حلب ستالينغراد الجديدة

حجم الخط
1

موسكو ـ «القدس العربي»: تستعد روسيا للاحتفال بأحد أكبر الأعياد في تاريخها في 9 مايوأيار. إنه عيد النصر في الحرب العالمية الثانية أو ما يُعرف في روسيا بـ»الحرب الوطنية العظمى» (1941-1945). وفي هذه الأيام البارزة والمهمة بالنسبة لروسيا، تخوض مدينة حلب السورية، إحدى أكبر مدن الشرق الأوسط وأقدمها، معركة ستاليتغراد جديدة، والتي تُعرف بأنها أكثر المعارك دموية خلال حرب الاتحاد السوفييتي السابق مع ألمانيا النازية. حيث استمرت معركة ستالينغراد حوالي 6 أشهر وقتل خلالها أكثر من مليون شخص وأصبحت هذه المعركة نقطة تحول الحرب العالمية الثانية.
وحتى هذه اللحظة، بات مفهوماً أن حلب أصبحت رمزا لفشل الدبلوماسية الروسية الأمريكية التي لم تضع السبل الحقيقية لضمان الالتزام بالهدنة التي تعد أمرا حيويا بالنسبة لمفاوضات جنيف. وترى ماريا دوبيفوكوفا، رئيسة النادي الدولي للدراسات الشرق أوسطية بموسكو، أن المدنيين في حلب أصبحوا رهائن الظروف الصعبة الراهنة. وهي: أولا: على الرغم من جميع المحاولات والمباحثات بين روسيا والولايات المتحدة لم يتمكن الجانبان من التوصل إلى اتفاق حول سبل منع وقوع خروقات للهدنة وآليات الرد على هذه الخروقات. وثانيا: لم يشمل «نظام الصمت» مدينة حلب لسبب ما، على الرغم من أن حلب تحتاج إلى ذلك إلى حد كبير. ثالثا: هو ثقة النظام السوري بعدم معاقبته بسبب الدعم الروسي». وتعتبر ماريا أن النظام السوري يتحمل مسؤولية كاملة عن إراقة الدماء في حلب مشيرة إلى ضرورة ممارسة الضغط على الأسد من أجل وقف إطلاق النار في حلب لان مفتاح حل الأزمة السورية في الحفاظ على التهدئة.
وعلى الصعيد العسكري، أكدت هيئة الأركان الروسية في 11 نيسان/أبريل بعد تحرير مدينة تدمر أنه لا توجد خطط لاقتحام مدينة حلب، برغم احتشاد الآلاف من مقاتلي جبهة النصرة حول المدينة.
وقال سيرغي رودسكوي، قائد قيادة العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة الروسية، إن نحو 9500 من مقاتلي جبهة النصرة احتشدوا في جنوب غرب حلب وشمالها، ويخططون لهجوم واسع النطاق لقطع الطريق بين حلب والعاصمة دمشق، وأضاف:» كل أفعال الجيش السوري والقوات الجوية الروسية تهدف لإفشال خطط جبهة النصرة، لا توجد خطط لاقتحام مدينة حلب». ويرى الباحث في شؤون العالم العربي من معهد الاستشراق الروسي، فلاديمير أحمدوف أن خطط القوات الروسية قد تغيرت بعد فشل محادثات جنيف مشيرا إلى أهمية مدينة حلب الاستراتيجية، ويضيف قائلا: «تعد حلب العاصمة الصناعية لسوريا. بالإضافة إلى ذلك، يسكن في حلب النخبة البرجوازية السنية والتي ترتبط بعلاقات ودية مع تركيا وأوروبا. وجدير بالذكر أن حلب كانت من آخر المدن السورية التي انضمت إلى الاحتجاجات ضد نظام الأسد وسبب ذلك وجود أعمال ورؤوس أموال كبيرة في حلب، ولدى النخبة حسابات كثيرة تخاف خسارتها جراء الحرب».
ويعتبر فلاديمير أحمدوف أن سبب إراقة الدماء في حلب حاليا هو خطأ استراتيجي لموسكو وواشنطن، حيث لم يتم إدخال هذه المدينة منذ البداية إلى قائمة المدن التي يعمل فيها «نظام الصمت». وأكد الممثل الرسمي لوزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف، أن سبب فشل الخطة الروسية الأمريكية لإقامة نظام الصمت في حلب في 3 أيار/مايو هو هجمات «جبهة النصرة». وينص الاتفاق الجديد بين روسيا والولايات المتحدة لإقامة التهدئة في حلب على وقف جميع العمليات العسكرية منذ منتصف الليل 4 أيار/مايو. ولكن الكرملين يرى ان التهدئة هشة جدا. وقال المتحدث الرسمي باسم الرئيس فلاديمير بوتين، دميتري بيسكوف أن الكرملين يأمل أن يصمد نظام التهدئة في حلب، على الرغم من أن الوضع هش للغاية. وأضاف قائلا: «نتطلع نحو الأفضل دوماً، وهذا ما يرغب به الجانب الروسي، وعلى الأغلب الزملاء في أمريكا يودون ذلك. لكن في الوقت ذاته التداخل بين الإرهابيين وممثلي المعارضة معقد للغاية، وبالطبع دعنا نقول هكذا، الوضع بمجمله هش جداً».
ويرى فلاديمير أحمدوف، أن المشكلة الأهم بالنسبة لنظام التهدئة في سوريا أن الأطراف المتنازعة لا تصغي لا إلى موسكو أو لواشنطن، حيث تفتقر كل من روسيا والولايات المتحدة إلى النفوذ من أجل إقناع الأطراف المتنازعة لتنفيذ قرارات جنيف، مشيرا إلى أن التدخل العسكري الروسي في حلب قد يؤدي إلى عواقب وخيمة بالنسبة لروسيا: «تنشر وسائل الإعلام العالمية معلومات حول المشاركة الروسية في أحداث حلب. وربما لا تشارك روسيا مباشرة في المعارك ولكنها تقودها عن طريق المشاورات عسكرية. وإذا تم اتخاذ قرار بالتدخل الروسي في حلب فإن ذلك سيُظهر روسيا بصورة مشينة، حيث ستبدو دولة تشن عدوانا ضد السكان المدنيين. إضافة إلى خطر الغرق في الحرب السورية اكثر فأكثر».
من الصعب تحديد من المسؤول عن الغارات على مواقع المدنيين في حلب. ومن الواضح أن توجيه أصابع الاتهام إلى روسيا هو أحد أكثر السبل سهولة بالنسبة لكثير من اللاعبين الإقليميين والعالميين في سوريا. كما أصبحت روسيا رمزاً لنظام بشار الأسد بعد شنها العملية العسكرية في سوريا في 30 أيلول /سبتمبر الماضي. ولكن إذا كان هدف روسيا دعم نظام الأسد والحفاظ عليه كما يُقال، فلماذا سحبت قواتها؟ ولماذا لم تبدأ في عملياتها العسكرية في سوريا منذ العام 2011 عندما بدأت الأزمة السورية؟
كما رفضت هيئة الأركان العامة الروسية اتهامات قصف مستشفى «القدس» في حلب، ووصف الممثل الرسمي لوزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف هذه الأنباء بـ»الاستفزاز الجديد» واعتبرها جزءاً من الحرب الإعلامية الهادفة لتشويه العملية السلمية في سوريا. وأضاف كوناشينكوف ان تقنية هذه الأنباء الكاذبة ليست جديدة ونظمتها «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» في لندن التي عرضت صور المستشفى القديمة منذ تشرين الأول/أكتوبر لعام 2015 والتي يظهر عليها الدمار ذاته الذي يوجد حاليا في المستشفى.
ويرى أستاذ مساعد في قسم الاستشراق في معهد موسكو للعلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية، نيقولاي سوركوف أنه كل ما تريده روسيا في سوريا هو إقرار السلام في أسرع وقت ممكن وذلك من أجل سحب قواتها من سوريا، وعدم تكرار مصير الأمريكيين في العراق. ويضيف قائلا: «روسيا من البداية تدعم التهدئة وبذلت قصارى جهدها من أجل إقرارها، ولكنها تعهدت في الوقت نفسه بتوجيه ضربات للمجموعات التي لا تلتزم بالتهدئة. تهتم روسيا بإقرار السلام في سوريا الأمر الذي يسمح لها بسحب قواتها من سوريا. فسحب القوات من سوريا بدون تحقيق اتفاق السلام سيكون ضعفا». ويؤكد الخبير أن الرئيس السوري بشار الأسد يأمل في تحقيق انتصار عسكري ويعمل من أجل مصالحه فقط، مشيرا إلى أن القوات الحكومية تعمل ما بوسعها من أجل إعادة السيطرة على جميع المدن المركزية.
من جانب آخر، تعد معارك حلب منطقية للغاية. ما حصل هناك كان أمرا منتظرا مع تراجع مسلحي تنظيم «داعش» ما أدى إلى تزايد المواجهات بين القوات الحكومية والقوات المعارضة. وفي حال حلب، يدور الحديث عن الإسلاميين الذين يعتمدون على الدعم التركي. إضافة إلى أن موقع حلب الاستراتيجي وقربها من الحدود التركية لا يمكن أن يترك هذه المدينة بدون اهتمام من جميع أطراف النزاع. ونعرف من التاريخ أن السيطرة على حلب هو أمر صعب للغاية. حيث لم يتمكن الصليبيون أبدا من اقتحام حلب. وحتى إذا تم جرف حلب، فتوجد تحت الأرض مدينة أخرى، سراديب الموتى التي قد تصبح ساحة المعارك الجديدة.
مهما كانت النتائج التي سيتم التوصل إليها، لكن من الواضح اليوم أن روسيا وسوريا تلتقيان ليس في الحرب فحسب بل في الثقافة أيضاً، فاليوم سُمع عزف فرقة أوركسترا مسرح «مارينسكي» الشهيرة في مدينة تدمر الأثرية.

حلب ستالينغراد الجديدة

فيكتوريا سيميوشينا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Moussalim Ali:

    .
    – وذلك في خطط وذهمية الروس ..
    .
    – ” الحضارت ” البشرية لها ” ضوابطها ” وعلاماتها وإشاراتها الخاصة بها .
    .
    – في الغرب ، ورغم بعض الإخفاقات ، للشعوب قيمة في نظر الحكام .
    .
    – لدى الروس ، آخر ما يعتبرونه في مخططاتهم ، هي الشعوب . فمثلا كم من ملايين شعوب الإتحاد السوفياتي ذبحهم الدكتاتور اسطالين ذبحا ؟ .، وقبلهم BERIA ….و TCHEKA ….
    .
    – بوتين سوّى على الأرض شعب اغروزني ، وأرض اغروزني .
    .
    – وهذا ما يحاول بوتين تطبيقه حاليا و مجددا في سوريا، وحيث في نظره الجميع إرهابي ، ما عدى جند ونظام بشار الكيماوي ،وإرهابيي الحرس الثوري وحزب الآت . فبالله عليكم ما شغل روسيا وإيران في شؤون شعب سوريا ؟ .

اشترك في قائمتنا البريدية