بعد أحداث العراق: هل تونس في مأمن من تصعيد جهادي كاسح؟

تشهد الساحة العراقية هذه الأيام تطورات خطيرة، حيث تمكن تنظيم داعش الذي يعتبر امتدادا لتنظيم «القاعدة» من تحقيق انتصارات ميدانية كاسحة، رغم قلة موارده البشرية والتسليحية مقارنة بالدولة العراقية. وهذا ما يضعنا أمام تساؤلات خطيرة يغفل عنها الكثيرون.. هل تونس في مأمن من أحداث مثيلة لما يجري في العراق؟ وهل فعلا هناك اختلافات جوهرية بين الحالتين العراقية والتونسية تجعلنا نقرّ بأن امتداد الزحف الجهادي نحو تونس ليس بتلك الخطورة؟ وهل الجهاد ظاهرة شاذة وليس ظاهرة تاريخية موضوعية؟ وهل الدولة التونسية محصنة أمام الخطر الجهادي؟
النسيج الاجتماعي والسياسي العراقي يتميز بالنزعة الطائفية المتوترة، كما أن نسق النشاط الجهادي في العراق مرتفع، باعتبار مخلفات الحكم البعثي والتدخل الأمريكي، هذا بالإضافة إلى وجود أوضاع متوترة ولا تقل خطورة وطائفية في سوريا، هذا من دون أن ننسى التدخل الطائفي الإيراني والسعودي، ومن دون أن ننسى أيضا مناخ القمع والاستبداد والفساد الذي يقوده نظام نوري المالكي. كما أن الاوضاع المعيشية متدهورة لدى كتلة اجتماعية واسعة، رغم الثروات النفطية الخرافية التي يتمتع بها العراق.
اما بالنسبة لتونس فيتميز النسيج الاجتماعي بالوحدة المذهبية التي لا تمنعنا من الإقرار بوجود تنافر بين التيار الإسلامي الطاغي اجتماعيا وسياسيا والمتمثل في حركة النهضة، وبين التيارات الجهادية التي تعلن صراحة تكفيرها لحركة النهضة ومن يدور في فلكها، كما أن نسق النشاط الجهادي في تونس يسير في خط تصاعدي رغم أنه أقل حدة من النشاط الجهادي العراقي، هذا من دون أن ننسى النشاط الجهادي المتصاعد الذي تشهده ليبيا والجزائر ومنطقة الساحل الافريقي. أما الاستبداد وعلى الرغم من تغليفه بديمقراطية صناديق الاقتراع وبعض الحريات، إلا أنه موجود في مضامينه الاقتصادية والاجتماعية والوطنية، باعتبار استفحال الفساد، وتغول بيروقراطية الدولة واللوبيات التي ربطت مصالحها مع عديد الدوائر الخارجية، هذا من دون أن ننسى طابع الانتهازية والمهادنة والمساومة الذي يطغى على الأحزاب الفاعلة. كما انه لا أحد ينكر التدخل الخارجي في تونس في النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية. إذن، رغم الاختلافات الجوهرية بين الحالتين التونسية والعراقية، الا ان هذا لا يمنعنا من الإقرار بوجود عوامل موضوعية مشتركة بين تونس والعراق، مما يضع تونس أما تهديدات جدية بالتصعيد الجهادي.

الجهاد هل هو فعلا ظاهرة شاذة؟

يعتقد كثيرون أن الإرهاب لا مكان له في تونس، باعتبار أن المجتمع التونسي معتدل ومتسامح بطبيعته. كما يعتقد كثيرون أن الإسلام دين تسامح وسلام، وأن النزعات العنفية والتكفيرية في القرآن جاءت في إطارها التاريخي ولا علاقة لها بهذا الزمان والمكان. وهذا ما ساهم في انتشار القناعات والمواقف التي تقول بأن التيارات الإرهابية تُعتبر شاذة ولا علاقة بالإسلام الحقيقي. وهذا الطرح فيه كثير من التسطيح والاستغفال، فالإسلام هو حركة سياسية – ثورية بامتياز، كما أن الآيات العنفية والتكفيرية في القرآن تندرج ضمن التركيبة النصية الثابتة، ولولاها لما بقي الإسلام، وبدونها يتحول الإسلام إلى شيء آخر. فالتركيبة النصية للقرآن موجهة لتكون متأقلمة مع انحناءات التاريخ ومواجهة أقسى الفترات التي تمر بها الجماعة المسلمة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أننا لا نتحدث من منطلق تبرير ايديولوجي ولا نتحدث بمنطق الإيجابي والسلبي، والـ»مع والضد»، إنما نشير إلى حقائق وموروثات فاعلة رغم أنوف الجميع.
رغم المسافة التي تفصل بين جهاديي العراق وتونس إلا أن ذلك لا يمنع الإقرار بأن التنظيمات الجهادية تتفاعل وجدانيا حتى إن كانت متفرقة لوجيستيا وتنظيميا، فالدافع العقائدي الوجداني يجعلها تتواصل وتتعاون وتتكامل مهما كانت الصعوبات. فالتنظيمات الجهادية خارجة عن إطار نظرية الدومينو التي تشترط التلاحم المكاني حتى تتواصل عمليا.
ومع تقديرنا للأمن والجيش التونسي، علينا الإقرار بأن استراتيجيات وتكتيكات الجهاديين قادرة على تحدي أقوى المنظومات العسكرية والأمنية. فهذه التنظيمات تتميز بطابع عقائدي قوي يجعلها قادرة على تحمل الخسائر البشرية الكاسحة وقادرة على تقديم النفوس البشرية في سبيل تحقيق أهدافها. كما أن هذه التنظيمات لها قدرة كبيرة على التغلغل والتحصن في النسيج العمراني لتدخل في مرحلة مقاومة شرسة على المجالات التي تسيطر عليها في انتظار وصول الدعم والقيام بتوسعات أخرى. لذا تبقى تونس مهددة بتصعيد جهادي خطير قد يساهم في جر البلاد نحو الهاوية. ونتمنى أن يكون ما يجري في العراق رسالة مضمونة الوصول إلى أحزاب المهادنة والوسطية والاعتدال التي تريد تكريس الاستبداد والنهب والفساد باسم الوسطية والتصالح مع الهوية وغيرها من الخزعبلات. كما نتمنى أن تكون الحالة العراقية رسالة مضمونة الوصول إلى البرجوازية الصغيرة والمتوسطة المهادنة، التي تتوهم أن بقاء منظومة الفساد والنهب هو شرط ضروري للحفاظ على مصالحها الطبقية الصغيرة وتعميقها. وإذا لم تتحمل جميع الأطراف مسؤولياتها فليس من المستبعد أن تشهد تونس ثورة جهادية تعصف بالمصالح الطبقية الصغيرة وبالوسطية وبـ»نمط» المجتمع الذي يتباكى عليه الكثيرون صباح مساء…

كاتب تونسي

يوسف بلحاج رحومة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هادي:

    بعد زيارة قمت بها في هذا الشهر الى تونس ،راعني ما لاحظته من حالة الناس وحالة نفسياتهم المنفعلة والتي أصبحت لا تطيق اي انفعال او نقاش هذا لما آلت اليه الحالة الاقتصادية وضعف الطاقة الشرائية للطبقة الوسطى وما دونها ،،ثم عدم اكتراث الجميع بما هو مصلحتهم من نظافة واحترام الأولويات حتى امام الإشارة المرورية ،،، هناك استقالة جماعية من تحمل المسؤولية في التنظيف واحترام الشارع ،،،ثم غلاء المعيشة الذي اصبح مفرطا ،،،

اشترك في قائمتنا البريدية