ما زلنا نرى أن التلفزيون الأردني يخطو خطوات جادة لتطوير محتواه وهذا واضح في برامج معينة كبرنامج الصباح اليومي «يوم جديد»، رغم القيود.
من خلال مشاهدة حلقات الأسبوع الماضي يمكن قراءة ما بين السطور في الأداء العام الذي يعكس بوضوح الصراع الأزلي بين المتزمتين، الذين يحاربون التطوير، وهؤلاء موجودون بلا شك في ثنايا التلفزيون بكامل قواهم المحافظة، وبين المؤمنين بالانطلاق نحو محتوى متجدد يكسر قاعدة التقليدي الممل والمضجر في التلفزيون، الذي كادت تقتله الرتابة والجمود والتقوقع في الأمس.
يمكن ملاحظة ذلك – دون الإدعاء بمعرفة من الداخل – من خلال هذا الصراع عند شهد ديباجة بين ما تريد أن تقوله وبين ما يأتيها عبر سماعة الأذن من توجيهات، فتجدها كلما حاولت الإقلاع بنوعية أسئلة متجددة يأتيها أمر الهبوط الفوري على المدرج.
في مقابلتها مع ديانا كرزون مثلا، كانت تحاول الخروج عن التقليدي في الأسئلة مع صعوبة ذلك أمام مطربة أردنية ليس لديها الكثير لتقوله أكثر من رغبتها الشديدة بالإشادة بها وهو ما لم يقصر به بسام الرقاد فأشاد بها بما يكفي لقتل أي حوار فني ممكن.
في ذات الحلقة كانت هناك مقابلة أجرتها ديباجة مع الفنان اللبناني وائل جسار من العقبة، ويبدو أن التجهيزات الفنية ساهمت مع ضيق وقت الفنان في تحطيم الفرصة للخروج بمقابلة جيدة حاولت ديباجة أن تعطي فيها أفضل ما عندها لكن كثرة المعيقات غلبت محاولات شهد الشجاعة فانتهينا إلى مقابلة لم تقلع عن مدرج الهبوط أيضا.
التلفزيون الأردني بحاجة إلى جلسة تقييم ذاتي للخروج بتوصيات ملزمة من إدارته، توصيات شجاعة وقرارات جريئة تطلق الروح الشابة فيه نحو إعلام قادر على استقطاب المشاهدين من جديد.
سر العلاقة بين أحلام و«أم بي سي»
لن تتوقف المغنية أحلام عن استعراضاتها المترفة والمليئة بالمبالغة ما دامت قناة «أم بي سي» نفسها مستفيدة من كل هذا الترف الاستعراضي المستفز، فـ»أم بي سي» أدركت بالتجربة أن الاستفزاز نفسه جزء من صناعة ترفيه جاذبة للمشاهدين، وليس مهما رضا أو حنق المشاهدين فهم في المحصلة أرقام مليونية تحصد الملايين للمحطة.
«أم بي سي» أدركت موهبة مغنية متوسطة الحضور مثل أحلام منذ البداية فروجت لها وخاطبت نقطة الغرور بلا قرار، التي لديها وأدركت أن حضورها على شاشتها يحقق مشاهدات خرافية وبدلا من حضور فنانين حقيقيين استبدلت كل ذلك بأحلام وما حولها من فنانين لا يشكلون إلا خلفية للمشهد.
في الحلقة الأخيرة من برنامج «ذا فويس» كان حضور أحلام المترف بالاستعراض قد وصل القمة طبعا بالتوازي مع تغطية صحافية في المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، لتظهر مستعرضة نظارات مزينة بالألماس، وخاتما ضخما يجعلك تعتقد أن المشهد جزء من تصوير أفلام الفانتازيا الفضائية.
لم يعد مهما لدى «أم بي سي» المواهب الفنية ولا الموسيقى والغناء كمحتوى أساسي لبرنامج يفترض أنه يقدم المواهب، فكل هؤلاء خلفية محشورة بعناية لعرض أحلام الاستفزازي.
برافو «أم بي سي»، تلك ضربة معلم… وضربة للفن أيضا.
مسلسل «الهيبة» لجمهور فاقد الهيبة
رمضان على الأبواب، ونحن طبعا أمام موسم رمضاني متخم بالأعمال المتنافسة الموزعة على الفضائيات في مواعيد عرض متفاوتة تعرف كيف تصطاد المتلقي أقصى حد ممكن.
الدراما الرمضانية صارت تجذب الانتاجات الضخمة، وما يلاقيه الجمهور باستحسان يتم التعويل عليه في أجزاء جديدة غالبا، وطبعا نزف بشرى غياب «باب الحارة « أخيرا عن الشاشة بعد تسعة مواسم من التمديد المطاطي لحكاية انتهت بالجزأين الأول والثاني، لكن الاستهبال الإنتاجي جعل الحكاية تمتد فتقدم التاريخ بالتباس واضح وأحيانا بتزوير متعمد يخدم الترفيه أكثر.
رمضان هذا العام سيشهد انطلاقة الجزء الثاني من المسلسل السوري – اللبناني «الهيبة» بعد نجاح أول أجزائه، وهو ما يقود إلى التفكير بذائقة المشاهد العربي، الذي يبحث عن بطل خارق دوما!
تلك العقدة عن المشاهد العربي، الذي تكمن مواصفات البطل لديه بالخارج عن القانون والمتسلح بالعنف والقسوة فيتعاطف معه إلى أبعد حد ويراه نموذجا لما يريده، وهذا كله بلا شك انعكاس لانكسارات العربي ضمن واقع هستيري من حوله يجعله يهرب إلى فانتازيا بطولات من هذا النوع.
«الهيبة» في ثاني أجزائه سيكون محط اهتمام المشاهدين العرب كنموذج للبطل شديد القسوة والعنف، الخارج عن القانون والمتحايل على السلطة، التي فقد العربي أي مصداقية اتجاهها.
تلك نقطة جديرة بالدراسة لذوي الاختصاص.
برامج على مقاس الواقع المُر
فيما مضى، وكطريقة منهجية للهروب من عالم التوحش الإخباري في التلفزيونات العربية، كنا نلجأ لأي محطة تقدم البرامج الوثائقية والتسجيلية للدخول في عالم واقعي أكثر احتمالا.
لكن يبدو أنه حتى تلك الصناعة دخلتها الأجندات السياسية فصرنا نرى محطات متخصصة بالوثائقيات والأفلام التسجيلية وقد تمت صناعتها بناء على أجندات سياسية مسبقة للتخندق مع طرف ضد طرف.
أفلام عالم الحيوان ومدهشات الطبيعة والكون لم تعد متوفرة إلا في المحطات الأجنبية، أما محطات الوثائقيات فمشغولة بإنتاج ما تيسر من ذخيرة لحروب «داحس والغبراء» العربية.
الفضاء العربي صار جزءا من ميدان الحروب… بل هو ميدان الحرب المستعرة وامتداد حداثوي لثارات «كليب» وهوس «المهلهل» بالدم.
أخشى ما أخشاه أن تتحول القنوات المتخصصة ببرامج الأطفال إلى ميدان جديد لتعبئة الأجيال المقبلة بعقدنا وخيباتنا وحشوها بالثارات والنزاعات والأجندات، فلا نجد بعدها مساحة أمل في هذا الفضاء للغة العقل والتعقل والتوازن.
إعلامي أردني يقيم في بروكسل
مالك العثامنة