بغداد ـ «القدس العربي»: في أعقاب موجة التظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها المدن العراقية مؤخرا، جراء التزوير في نتائج الانتخابات البرلمانية وتردي الخدمات، تعرض ناشطون إلى حملات اعتقالات وخطف من قبل الأجهزة الأمنية وجهات مسلحة، للحد من مظاهر الرفض الجماهيري.
وقد امتدت اعتقالات الناشطين إلى العديد من مدن العراق شمالا وجنوبا. ففي بغداد، دعا تحالف يضم عشرات المنظمات الإعلامية والمدنية وناشطين وصحافيين، رئيس مجلس القضاء الأعلى إلى التدخل المباشر لإيقاف إجراءات إصدار مذكرات إلقاء القبض والتحري، التي ازدادت خلال الأيام الماضية، ما يشكل خطرا على حرية التعبير.
وطالب «تحالف المادة 38 الدستورية» بإيقاف إجراءات الملاحقات والتضييق واستغلال القضاء في إقامة دعوى كيدية وضغط على الإعلام والصحافيين والناشطين للتأثير على نقل الحقيقة، مشيرا إلى مذكرة إلقاء القبض والتحري الصادرة بحق الصحافي حسام الكعبي، من محكمة تحقيق النجف، لكشفه الفساد في مطار النجف، في حين ان قانون حماية الصحافيين لعام 2011 كفل حق الحصول على المعلومة والاحتفاظ بمصدرها.
الناشط البارز جاسم الحلفي، تعرض للاعتقال عند إحدى بوابات المنطقة الخضراء وسط بغداد، من قبل عناصر أمنية رغم إعلان فوزه في الانتخابات النيابية الأخيرة.
وكتب بعد إطلاق سراحه، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «بدأت ميليشيات الفساد ممارسة قذاراتها. تم اعتقالي في مدخل المنطقة الخضراء».
ومعروف ان جاسم الحلفي هو ناشط مدني بارز شارك منذ سنوات في قيادة التظاهرات التي تشهدها العاصمة العراقية أسبوعيا والتي تطالب بالإصلاحات ومحاربة الفساد والفاسدين.
ويأتي الاعتقال في وقت خرجت فيه تظاهرات أمام بوابات المنطقة الخضراء ومقر مفوضية الانتخابات، لرفض التزوير في الانتخابات.
وتزامنا مع تصاعد نقص خدمات الكهرباء والماء في فصل الصيف العراقي اللاهب، خرجت تظاهرات واسعة في العديد من مدن العراق، جرى خلالها اعتقال عدد من النشطاء المشاركين فيها.
وفي هذا السياق، تظاهرت حشود من طلبة جامعة كربلاء، للمطالبة بإطلاق سراح أحد الناشطين المدنيين، الذي قاد تظاهرة حاشدة، تنديداً بانقطاع الكهرباء بشكل مستمر على المدينة. وتجمع المتظاهرون أمام مبنى الجامعة وسط كربلاء.
التهمة مظاهرة غير مرخصة
وحاول المئات من المتظاهرين الغاضبين اقتحام مبنى محافظة كربلاء ومجلس المحافظة، احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي، وردت السلطات الأمنية باعتقال عدد من المتظاهرين، أطلقت سراح بعضهم لاحقا، ولكنها احتفظت بالناشط يوسف الخزرجي، وهو طالب جامعي، بتهمة تنظيم مظاهرة «غير مرخصة».
واستنكرت نقابة معلمي كربلاء اقتحام قوات الرد السريع مقرها بحثا عن متظاهرين. وناشد رضا الكرعاوي نائب رئيس فرع النقابة وزير الداخلية بـ»التدخل وإحالة قائد القوة المقتحمة إلى التحقيق ومحاسبته بسبب اقتحام مقر النقابة دون أمر قضائي الأمر الذي يعتبر مساسا بجوهر الديمقراطية وحرية العمل النقابي».
وعدَ معلمو كربلاء اعتقال الناشطين الذين تظاهروا للمطالبة بالخدمات انتكاسة ومصادرة لحرية الرأي مؤكدين ان الاعتقالات لن تثني الناشطين عن المطالبة بحقوقهم.
وفي محافظة ذي قار جنوب العراق، تظاهر المئات للمطالبة بالإفراج عن الناشط فرج البدري الذي كان يدعو لمقاطعة الانتخابات ومنع الفاسدين من الوصول إلى البرلمان من جديد.
وهدد شيوخ عشائر ونشطاء في ذي قار بقطع الطرق وعزل مدن كاملة وتصعيد الاحتجاجات في حال عدم الكشف عن مصير الناشط البدري المعتقل منذ أيام.
وذكر بعض المتظاهرين في لقاءات تلفزيونية، أن «الأجهزة الأمنية عثرت على مركبة البدري وهي مركونة على الطريق العام ولم تتعرض لأي حالة تحطيم أو سرقة أشياء منها عدا كاميرا وهاتف محمول تعود للناشط». وحذر المتظاهرون من وقوف جهات سياسية وراء حادث الخطف. وكان البدري من الناشطين المتصدين للفساد في المحافظة والتزوير في الانتخابات الأخيرة.
وفي حادثة أخرى في المحافظة، أشارت المصادر إلى أن «قوات مكافحة الشغب وسوات، تدخلت لتفريق تظاهرة غاضبة من قطع الكهرباء، من خلال إطلاق النار في الهواء واعتقال قادة التظاهرة، فضلا عن ملاحقة المتظاهرين المتبقين داخل أزقة مدينة الغراف» منوهة إلى أن «الأجهزة الأمنية استخدمت سيارات المياه والعصي في عملية تفريق المتظاهرين أيضا».
وكانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، طالبت محافظ المثنى جنوب العراق باحترام حرية الرأي والتعبير، معبرة عن «القلق البالغ جراء تداعيات الحكم على الناشط المدني باسم خزعل خشان، وما رافقه من تظاهرات واحتجاجات نظمتها منظمات المجتمع المدني والناشطون والعشائر والمواطنون أمام رئاسة محكمة استئناف المثنى، وما حصل خلالها من اعتداءات للقوات الأمنية واستخدامها العنف ضد المتظاهرين السلميين والناشطين المدنيين واعتقالها لعدد منهم وكذلك اعتداءها على بعض وسائل الإعلام التي حضرت لتغطية الوقفة الاحتجاجية».
ويذكر ان محكمة الجنايات في المثنى أصدرت حكما بسجن الناشط المدني باسم خشان لمدة ست سنوات، وذلك بعد قيامه بكشف العشرات من قضايا الفساد في المحافظة أمام وسائل الإعلام. ورغم قرار سجن خشان فقد حقق فوزا في الانتخابات الأخيرة نتيجة تمتعه بدعم شعبي واسع.
الضرب بآلات حادة
ولم يكن إقليم كردستان بعيدا عن الاعتقالات، حيث أعلنت شرطة دهوك ان الصحافي مصطفى بامرني وشابين آخرين، تم احتجازهم مؤخرا لديها بسبب حثهم الناس على التظاهر من دون الحصول على إذن من الجهات المختصة.
وكان بامرني قد تم اعتقاله من قبل قوة أمنية مدنية وتم اقتياده إلى جهة مجهولة ولم يعرف مصيره حتى صدور بيان شرطة دهوك. وأثار اعتقاله احتجاج منظمات حقوق الإنسان والصحافة والنشطاء المدنيين، حيث أصدر مركز «مترو» للدفاع عن حقوق الصحافيين بيانا حمل فيه الجهات الأمنية في دهوك مسؤولية سلامة الصحافي مصطفى بامرني. وفي إطار الاعتداءات على الناشطين، أقدم مسلحون مجهولون على الاعتداء على الناشط المدني رضا الشيباني، المعروف بمعارضته للفساد في الحكومة المحلية في الديوانية.
وتم الاعتداء على الناشط الشيباني، أمام مبنى مديرية الديوانية وسط المدينة، من قبل مجموعة مسلحة، قامت بضربه بواسطة آلات حادة، جرى نقله على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.
كما تعرض رئيس قائمة الجيل الجديد في محافظة أربيل رابون معروف، إلى إصابات في رأسه إثر مهاجمته من قبل عدد من الأشخاص.
وذكر حزب الجيل الجديد ان «معروف نقل إلى المستشفى لتلقي العلاج بعد تعرضه للضرب من قبل عدد من الأشخاص المجهولين، دون تحديد هوية المعتدين على معروف، الذي اكتفى بالقول ان أشخاصاً راقبوه لفترة قبل قيامهم بالاعتداء عليه.
ويذكر ان العديد من قيادات ونشطاء التظاهرات في بغداد والمحافظات، قد تعرضوا منذ منتصف 2015 عندما بدأت التظاهرات المطالبة بالإصلاحات ومحاربة الفساد ونقص الخدمات، إلى ضغوط وتهديدات متنوعة تراوحت بين الاعتقال وتوجيه التهديدات، إضافة إلى الخطف كما حصل للنشطاء جلال الشحماني وعماد العراقي وأياد الرغوي وعلي الذبحاوي، الذين ما زال بعضهم مختفيا منذ سنوات، ووصلت إلى حد الاغتيال لبعض الناشطين مثل خالد العكيلي وحسين الحلفي وآخرين، إضافة إلى مقتل بعض المتظاهرين أثناء المشاركة في التظاهرات التي اقتحمت المنطقة الخضراء عام 2016 وذلك ضمن محاولات جهات سياسية أو حكومية ثني الناشطين عن الاستمرار في حراكهم.
وسبق أن حذرت المرجعية الدينية في النجف وقوى سياسية ومنظمات حقوقية واجتماعية، من مخاطر إهمال مطالب المتظاهرين أو إساءة التعامل معهم، مما قد يترتب عليه تحول التظاهرات إلى اعتصامات وإعلان العصيان المدني.
ولم تكن الاعتقالات والاعتداءات هي الطريقة الوحيدة لإرهاب وإسكات الناشطين ومنظمات حقوق الإنسان، بل عمدت بعض المؤسسات الحكومية والقوى والشخصيات السياسية، إلى رفع دعاوى قضائية ضدهم تحت مختلف المبررات والحجج. ومن ذلك استنكار المفوضية العليا لحقوق الإنسان بشدة رفع إحدى الجهات المتنفذة في محافظة كركوك مؤخرا دعوى بحق المتحدث الرسمي للمفوضية ومدير مكتبها في المحافظة بسبب تأديتهما واجبهما الرسمي في ضمان حماية الحقوق والحريات، ومراقبة واقع حقوق الإنسان ورصد الانتهاكات في العراق بشكل عام ومحافظة كركوك بشكل خاص.
وأبدت المفوضية «أسفها الشديد لعدم إدراك العديد من الجهات والمؤسسات الحكومية طبيعة عمل المفوضية وصلاحياتها وتخويلها القانوني في الدفاع عن المواطن العراقي ومنع أي تجاوز على حقوقه من قبل أي جهة كانت».
وتقع هذه الاعتداءات المنظمة على التظاهرات والنشطاء المشاركين فيها، رغم إعلان رئيس الحكومة حيدر العبادي، إصداره التوجيهات بعدم تعرض القوات الأمنية للتظاهرات وتوفير الحماية لها، مما يدل على وجود عناصر ضمن الأجهزة الأمنية، موالية لبعض الأحزاب الكبيرة والميليشيات، تتعمد التصدي للتظاهرات وللناشطين في محاولة يائسة لإنهائها، ولغرض إحراج العبادي أيضا أمام الرأي العام، مع تأكيد المراقبين ان كل تلك الإجراءات القمعية لم ولن تفلح في إسكات الناشطين عن فضح الفساد وسوء الخدمات.
11HOR
مصطفى العبيدي