انطلاقة جديدة للتلفزيون الأردني: كثير من المكياج قليل من المحتوى برامج شعوذة يغذيها المشاهدون

 

نتابع باهتمام شديد بداية الانطلاقة الجديدة للتلفزيون الأردني، خصوصا أن الهجوم المتكرر على محتواه في السنوات الماضية يجعلنا مدينين للتلفزيون بمتابعة قد تجعلنا نراجع موقفنا منه.
والنتيجة كانت لصالحه وهو وقد بدأ يستعيد صحوته التي تليق بتاريخه، وربما يعود هذا إلى إدارته الشابة الجديدة، التي قررت أن تحارب ديناصورات «محلك سر» المستفيدة والمنتفعة من تعطيل مسيرة التلفزيون الوطني، ردحا من الزمن.
لا أعرف شخصيا أيا من إدارة التلفزيون الجديدة، لكن نعرف من يعرفهم وقد نقلوا غيضا من فيض المعوقات، التي يحاول المدير العام الشاب تخطيها بطريقة القفز على الحواجز برشـاقة وكثـير من الجـهد.
التلفزيون انطلق بشكل جيد من ناحية تقنية وتطوير ملحوظ وملموس بالشكل وقليل من المحتوى، وهذا مفهوم لمؤسسة تكلست فيها البيروقراطية والعقلية الأمنية، التي لا تزال تعتقد أن لها وصاية على ما يبثه التلفزيون بالتفصيل.
لكن ما لا نفهمه، هو إصرار الدولة الأردنية، ومن خارج عباءة الحكومة، وبدعم من الديوان الملكي مباشرة أن تعطل مسيرة التلفزيون الوطني، وبدلا من دعمه ورفده بكل ما يحتاجه من إسناد، يتم إنشاء محطة «رسمية» جديدة باسم «تلفزيون المملكة» يقودها صحافي مطبوعات لا خبرة لديه بالإعلام التلفزيوني، ومعه مجلس غير متفرغ مثله ويتم ضخ الأموال الطائلة كرواتب ورأس مال بينما التلفزيون الذي كان له تاريخه يمكن البناء عليه مرمي في زاوية الإهمال، تقارع إدارته المستحيل لإنقاذه، وقد فعلت.
يصلنا عتب من زملاء تركوا وظائفهم وانتقلوا للعمل في المحطة، التي لم تعمل بعد، ويبدو أنها لن تعمل كما يجب قريبا، وبعض العاتبين لا يخفون قلقهم من مستقبلهم الوظيفي والمهني وقد غامروا في القفز إلى سفينة شبح يلفها الضباب، فلا يكاد أحد يراها، بينما كان الأولى دعم التلفزيون الرسمي، الذي يدفع لا يزال المواطن الأردني ضريبة حكومية له.
وعودة لانطلاقة التلفزيون فقد أخذ يتميز أيضا محتوى البرامج الصباحية مثل «يوم جديد» الذي تشعر بتغير محتواه بجرأة أكثر وانفتاح أوسع على مواضيع أكثر ملاءمة لصباحات المواطنين، مع تحفظنا على تيبس حالة برنامج «يسعد صباحك» بمذيعته التي لا تتقن إلا الحضور بالمكياج المترف لا أكثر.

الرواية والتلفزيون

من قرأ رواية «أبناء القلعة» قبل سنوات طويلة، وهي التي أعتبرها رواية أردنية عظيمة الشأن، استطاع كاتبها الراحل زياد قاسم أن يعمل على تركيبها بنيويا بطريقة تجعلها عصية على الدراما التلفزيونية (وهذا سر سحرها)، ونحن نرى الرواية ممسوخة في عمل يبثه التلفزيون الأردني لم نستطع ولا مرة أن نكمل حلقة من حلقاته الممسوخة، وفي كل محاولة مشاهدة، نتذكر فصول الرواية التي لا ننساها، فنكتشف حجم الفجوة بين عمل أدبي ساحر وعمل ترويجي مشوه لا طعم له ولا رائحة، ولا يملك حتى أدنى مستويات الترفيه.
لقد ظلمت الرواية بإبداعها كل محاولة درامية تحـاول المسـاس بـها.
الكوميديا هي سلاح الدفاع الأول وربما الهجوم أيضا في ظل الأوضاع المتردية في أي بلد. والنكتة الاجتماعية قد تحمل أبعادا سياسية يعمل الشارع على تأويلها بصيغة نكتة أشبه ما تكون بقذيفة لفظية موجهة تعكس الغضب والقهر.
قيل مثلا في تاريخ النكتة السياسية أن الجنرال فرانكو، ديكتاتور إسبانيا الذي حكمها بالحديد والنار وقمع صوت الحرية فيها، وقد حضره الموت على فراشه، أنه سمع من النافذة وهو في صحوة من صحوات الاحتضار، الناس يهتفون خارج قصره، فسأل من حوله عن سر الصراخ، فقالوا له: إنه الشعب يا سيدي، جاء ليودعك.
فرد فرانكو بكل ثقة المستبد: لماذا؟ إلى أين سيذهبون؟
ومن هنا تصبح النكتة تعبيرا رمزيا وعميقا عن الواقع.
وهذا ما نتلمسه في جرعة الكوميديا، التي نتابعها من مصر مثلا، حتى في بعض الأعمال التي تبثها قنوات محسوبة على النظام مباشرة، فبيومي أفندي في اسكتشاته الساخرة وهي اجتماعية يعرض سخرية من واقع مصري بائس، ونتابع تلك الاسكتشات محاولين تلمس ما وراء النكتة أو الإفيه أحيانا فلا نعجز عن التفسيرات الواضحة.
كذلك في النقد المباشر الذي يمارسه «مسرح مصر» لأشرف عبدالباقي وفريقه، وتلك الارتجالات الذكية والساخرة التي يخرج بها فريق من الشباب الغاضب بسخريته.
دوما، فتش في النكتة عن المأساة، وستجدها.

المشعوذون يسخرون فضائيات لمصلحتهم

ومرة أخرى يتعطل الريموت كنترول في المحطة الخطأ، فتتوقف الشاشة عند آخر ما يمكن أن نشاهده برغبة، وهي محطة «هي» للمرأة العربية كما تعرف بنفسها، لتصادف للمرة الثانية الشيخ يوسف فتوني بجاكيت أحمر بطيخي، في وصلة دجل وشعوذة على الهواء، يتلقى فيها اتصالات هاتفية ويعالج مباشرة من خلالها كل الأمراض الواردة بحبتي قرع، او إنجاصة وحبة البركة ويغلف ذلك باسـم الدين.
لا يهمنا الشيخ ولا محطته، لكننا معنيون بهذا الاقبال على متابعته وحجم الاتصالات الواردة إليه من قبل مفتونين بالدجل والشعوذة، فيغذون بذلك مثل تلك الفضائيات على حساب وقتهم وأموالهم.
الشيخ في تلك اللحظة المؤسفة من لقائنا الثاني كان يقول لمشاهديه: أنا أعطيكم من ذخائر علومي.
أي والله هكذا يقول، وهناك من يصدق؟! رحم الله إبن خلدون!

إعلامي أردني يقيم في بروكسل

انطلاقة جديدة للتلفزيون الأردني: كثير من المكياج قليل من المحتوى برامج شعوذة يغذيها المشاهدون

مالك العثامنة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية