الكويت ـ «القدس العربي»: لم يكن عام 2015 عادياً بالنسبة للكويت، بل كان حافلاً بالأحداث السياسية والأمنية، وجالباً للكثير من التحديات الاقتصادية والسياسية أيضا.
فبعد سنوات سمان انتعشت خلالها الميزانية العامة للدول بفوائض مالية كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار البترول إلى معدلات عالية، بلغ خلالها سعر برميل النفط أكثر من مئة دولار، شهد العام هبوطا متسارعا لأسعار البترول ليصل سعر البرميل إلى أقل من 30 دولارا كاسرا كل الاحتياطات والتدابير التي اتخذتها الكويت وغيرها من دول المنطقة لتفادي الوقوع في مرحلة العجز الحقيقي.
ولأول مرة منذ عشرات السنين تلجأ الحكومة إلى إصدار تشريع خاص للسماح لها بالاقتراض من الاحتياطي العام للدولة من أجل تمويل التسليح العسكري، بمبلغ 6.2 مليار دينار، عبر ميزانية استثنائية تصرف خلال السنوات العشر المقبلة.
وبعد اجتماع استثنائي عقدته لجنة مشتركة، المالية والداخلية والدفاع والميزانيات والخارجية البرلمانية، بحضور قيادات وزارة الدفاع، قررت اللجنة المشتركة خفض الميزانية إلى 3.2 مليار دينار، والموافقة عليها في تقرير رفع إلى مجلس الأمة، وأدرج على جدول الأعمال، لتكون له الأولوية في الجلسات المقبلة. وحمل الإرهاب، متاعه إلى عمق العاصمة الكويتية، مستهدفاً أحد أكبر مساجد الطائفة الشيعية في العاصمة بتفجير انتحاري نفذه شاب سعودي يدعى فهد القباع، مخلفا 26 شهيدا ومئات الجرحى، فيما بات يعرف بحادثة تفجير مسجد الإمام الصادق.
وخلال شهر رمضان المبارك، استنفرت الأجهزة الأمنية على أعلى المستويات من أجل القيام بضربات استباقية على البؤر الإرهابية التي تهدد أمن البلد، كما استنفرت الكوادر الشعبية من أجل توفير الحماية المطلوبة للمساجد السنية والشيعية على حد سواء، وتشكيل مفارز من رجال الأمن وبعض المتطوعين،
تقوم بتفتيش الداخلين إلى المساجد، خوفا من تعرضها لأعمال إرهابية مماثلة، على غرار ما تتعرض له المساجد في بعض دول المنطقة.
استنفار الأجهزة الأمنية أثمر في الكشف عن خلية كاملة على علاقة بالقضية، تضم نساء ورجالا من المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، تتألف من كويتيين وسعوديين و باكستانيين و»البدون»، بالإضافة إلى متهم هارب لم يتم الإعلان عن هويته، ومن بين هؤلاء «مفتي داعش» في الكويت، وهو أحد نزلاء السجن المركزي.
في آب/أغسطس الماضي كشفت وزارة الداخلية عن إحباط مخطط كبير لخلية إرهابية كان يستهدف زعزعة أمن واستقرار البلاد، عبر تهريب وتخزين كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمواد المتفجرة، تم اكتشافها في عدد من المنازل وإحدى مزارع منطقة العبدلي.
ووجهت النيابة العامة لأعضاء الخلية، تهم التخابر مع إيران وحزب الله اللبناني بهدف ارتكاب أعمال من شأنها زعزعة أمن البلاد، ولكن المتهمين أنكروا هذه الاتهامات بعد عرضهم على القضاء، وادعوا تعرضهم للتعذيب بهدف انتزاع الاعترافات منهم تحت الإكراه.
يبدو أن عام 2015 كان عام النكبات والحظ العاثر بالنسبة لإبن الأسرة الحاكمة وأحد أهم أقطابها، الوزير السابق، والرئيس الحالي للمجلس الأولمبي الآسيوي، الشيخ احمد الفهد، نظرا لما حمله هذا العام من انتكاسات متتالية تعرض لها الفهد أدت إلى انحسار شعبيته إلى حد كبير، بعد اعتذاره علنا لغريميه السياسيين، إبن عمه رئيس الوزراء السابق، الشيخ ناصر المحمد، ورئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي، بعد أن قرر النائب العام في آذار/مارس الماضي حفظ بالبلاغ المقدم من قبله ضدها «بلاغ الكويت» بما تضمنه من اتهامات للمحمد والخرافي بالتخطيط للانقلاب على نظام الحكم في الكويت، وذلك توصلت اللجان الفنية إلى وجود تلاعب في الأدلة التي بنيت الإتهامات.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي صدر حكم قضائي غير نهائي بحبس الشيخ أحمد الفهد ستة أشهر بتهم تتعلق بإهانة القضاء، والإدلاء في مقابلة تلفزيونية بتصريحات منسوبة لأمير البلاد من دون الحصول على إذن من الديوان الأميري، وألزمت المحكمة الشيخ أحمد الفهد بدفع مبلغ ألف دينار لوقف تنفيذ العقوبة.
الشيخ ناصر المحمد يعود للأضواء من خلال التواجد في مناسبات رسمية وشعبية بعد اعتذار أحمد الفهد عن اتهامه ببلاغ الكويت وأحاديث تدور بقوة حول توليه منصب ولي ولي العهد على الطريقة السعودية دون اجراء رسمي حتى الآن.
تراجعت حريات التعبير والرأي بصدور قرارات سحب جنسيات عدد من المواطنين، من ضمنهم النائب السابق عبدالله البرغش وعائلته، وهو المعروف بمعارضته للحكومة، بالإضافة إلى عشرة أشخاص آخرين من بينهم الداعية الشيخ نبيل العوضي، والإعلامي سعد العجمي الذي تم نفيه إلى السعودية، وهما معروفان أيضا بمعارضتهما للحكومة، الأمر الذي فسر على أنه استهداف لكوادر تيار المعارضة.
كما شملت قرارات سحب الجنسيات الإعلامي أحمد الجبر مالك قناة «اليوم» وصحيفة «عالم اليوم»، وعائلته أيضا، ما أدى إلى إغلاق القناة والصحيفة لفقدان مالكهما صفة المواطنة المطلوبة لصدور التراخيص، في الوقت الذي كانتا تشكلان أهم نافذتين أعلاميتين لتيار المعارضة.
وتبع هذه القرارات صدور قرار بمنع جريدة «الوطن» من الصدور، وإغلاق «قناة الوطن» التلفزيونية، وهما آخر قلاع معارضة العملية السياسية الجارية. شهد هذا العام أيضا دخول الكويت ضمن الدول المشاركة في عملية «عاصفة الحزم» التي تجري ضد الحوثيين في اليمن، وهي مشاركة أكدت الكويت أنها تأتي انطلاقا من اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ولا تتعارض مع الدستور الكويتي.
بعد انقطاع استمر لعدة أشهر عاد الحراك المعارض إلى الساحة الكويتية مجددا، ولكن بشكل مختلف، استبدل منهجية المسيرات والتجمعات الزاحفة إلى الشوارع، بمنهجية الثبات واللا استفزاز للاجهزة الأمنية.
ولأن قضية سحب الجنسيات باتت الأكثر تعاطفا وتفاعلا لدى الشارع الكويتي، كانت الفعالية الكبرى لتيار المعارضة هذا العام، بإقامة تجمع حاشد أمام منزل النائب السابق عبدالله البرغش، دعت إلى تنظيمه قوى سياسية وناشطون حقوقيون وتجمعات شبابية، من أجل المطالبة برد الجنسيات المسحوبة له ولعائلته.
لم يخل عام 2015 من صدور أحكام دستورية، كان أولها النطق بدستورية قانون منع الإختلاط المطبق في الجامعات والمعاهد الحكومية، ورفض الطعن المقدم على قانون تنظيم التعليم العالي.
كما أصدر القضاء حكما غاية في الأهمية، بعدم دستورية المرسوم بالقانون رقم 24 لسنة 2012 بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية الصادر بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 وذلك لانتفاء مبررات «الضرورة»، وبالتالي أبطل الحكم كل الأعمال التي قامت بها «هيئة مكافحة الفساد» بعد أن جمعت إقرارات الذمة المالية لعدد كبير من المسؤولين في البلد، على رأسهم رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ورئيس مجلس الوزراء، الشيخ جابر المبارك.
كانت كلمة «هذولا عيالي» هي الأكثر وقعا وتأثيرا في الشارع الكويتي، بعد أن أطلقها أمير البلاد، الشيخ صباح الأحمد الصباح بشكل عفوي لدى حضوره إلى مسجد الإمام الصادق بعد تعرضه للتفجير الانتحاري مباشرة، وقبل أن يتم تأمين المنطقة من أعمال ارتدادية قد تعقب التفجير الأول.
فأمير الكويت حضر إلى المكان مباشرة بعد الحادث، ودون أي تدابير أمنية ينبغي ان تتخذ في مثل هذه الحالات، ليطلع على الوضع بنفسه وقد دمعت عيناه وهو يقول «هذولا عيالي». وكانت لهذه الدمعة وهذه الكلمة فعل السحر في توحيد الصف الوطني، والأثر البالغ في إفشال مخطط إشاعة الفتنة على خلفية هذا الحادث.
راحلون
رئيس مجلس الأمة السابق ورجل الأعمال جاسم الخرافي، والفنان احمد الصالح، والكاتب المسرحي والدرامي عبد الأمير التركي، والنائب نبيل الفضل.
had