العملية الإرهابية ضد صحيفة «شارلي ايبدو» الباريسية التي نفذتها «القاعدة»، فتحت الباب على مصراعيه لتعريف حرية التعبير وحدودها.
الثقافة الغربية تقوم على حرية التعبير، ولكن هل هذه الحرية مطلقة؟ لا، ليست كذلك، والدليل أن أي مقال ضد اسرائيل، وليس حتى ضد اليهود كعرق أو ديانة يصّنف على أنه معاداة للسامية وتطاله قوانين معاداة السامية المنتشرة كالنمل في كل أرجاء أوروبا. صحيح أنه لا توجد قوانين أوروبية أو امريكية تمنع تناول المسيحية أو شخص السيد المسيح والسيدة مريم العذراء، أو تعاليم الإنجيل بالسوء، ولكن تناولهم بالنقد أو التجريح أو السخرية لا يكاد يكون موجودا. وهذا يرحب به المسلمون كونهم يحترمون كل الأنبياء والرسالات السماوية. لا نرى أيضا رسوما كاريكاتيرية تحط من قدر بوذا الذي يتبع تعاليمه مئات الملايين الذين قد يغضبون للنيل منه. كما أن تناول فئات عرقية أو إثنية بالسخرية أو إهانتها يعرّض فاعلها للمساءلة الاخلاقية من قبل المجتمعات، كما في حالات السود، أو الهنود الأمريكيين الأصليين، او الجنس الإسباني اللاتيني، وكثيرا ما يضطر الكاتب أو الإعلامي الى الاعتذار علنا عن فعلته على الملأ.
إذن لماذا تحظى كل الديانات بالتبجيل ولا يجرؤ أحد على تناولها بالسوء من قريب أو من بعيد، وكذلك كل الأقليات العرقية؟ ولكن عندما يصل الأمر الى المسلمين، وهم ليسوا أقلية، اذ يصل تعدادهم الى بليون وثلاثمئة مليون نسمة، ينبري الشرق والغرب معا منافحين عن حرية التعبير «المطلقة» بلا حدود. الكثير من صحافيي الغرب والإعلاميين يكتبون أن كل المسلمين يدعمون الارهاب، وأن الدين الاســــلامي دين يحض على العنف والإرهاب واحتقار المرأة. وهذا بالطــبع مناف للحقيقة، ولكنهم يتمادون في اتهامانهم بدون دليل أو حجّة، ويصير كل مسلم متهما حتى تثبت براءته. كذلك الامر عند الحريات الشخصية فكلها (حتى العري) مصانة بالدساتير، كلها، عدا الحجاب مثلا في فرنسا، دولة الحريات كما تدعي!
نحن لسنا ضد حريات التعبير، حتى المطلقة، إن كانت تقوم على الحجة والمنطق، وليكن حوارا حرا، مع حق المتهم أو المفترى عليه بالرد في الصحيفة نفسها. اما أن تكون سخرية ومهانة وافتراء بدون وجه حق فهذا انتقاص من حرية الطرف الآخر في الدفاع عن وجهة نظره بالطرق السلمية الحضارية المشروعة.
تدرك الصحافة الغربية جيدا مدى حب المسلمين لرسولهم محمد، صلى الله عليه وسلم، لذا فإنها لا تنشر وتعيد نشر الصور المسيئة لمحمد فقط لتمارس حرية التعبير التي تعشقها وتموت من أجلها كما تدعي، لا فالهدف من نشرها هو واضح وجلي وهو استفزاز المسلمين وتحدي مشاعرهم، وهم يدركون أن هناك فئة قليلة متطرفة ستلجأ للرد بالعنف، وهذا سيعطيهم قاعدة شرعية للاستمرار في نشر مقالاتهم وافلامهم وكاريكاتيراتهم التي تهين شخص الرسول، في حلقة مفرغة من الاستفزاز والعنف المضاد. هذا بالضبط ما قاله رئيس وزراء فرنسا السابق دومينيك دي فيلبان، من ان الارهاب هو من صنع الغرب، وأن الغرب، لا المسلمين، هو المسؤول عن تنامي الارهاب في العالم. الهدف الأبعد لحركات الاسلاموفوبيا المنتشرة في اوروبا وأمريكا هو التضييق على حريات المسلمين المواطنين في الغرب والتضييق على الهجرة الإسلامية المشروعة لأوروبا وأمريكا، وقد يؤول أيضا الى التضييق على حرية العبادة للمسلمين في الغرب، أو حتى تقاليدهم الاجتماعية ومدارسهم وجمعياتهم وأنشطتهم الاغاثية والفكرية والادبية والفنية، وبالطبع السياسية.
الهدف الاستراتيجي الأبعد هو ايجاد المبررات للتدخل في المنطقة، كما حصل في افغانستان والعراق من قبل، والان في العراق وسوريا واليمن، وربما ليبيا لاحقا بدواعي مكافحة الارهاب.
المسلمون كلهم يرفضون النيل من شخصية رسولهم الكريم، والغالبية العظمى منهم يرفضون القتل والإرهاب كرد على الصحافة والإعلام الغربي. مظاهرة باريس المرتقبة ضد الإرهاب ومع الدفاع عن حرية التعبير أمر جيد، ولكن حبذا لو يدرك الجميع أن حرية التعبير تقترن أيضا باحترام معتقدات الآخرين واحترام حرياتهم الدينية والشخصية، وأن تكون دعوة للتعايش السلمي بين اوروبا ومواطنيها المسلمين، مع التأكيد على حماية مسلمي أوروبا من خطر الأحزاب اليمينية والفاشية التي تسم المسلمين بالارهابيين وتدعو الى طردهم من اوروبا.
الثورات العربية الحالية قامت من أجل الحريات، وعلى رأسها حريات التعبير التي عانت شعوب المنطقة من تبعاتها، من سجن وقتل ومصادرة للممتلكات من قبل الأنظمة المدعومة من أمريكا وأوروبا على مدار العقود الماضية، فلا يعقل أن تدافع فرنسا عن حرياتها ولا تحترم حرية معتقدات العرب والمسلمين. فرنسا بالتحديد، واوروبا وأمريكا بالعموم، كلهم مسؤولون الآن عن حماية المسلمين ومساجدهم ومراكزهم الثقافية من موجة الكراهية، وأن تتخذ من السويد مثالا يحتذى للتعاطف مع مواطنيها المسلمين. فرنسا وألمانيا، حيث تترعرع فيهما الحركات الفاشية المعادية للإسلام، عليهما مراقبة هذه الأحزاب من القيام بأي أعمال عنف ضد المسلمين، واعتبارها أعمالا إرهابية.
«القاعدة» في بيانها الذي تبنت فيه عملية باريس وسمتها «غزوة باريس» وصفت الصحافيين الذين رسموا الكاريكاتيرات المسيئة للرسول بأنهم أساءوا للرسل واساءوا الأدب بحقهم. قد تدرك أو لا تدرك فرنسا أن غالبية المسلمين في شتى أنحاء العالم يتفقون مع هذا التوصيف، واذا كنتم غير مصدقين إعملوا دراسات أو استفتاءات. وما يجب أن تعلمه فرنسا أيضا أن ملايين العرب والمسلمين لا يتفقون بتاتا مع الرد العنفي من قبل «القاعدة» على الصحيفة الباريسية. الكثيرون في العالم الإسلامي يعتقدون أن هناك الكثير من الأساليب السلمية الحضارية للرد على الصحيفة الفرنسية، وتعليمها درسا في الأدب بدون إراقة الدماء.
وخزة: استشهد الناطق باسم «القاعدة» في بيانه بتبني عملية باريس ببيتين من الشعر لم يفهمهما غالبية العرب، فكيف ستفهمهما فرنسا؟
٭ كاتب فلسطيني
د. خليل قطاطو
الدرس الوحيد الذي ينفع لردع الغرب من اهانتنا هو ما حصل بباريس
فقد قام المسلمون بمقاطعة المنتوجات الدانماركية للضغط على الغرب
لكن الغرب دعم الدانمارك بعدة أوجه ومنها نشر الرسوم بأوروبا
لا يفل الحديد الا الحديد وزمن المسكنة قد ولى وعلي وعلى أعداء ديني
ولا حول ولا قوة الا بالله
مقال رائع د. خليل بارك الله بك
هي حلقة مفرغة كما تفضلت د. خليل و لكن المأساة أن يكون المراد لها أن تظل كذلك حتى تتحقق أهداف المستفيدين من عدم كسرها.
زوجي الحبيب خليل انا بحكي انه الاعلام الغربي غير دقيق ويعمل لمصلحة القوى العظمى( الصهيونيه و أمريكا و اﻻعمال اﻻرهابية لم يقم بها ولم يخطط لها سوي الصهيوامريكية لتبقي جميع دول العالم في حالة ارباك وتخبط .اﻻسلام بريئ من هذه اﻻعمال القذرة المنافية لكل من عندة خلق ودين .
من يعرف دين اﻻسلام حقا يعلم أنه دين التسامح والمحبة .
ومن يقوم باالقتل والتدمير هم من تجردو من ابسط المثل اﻻنسانية انهم مرتزقة ليس لهم خلق وﻻ دين هم اليد الملوثة بدماء اﻻبرياء ويقذفون باعمالهم اﻻجرامية ال ديننا الحنيف وللاسف نجد من مسلمين الهوية من يساندهم..
انا فخورة بك
الإهانه في هذه الرسومات وغيرها من رسومات ومقالات وعروض تلفزيونيه سابقه أو لاحقه ليس هدفها الإساءه الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أعلى مقاما عند رب العالمين من أن ينال منه هؤلاء التافهون او غيرهم او حتى البشريه جمعاء. الهدف الحقيقي ليس حريه ،تعبيرَ، كما يدعون وانما حريه إستفزاز المسلمين الأحياء وإهانتهم أينما كانو. المسلمين اصبحوا “punching bag” لكل حاقد عنصري متطرف. وعلى رأي المثل، من أمن العقاب أساء الأدب.الرد الأمثل على هؤلاء هو الإهمال التام ، لأن هدفهم هو تحقيق شهره سريعه بركوبهم موجة الحقد والعنصريه التي تجتاح الغرب عموما ضد المهاجرين، والحقد التاريخي للاسلام والمسلمين، الذي تعمل الحركه الصهيونيه على احياءه وتنميته لخدمه مصالحها، كي يبقى الغرب في حالة عداء مستمر مع المسلمين