■ في عام 1994 وقّعت الولايات المتحدة، ضمن دول أخرى، تعهداً أمنياً مع أوكرانيا يقضي بحمايتها من أي خطر مقابل تخليها عن طموحها النووي.
الاتكاء على الأقوى يمثل في أحيان كثيرة ضمانة استراتيجية، لكن ما حدث لاحقاً هو أن هذا الاتفاق لم ينفع أوكرانيا، ولم يحمها من التدخلات الروسية التي تجاوزت السياسة والتحريض الداخلي لتدخل مجال الاحتلال العسكري المباشر والتهديد الحيوي. الولايات المتحدة التي عبرت عن قلقها واستيائها وامتعاضها لم تقدم حتى سلاحاً مناسباً لحليفتها الصغيرة، أما روسيا التي تمسك بملفات مهمة ضمن الشرق الأوسط، وتهدد من حين لآخر بغلق صنبور الطاقة الذي يغذي اوروبا، فقد تمادت لحد الحديث صراحة عن أنها لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى آخرين يعبثون بـ»مجالها الحيوي».
هذا المثال، وغيره كثير، كان بلاشك حاضراً في عقل ممثلي دول الخليج الذين اجتمعوا في كامب ديفيد الشهر الماضي، للاتفاق على ضمان أمريكي يقضي بالتدخل المباشر والحماية من كل اعتداء، خاصة من قبل إيران. العلاقة المريبة مع طهران وتجارب المراوغة الأمريكية أضعفت حماس المجتمعين العرب لهذا اللقاء، فكيف يمكن أن تكون الولايات المتحدة شريكاً للخليج ولإيران التي تدخل علاقتها معها مرحلة التقارب والتفاهم في الوقت ذاته؟
لا شيء يضمن في الواقع عدم تحول أي معاهدة دفاعية أو أمنية لحبر على ورق، بل حتى لو تم منح هذه الدول عضوية الناتو فإن مصيرها لن يكون أفضل بكثير من مصير تركيا، العضو الأصيل، التي لم تمنحها عضويتها حصانة ضد التعدي الاسرائيلي على سفينتها مرمرة، الحادثة الشهيرة التي جاء رد فعل الناتو عليها بارداً وبلا زخم. إذن، فإنه حتى في حال الحصول على تعهدات أو صنع اتفاقات فإن ذلك لن يعني الكثير على المدى الواقعي. لكن هذا نفسه لم يحدث، فلم يتم التوقيع في ذلك اللقاء على شيء واكتفى الطرفان بتبادل عبارات المجاملة الدبلوماسية. الواقع أن الغرض الأمريكي من كامب ديفيد الثانية هذه كان مختلفاً. كان الهدف هو تمرير اتفاقهم النووي مع إيران وطرح موضوعات أخرى غير التعهد بأمن الخليج كالتعاون في مجال محاربة الإرهاب والجماعات المسلحة ومعرفة الرؤية الخليجية لأحداث المنطقة.
صحيح أن الأمريكيين قد تحدثوا عن منظومة دفاع صاروخية تحمي من الهجمات الإيرانية، لكنهم كانوا يعلمون قبل غيرهم أن مثل هذه الدفاعات لن تكون مفيدة لصد المحارب الإيراني الذي يمكن أن يتحايل عليها بسهولة.
الجانب العربي الذي فكّر بكل ذلك اعتبر أن شريكه الأمريكي لم يعد يناقش همومه الأمنية بالموضوعية الكافية. الخليج، والعربية السعودية خاصة، تحتاج ليس فقط لقدرات دفاعية، بل لقدرات هجومية أيضاً وهو ما لن تحصل عليه إلا بتكنولوجيا متقدمة يرفض الأمريكيون، حتى الآن، نقلها ومشاركتها حتى مع من يعتبرونهم حلفاء.
في هذه الظروف نشأت الفكرة التي شجعها العاهل السعودي والتي تقضي بتقليل الرهان على الولايات المتحدة والبحث عن شركاء جدد، فكان التعاون مع تركيا، ثم قطر ليتشكل بهذا حلف من نوع جديد يحلو للبعض أن يطلق عليه اسم «الحلف السني». التفكير في مثل هذا الحلف كان بلا شك خطوة موفقة وشجاعة، فقد تجاوز أعضاؤه تلك التقسيمات الضيقة التي حصرت العرب ضمن أحلام القومية العربية التي حرمتهم من الاستفادة من مقدرات عالم إسلامي نامٍ ومتطور يوماً بعد يوم، بما يفوق، ربما، درجات النمو العربي المختلفة. أيضاً تجاوز هذا الحلف الاختلافات المنهجية حول الموقف من الحركات الإسلامية وجماعة «الإخوان» ليتحد في ملف لا خلاف عليه وهو الملف السوري والتفرغ لإنهاء حقبة بشار الأسد الدموية.
قادة الحلف الجديد يريدون تجاوز الولايات المتحدة، التي لم تقدم للقضية السورية سوى تصريحها المتكرر «لا مكان لبشار الأسد في سوريا» وغير تعبيرها الأخير عن إحباطها وعن ضرورة تغيير التفكير في حل عسكري.
الولايات المتحدة التي تمسك العصا من الوسط تريد أن تتمسك بدبلوماسية تجعلها لا تخسر شيئاً مهما حدث ومهما كانت العواقب، أما العربية السعودية وفي ظل سياسة الحزم الجديدة، فتريد بالمقابل هزيمة إيران في سوريا، وهو ما سيكون، في حالة نجاحه، درساً أقوى من مشروع الدفاع الصاروخي الذي يتحدث عنه الأمريكيون، حيث سيردع إيران عن محاولاتها للتمدد نحو أجزاء أخرى من الجزيرة العربية. التحالف الجديد يثير حفيظة «حزب الله» الذي يضمحل الآن في سوريا وحتى في الداخل اللبناني، خاصة بعد أن ظهرت حقيقة كونه مجرد أداة في يد ملالي إيران، لكنه، أي هذا التحالف، مرشح لتغيير التوازنات السياسية في العراق الذي تنمو فيه حالياً روح معادية للتدخلات الإيرانية حتى داخل طائفة الشيعة. من ناحية أخرى، هل يمكن أن تعتبر الضربة التي ستوجه لإضعاف حزب الله في سوريا مفيدة للحراك اللبناني الداخلي الذي يدعو منذ وقت إلى تقليم أصابع الحزب؟
الأيام وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، لكن الأكيد أن مثل هذه التحالفات تضايق ليس فقط أنصار بشار الأسد من الدول والمجموعات، ولكن أيضاً الولايات المتحدة التي تقلقها فكرة «السقوط المفاجئ» للنظام السوري. الولايات المتحدة تريد سقوطاً تتحكم فيه وتعرف مآلاته، ولا تريد فوضى جديدة قد تؤدي لهضم مصالحها في المنطقة.. تريد أن تقايض بشار الأسد مع أوراق أخــــرى تلعـــــب بها مع روسيا (أوكرانيا نموذجاً) وإيـــران، ولذلك فهي تكثر الحديث الآن عن إنهاء تنظيم الدولة كأولوية. أطراف كثيرة ستقلقها سياسة التحالفات الجديدة التي تقودها العربية السعودية، هي الأطراف ذاتها التي سخرت من تحالف الحزم من أجل اليمن وحاولت إفشاله وتشويهه، وهي ذاتها التي ستعمل بجد وقوة لإعاقة أي تدخل مماثل في أي منطقة أخرى، لاسيما سوريا.
الجديد في هذه السياسة هو في التفكير خارج الصندوق وفي تجاوز الشراكة الأمريكية التي أصبحت مثار شك، أما الخطورة فتكمن في تشجع المنطقة على اتخاذ قرارات مستقلة وحاسمة وهو أمر لم يعتد عليه الغربيون، ولا حتى حكام وشعوب المنطقة..!
٭ كاتب سوداني
د. مدى الفاتح
مصالح الغرب تبقى مصالح الغرب
السؤال هو : وأين مصالح العرب؟
أعتقد أن القيادة الجديدة بالسعودية الآن قادرة على لعب دور مهم بالمنطقة
فعاصفة الحزم كانت بداية موفقة للبدء بتكوين مصلحة مشتركة لأعداء ايران
مصلحة العرب بتوحد ارادتهم واقتصادهم ورؤيتهم للحاضر والمستقبل
ولا حول ولا قوة الا بالله