لا يمكن لك إلا أن تشعر بالحرج والخجل وأنت تتابع «سي بي سي إكسترا» المصرية في حلقة تلك المذيعة، التي حاورت الدكتور عاصم دسوقي، الاستاذ الجامعي في علوم التاريخ، بما يشبه الاستجواب الأمني بأقصى درجات الاستفزاز فيه.
تابعت الحوار وأدهشني مدى الاستفزاز، الذي قامت به تلك الفتاة التي هي فعلا كما عقب الدكتور دسوقي، تحصيل حاصل للمستوى التعليمي في مصر، مستوى ينتج نماذج تعتقد أن إثارة أزمة غبية أمام الكاميرا قد يخلق نجومية ما.
نموذج تلك المذيعة ليس جديدا، هي فقط أقصى تجل لمشاريع انفجار الضحالة الموجودة كخلايا جهل نائمة في غالبية المحطات العربية الفضائية لا المصرية وحسب، فقد أتحفتنا حقبة الفضاء العربي الديجيتالي المعاصر بمجموعة نخب تحت مسمى «إعلاميين» أسوأ صيغة تمثلهم هم مجموعة شباب وفتيات، يعتقدون في داخلهم أنهم قيادات نخبوية مدججة بالمعرفة، وهي معرفة لا تتجاوز قراءات فيسبوكية أو اطلاعات يوتيوبية محددة، تكفي – في نظرهم- ليكونوا مؤهلين معرفيا، كما في حالة تلك المسكينة، التي تضخمت فقاعتها الهوائية الى درجة قلة الأدب في الحوار مع رجل يعرف ما يقوله، وقد شاء سوء حظه أن يتحاور مع مذيعة مستجدة تهرف بما لا تعرف فكانت النتيجة كما شاهدنا.
وأنا أتابع، وكعادتي التي أذكرها دائما، أحيل ذاكرتي إلى مرحلة ما قبل الفضاء، وأتذكر بالغ التهذيب الإعلامي المصري طارق حبيب، وكيف كان الحوار متزنا حتى لو كان الضيف مثيرا للجدل، فيسيطر الإعلامي رحمه الله على إيقاع الحوار بما يضمن احترام المتلقي واحترام الذات.
في فضائنا العربي المعاصر، انتشرت كالفطر نماذج الجهل كمنهجية في تغييب العقل والحوار، طبعا أستثني بعضا لا يزالون لهم حضورهم المحترم، لكن نتحدث هنا عن تلك النماذج التي لا تعرف أي معايير مهنية جعلت منهم يحملون مسؤولية الحوار أمام الكاميرا.
لا يقتصر الأمر على برامج الحوار الثقافي أو السياسي، بل حتى الحوار الترفيهي أو برامج التسلية صارت خاضعة لإيقاع شارع الهرم لا إيقاع الفن المحترم، ومن ذلك ما تقدمه «أم بي سي مصر» في برنامج اسمه «أحلى مسا» دفعني الفضول للبحث عنه في جعبة العم «غوغل»، لأجده مذكورا في موسوعة «الويكيبيديا»، بتعريف أنه برنامج «إجتماعي»!! تخيلوا ذلك، برنامجا تقدمه فيفي عبده وهشام عباس ويستضيف الراقصة الفاضلة صافيناز يتم تصنيفه على انه «إجتماعي»، ولك أن تتخيل ما دام الأمر في علم الاجتماع تلك المقاربة الفكرية الممكنة بين مقدمتي ابن خلدون وصافيناز. (مع حفظ الألقاب…)!
فيفي عبده غير شهرتها كراقصة جيدة «سابقا» وممثلة متواضعة «طوال الوقت» اشتهرت كذلك في قصة متداولة شهيرة جمعتها مع الأديب الراحل نجيب محفوظ، حيث قالت «الإعلامية الآن» للروائي الراحل نجيب محفوظ، وهو يستقل سيارته المتواضعة وهي تستقل سيارتها المرسيدس: «بص الأدب عمل فيك إيه»، ورد عليها نجيب محفوظ بسرعة: «بصي قلة الأدب عملت فيكي إيه».
ما جرى على «سي بي سي إكسترا» تلخصه تلك الحكاية باختصار.
فيديوهات النت تهزم الفضائيات
سمعت كما غيري عن مؤتمر «شللي» يضم مدعين عربا ممن انبتوا فلا أرضا قطعوا ولا ظهرا أبقوا في تل ابيب، بالتحالف مع متعصبي الليكود هناك، يدعو الى تفريغ فلسطين وترحيل الفلسطينيين الى الأردن واقامة الدولة هناك. وكان رأينا أنهم ومؤتمرهم أسفه من أن ينظر إليه بجدية، لكن المعالجة الإعلامية «الأردنية» عبر المواقع كانت قاصرة عن رؤية هدف «الزعران» والذين اتبعوا سياسة «الحك على الجرب» التي يرغبون بها.
الرد المفحم، كان بتسفيه هؤلاء عبر السخرية، والسخرية اللاذعة أدب محترم يحقق مقاصده في تلك الحالة، وقد التقط ذلك بذكاء الدكتور معن القطامين، والذي أصبحت الفيديوهات التي ينتجها دوريا أشهر من معظم إنتاج المحطات التلفزيونية الأردنية!!
الدكتور القطامين، أصدر فيديو على خلفية هذا المؤتمر كان فيه من السخرية ما يكفي لتنفيس البالون المتخم بالغازات الخاملة ذات الرائحة الكريهة، وهي التقاطة تجعلني أفكر مليا بقوة وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على التأثير في موازاة فضاء تلفزيوني متخم بالإنتاجات الضخمة.
السخرية حالة أدبية رفيعةـ تطورت من الكتابة إلى الإنتاج التلفزيوني في عصر التلفزيون، وفي عصر التلفزيون مرت السخرية الواعية والذكية بمراحل بدأتها الدراما ومسرح الكبارية السياسي، ولعل رائدها في مشرقنا العربي كان الراحل الكبير نهاد قلعي، الذي أنصفه الصديق الأديب والناقد «بشار عباس» حين كتب في ذكرى وفاته تشريحا مميزا أوضح فيه تلك المفاصل التي لم ينتبه إليها أحد في التقاطات قلعي الذكية في بنائه الدرامي، ومنها مثلا «صح النوم» حيث صاحبة الفندق سيدة شامية مسيطرة، لا خاضعة، والقبضاي منبوذ وغبي لا حالة بطولة في حارة وهمية.
تطورت السخرية مع تطور برامج الترفيه في الفضاء العربي فشهدنا مثلا «باسم يوسف» في تألقه مع فريق إعداد التقط السخرية ووظفها تلفزيونيا فأوجع.
هناك عدة أشكال وصيغ يمكن فيها توظيف السخرية لخدمة الفكرة، وأحسن الدكتور معن القطامين في حلقته تلك بفضح الحالة وتحجيمها بما يناسبها تماما.
المشاهد ينتج فضاءه الخاص
وسائل التواصل الاجتماعي ليست وحدها التي تقف في مواجهة الفضاء التلفزيوني، فأنت أمام ما تختاره لك مئات المحطات امامك، أيضا يمكنك الهروب إلى شبكة مغلقة تختار انت فيها ما تريد و باللغة التي تريد أحيانا، وأعني هنا خدمات البث المغلق، مثل «نيتفليكس» و«أتش بي أو» و غيرها.
الفضاء له إمكانياته اللا محدودة، وقد نصل إلى تقنيات ينتج فيها المشاهد مادته الإعلامية ليستمتع بمشاهدتها ضمن خياراته هو وحده.
إعلامي أردني يقيم في بروكسل
مالك العثامنة
ما حدث هو مؤشر واضح وصريح وبين للحالة الثقافية السائدة التى تفشت بين الإعلاميين والجهاز الإعلامى للبلاد وهى حالة من حالات السقوط والإنهيار المعرفى والثقافى مما يعكس بوضوح الإضمحلال الخلقى والفكرى والإنسانى فلنا الله
*من الآخر ؛ ليس كل من ركب الحصان
(أصبح فارسا )..
*وليس كل من عمل خلف المايكروفون
أصبح (إعلاميا ناجحا ).
سلام
الأدب قدم لنا عمالقة.أما قلة الأدب فقدمت لنا متسلقين على سلم النجومية الزائف.
الاستاذ العزيز مالك العثامنة
اعجبنى جدا مصطلح خلايا الجهل النائمه
ولكنى افضل المصطلح الافضل وهو خلايا الجهل النشطه
والمذيع الفيلسوف
فى مشهد جميل من مسرحية المتزوجون حين سأل الفنان الجميل جورج سيدهم الفنان نجاح الموجى
السؤال بتفهم فى السياسة ؟ رد عليه وقاله يا بخت من وفق راسين فى الحلال حينها قال جورج دى سياسة ا…
اهو هو دا الاعلام الحالى فى القنوات الفضائية الخاصة
محمد الغ- احمد مو- حسا- امانى الخ- القرمو-رانيا م -وغيرهم كتير
اللى بيفهموا فى كل حاجه وكل المواضيع
المشكله انهم مصدقين انفسهم انهم اعلاميين ومكالمات الحب المفبركة ومصدقين ان لهم شعبيه .يالله خليهم على عماهم
للاسف ان واقع الحال مخجل وحزين واحيانا مبكي والسبب ان هولاء الذين يطلق عليهم اعلاميين متلونيين فلو راجعنا تصرفاتهم قبل 25 يناير وبعد 25 يناير واثناء 30 يوليو وبعد 30 يوليو سوف تعرف كم التلون الذين يفعلونه لقد اوجز كل شىء الاستاذ مالك في ما قاله باسلوبه المعروف الذي احبه كل شىء يذهب بنا اى الانحطاط فاصبحت الراقصات الرقم الصعب حتى في السياسة للاسف واقع مخجل مبكي سوف نبقى في سلطة المال سيداتي وسادتي وكما قال اخونا مالك والله وهيك