التي سرقوها من البلد، الأمر الذي يستبعد معظم العراقيين حصوله لأنه يمس قوى سياسية وميليشيات ومافيات تتمتع بنفوذ واسع في البلد.

العراق: القرارات الاقتصادية وحدها هل تقنع المتظاهرين؟

مصطفى العبيدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول جمال كردستاني:

    جرعات العبادي ما هي الا لتخدير الغاضبين
    وتهداتهم، حلول ترقيعيه ليست في مستوى المشاكل التي يعاني منها العراق
    باختصار مادامت ايران هي الجاره فلا تتغير
    حال الحاره.

  2. يقول muhamed alsami:

    لحد الان لم يجرؤ المتظاهرين المس بجوهر الفساد هو الغاء الرواتب والامنيازات الغير مشروعة لاعضاء البرلمان ومجالس المحافظات والبلديات وايضا الغاء الرواتب التقاعدية الضخمة التي منحت لهم

اشترك في قائمتنا البريدية