العراق بين أضرار ومنافع العقوبات الأمريكية على إيران

بغداد ـ «القدس العربي»: بدأت آثار العقوبات الأمريكية على إيران تتضح على الاقتصاد العراقي، عبر محاولات الالتفاف على العقوبات والاستمرار في تدفق العملات الصعبة من العراق إلى إيران، وسط مخاوف من تداعيات سلبية على الاقتصاد العراقي جراء هذا الصراع.
فبعد إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التزامه بالعقوبات الأمريكية على إيران رغم عدم قناعته بها، فقد تراجع عن ذلك، وتحدث عن سوء فهم الإيرانيين لتصريحاته، مشيرا إلى انه قصد وقف التعامل بالدولار مع إيران وليس إيقاف كافة مجالات التعاون، وهو موقف يتماشى مع مساعيه للمحافظة على حظوظه للولاية الثانية في الحكومة المقبلة وبعد موجة انتقادات قوى شيعية وإيرانية لإعلانه الالتزام بالعقوبات الأمريكية. وفي أول تداعيات النزاع الأمريكي الإيراني على المشهد العراقي، أكدت مصادر في السوق المالية العراقية ان عمليات شراء واسعة للدولار من السوق المحلية تجري حاليا من قبل تجار وشركات صيرفة وتحويلات لغرض تحويلها إلى إيران بشكل مباشر وليس عبر وسائل التحويلات التقليدية لتجنب كشفها من قبل الهيئات الرقابية الأمريكية.
وأوضحت المصادر ان إيران مهدت لفرض العقوبات عليها منذ سنوات من خلال إنشاء مجموعة من المؤسسات المالية في العراق يديرها إيرانيون وعراقيون حلفاء لإيران ضمن شركات الصيرفة والمصارف الأهلية والأجنبية العاملة في العراق التي اعتادت تحويل مبالغ طائلة إلى إيران منذ 2003. كما ان المنافذ الحدودية الكثيرة بين العراق وإيران تتحكم بها أحزاب وميليشيات شيعية معروفة، إضافة إلى ان الحدود الواسعة بين البلدين تزيد عن الألف كيلومتر ويصعب السيطرة عليها بوجود أعداد كبيرة من المهربين، وبالتالي يمكن نقل العملة الأجنبية مباشرة دون الحاجة إلى المرور بنظام التحويلات المعتاد.
عبد الرحمن الدليمي التاجر في سوق الشورجة، وسط بغداد، ذكر لـ«القدس العربي» ان عمليات شراء الدولار من السوق العراقية وتحويله إلى إيران ليست جديدة، فهي حقيقة موجودة منذ 2003 وتقوم بها شركات ومافيات وميليشيات معروفة بعلاقاتها الوثيقة بإيران، إلا ان عمليات السحب تصاعدت مؤخرا بشكل كبير وحتى قبل بدء سريان العقوبات الأمريكية على إيران. وشدد الدليمي على ان عمليات سحب الدولار أثرت كثيرا على سعر صرفه وتوفره وانعكست على ارتفاع أسعار الكثير من السلع والبضائع في السوق العراقية، وبذا فان العراق هو أول المتضررين من العقوبات الأمريكية، مبينا ان المخاوف لدى التجار والمواطنين الآن من لجوء إيران إلى إغراق السوق العراقية بالعملات المزورة التي تشتري بها الدولار، خاصة وان لها مواقف مماثلة في فترات سابقة.
وذكر الدليمي ان إعلان البنك المركزي العراقي وقف التحويلات بالدولار إلى غيران وترك حرية التصرف للمصارف وشركات التحويل المالي مع تحويلات اليورو وباقي العملات، هو التفاف واضح على العقوبات.
ودعا الخبير المالي خالد الشمري، البنك المركزي العراقي لمراقبة نشاط المصارف الأهلية لمنعها من خرق العقوبات، محذرا من ان عجز الحكومة عن التحكم بتصرفات الأفراد والشركات المالية والبنوك، يؤدي إلى وقوع العراق أيضا تحت طائلة العقوبات الأمريكية وعندها سيواجه الاقتصاد العراقي صعوبات كبيرة.
ويعتقد الشمري ان العقوبات الأمريكية على إيران قد تخدم الاقتصاد العراقي إذا تم استثمارها بشكل جيد من الحكومة العراقية، حيث ستوقف انسياب نحو عشر مليارات دولار سنويا في شراء بضائع إيرانية رديئة، وتوفر فرصة للجوء إلى بلدان بديلة لاستيراد سلع جيدة، كما ستوفر فرصا لتشغيل أيدي عراقية في إنتاج السلع واحياء قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة التي تضررت عبر إغراق السوق العراقية بالسلع الإيرانية في السنوات الأخيرة.
ونبه الشمري إلى ان بدء المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية الذي يشمل وقف تصدير النفط ومصادر الطاقة الإيرانية سيؤدي إلى آثار سلبية كبيرة على العراق الذي يستورد الغاز والطاقة الكهربائية من إيران بكميات كبيرة لسد احتياجاته، داعيا الحكومة العراقية إلى التنسيق مع الولايات المتحدة لبحث هذا الموضوع والخروج بأقل الخسائر.
وكانت مصادر مالية دولية أشارت إلى أن البنك الفيدرالي الأمريكي يلاحق عدة مصارف عراقية، لمنعها من القيام بإجراء تحويلات مالية إلى إيران.
وذكرت ان فريقاً من المستشارين الأمريكيين يتابع هذه المصارف التي قد تخضع للعقوبات نفسها التي فرضت سابقا على «مصرف البلاد الإسلامي» الذي تديره شخصية شيعية عراقية مقربة من إيران، بتهمة التورط في تعاملات مالية غير قانونية مع إيران وحزب الله اللبناني.
ويؤكد المتابعون للعلاقات العراقية الإيرانية، ان العراق هو أهم متنفس لإيران للتخفيف من الحصار الأمريكي عليها، نظرا لقربه منها ولوجود حلفاء وأصدقاء كثيرون يتحكمون بالسلطة والسوق الاقتصادية فيه، مما يوفر امكانيات كبيرة للالتفاف على العقوبات الأمريكية واستمرار تدفق الدولار على إيران عبر الآليات والطرق غير التقليدية التي لا تستطيع الولايات المتحدة كشفها أو السيطرة عليها، ولكنها تكون في النهاية على حساب تعريض الاقتصاد العراقي إلى أضرار جادة.

العراق بين أضرار ومنافع العقوبات الأمريكية على إيران

مصطفى العبيدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية