على امتداد تاريخ إسرائيل توفرت أزمنة كاشفة، حفلت بافتضاح مقادير قصوى من عناصر الخطاب العنصري والعصابي تجاه الآخر، أو الـ «غوييم» في المصطلح الفقهي الأوسع، والأدقّ أيضاً. وفي هذه الأيام، التي تشهد هوساً محموماً بفكرة «يهودية الدولة»، لا تكون سيرورات الانكشاف مقتصرة على إسرائيل وحدها، بمؤسساتها وأحزابها وتياراتها السياسية والأيديولوجية والثقافية كافة، فحسب؛ بل تتفجر على نطاق كوني شامل، وأينما دار سجال حول الأمر، هذا، أو سواه من شؤون وشجون «دولة اليهود»، كما صار جائزاً للمرء أن يقول.
وهكذا، ثمة هذه الأيام الكثير من المغزى، وقدر لا بأس به من الطرافة، في متابعة جيفري ألدرمان، الصحافي والأكاديمي البريطاني، الذي لا يكاد يفوّت شاردة أو واردة تخصّ يهود العالم عموماً، ويهود بريطانيا خصوصاً، وإسرائيل على نحو أخصّ ودائم ودائب، غنيّ عن القول. قبل أيام خاض، على صفحات «جويش كرونيكل»، في ملفات العداء للسامية، ولكن ضمن فئة ملاّك أندية كرة القدم في بريطانيــــا؛ وقبلها عاب على وكالة غوث اللاجئين، الـ «أونروا»، أنها تتــــخذ مواقف منحــــازة ضدّ «اليهــودية والدولة اليهودية»، ولا تُدرج الـ «هولوكوست» في المناهج الدراسية داخل المخيمات؛ وقبل هذه وتلك، ذكّر الصحافي والروائي البريطاني ويل سيلف أنه، أي الأخير، ينتمــــي إلى عائلة بريطانية عريقة ضمّت أساقفة وساسة وقــــادة عسكريين كباراً، ولكنه من ناحية الأمّ يهودي، ولا يحقّ له بالتالي أن يستقيل من اليهودية!
وحول هذه الحكاية الأخيرة، كان سيلف قد نشر مقالة في الـ «غارديان»، مطلع الشهر الماضي، راجع فيها كتابَيْ شلومو ساند، «كيف توقفتُ عن كوني يهودياً»؛ وجولي برشيل، «غير مختارة: مذكرات محبّة للسامية». السطور الأولى في مقالة سيلف تسير هكذا: «في سنة 2006، حين كان جيش الدفاع الإسرائيلي يقوم بتوغله الثاني داخل لبنان، استقلتُ من يهوديتي. ولقد فعلت ذلك علانية في مقالة، ولم تكن استقالتي احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي ـ فلماذا سوف يكترثون بهذه الحركة أصلاً؟ ـ بل كانت تستهدف عدداً من اليهود الإنكليز البارزين في صفّ اليسار، الذين واصلوا مساندة إسرائيل على نحو صريح، رغم التناقض الصارخ بين القِيَم التي اعتنقوها، وسياسات التوسع والأبارتيد التي تُمارس في ما يُسمّى وطن اليهود».
ويا غيرة الدين، أو بالأحرى: الديانة اليهودية! كيف لرجل مثل ويل سيلف، أمّه يهودية، ولدت في إحدى ضواحي نيويورك اليهودية، من عائلة روزنبلوم اليهودية العريقة… أن يستقيل من يهوديته، وهو في اليهودية لا يختلف عن أيّ «حاسيديم» من بروكلين أو ستامفورد هيل؟ هكذا تساءل ألدرمان، قبل أن يختم مقالته ـ الطريفة، في ظنّي، رغم نوبات التشنج الهوجاء التي تضرب سطورها! ـ هكذا: إذا أردت الالتحاق بحركة تعارض «حقّ تقرير المصير الوطني اليهودي»، والتعبير من ألدرمان بالطبع، فلماذا لا تفعل ذلك من داخل هويتك اليهودية؟ لماذا تستقيل، وأنت تعرف أنّ الاستقالة ممنوعة؟
ومن حيث سوية الابتذال، الفكري واللفظي على حدّ سواء، لا ينافس تعبير «حقّ تقرير المصير الوطني اليهودي»، إلا تعبير «التطهير العرقي لليهود»، الذي نحته ألدرمان نفسه، في ردّ على مقالة كان عمدة لندن السابق، كين لفنغستون، قد نشرها بعنوان «الأمر يتعلق بإسرائيل وليس بالعداء للسامية». وألدرمان لم يتورّع عن الجزم بأنّ أسوأ أحداث التطهير العرقي، التي شهدتها الأزمنة الحديثة، هي تلك التي تعرّض لها اليهود في «الأراضي العربية»، متجاهلاً ـ وهو المؤرّخ، في نهاية المطاف ـ أنّ الحقيقة عكس ذلك الجزم الأخرق، بل هي نموذج صارخ على حقيقة أخرى كبرى: عجز معظم الجاليات اليهودية عن الاندماج في أية ثقافة وطنية، والعزوف عن بلوغ درجة عالية أو كافية من حسّ المواطنة والمشاركة المجتمعية، ورفع الولاء لإسرائيل، حتى قبل أن تولد، فوق كلّ ولاء.
والمرء يتذكّر ذلك الإعلان الذي واصلت مجموعات الضغط اليهودية نشره في صحيفة «نيويورك تايمز»، والذي يقول: «سوريا تحتجز اليهود ضمن أقسى الشروط… في عقر دارهم»؛ تماماً حين كان حافظ الأسد قد «استجاب لجميع مطالبنا»، حسب تصريح نسيم حاصباني، الطبيب خريج جامعة دمشق، والناطق الرسمي باسم يهود سورية، في أعقاب اجتماع الأسد بوفد من «المجلس اليهودي السوري» جاء للتهنئة بالولاية الرئاسية الرابعة؛ وكذلك، وأوّلاً، بعد أن كان الأسد قد استقبل إبراهيم حمرا، كبير حاخامي يهود سورية: ليس في قصر قاسيون، بل في… بلدة القرداحة!
صبحي حديدي
ولقد جرى على ذات العادة، صدام، فكانت أملاك يهود العراق، ممن هاجر وهجر، تسار اليهم إجاراتها وخراجها، من ديوان الرئاسه مباشرة.
يهود البلاد العربيه، منذ زمن بني أمية، وهم أهل وجيران، ولكن من بنى إسرائيل، من الصهاينة، كان يريد سكاناً، و أهل الكراسي في حينه، من العرب، دفعوا باليهود للهجرة، وما كان يهود العرب بمجملهم، يريدون من أرض فلسطين، أكثر من حجة في العمر.
تحية إجلال ليهود سوريا والعراق وتونس والمغرب وغيرهم، ممن تمسك بأرضه وجيرانه، رغم المضايقات، ولم يهاجر لأرض ميعاد، وما هو إلا ميعاد مذلة وغربة أبديه.