حياة مختصرة

حجم الخط
3

كان مروان الديك قد عين وزيراً أشهراً قليلة ثم أقيل على عجل لتتحول حياته انتظاراً غير قانط للمنصب المفقود، ولكن انتظاره لم يمنعه من الحج كل سنة، فلم يصفه أحد بالتقوى والصلاح، واتفقت كل الآراء على أن ذنوب الوزير السابق مكتوبة بدماء المسروقين والمظلومين، والدماء حبر لا يمحى.
وكانت خديجة الصراخ إمرأة عجوزاً تزور العائلات باحثة عمن تصلح زوجة لابنها الشاب الذي يفضل الفتاة الذكية المرحة البيضاء ذات الشعر الأسود، ولا تتذكر أن ابنها قتل قبل سنوات.
وكان سمير الفلاح مغرماً بالجياد، وطلب في ليلة من ليالي القدر أن يصير جواداً، ولاحظ في اليوم التالي أن أذنيه قد كبرتا، فأراد التعبير عن بهجته بنيل ما طلبه، فبوغت بأنه قد نهق ولم يصهل.
وكان بشير الزاهد لا يستطيع نسيان أنه مشى في الأزقة حافياً عندما كان طفلاً فقيراً، ولا يستطيع أيضاً تجاهل أي حذاء يراه ويعجب به، ويحاول اقتناءه بوسائل غير مشروعة، ولم تواجهه أية متاعب إلا عندما انتقل من الإعجاب بأحذية المصلين في المساجد إلى الإعجاب بسيارات المسؤولين.
وكان أسعد البالاتي تواقاً إلى أن يصبح كاتباً مشهوراً على الرغم من أنه لا يملك من المواهب غير الوقاحة والسماجة، وقد عثر على ما ظن أنه يحقق له بعض الشهرة، وهو السير في جنازة كل كاتب مشهور منكس الرأس دامع العينين والتردد إلى المقاهي مرتدياً بزة سوداء ومتحدثاً إلى الصحافيين عن صلته الحميمة بالفقيد، ولكنه عندما سار في جنازة الشاعر ممدوح عدوان متظاهراً بالبكاء، لم يستطع الشاعر الصبر، وصاح بالبالاتي: إخرس أيها المتخلف عقلياً.
فلم يرتبك أسعد البالاتي، وقال لمن حوله: المرحوم يحب دائماً ممازحتي، ولا ينشر كلمة إلا بعد معرفة رأيي فيها، وهو رأي لا يجامل.
فمات ممدوح عدوان ثانية، وكان السرطان سبب موته الأول، وكانت السماجة هي المسؤولة عن موته الثاني.
وكان جمال الصافي يأكل في أيام شبابه ثلاث مرات في اليوم الواحد، واضطر في أيام شيخوخته إلى أن يأكل في اليوم مرة واحدة لأسباب ليست صحية، فلم يتذمر، وحمد الله متمنياً ألا يضطر إلى أن يأكل مرة واحدة في الاسبوع.
وكان سليم الملاخ عاشقاً لفتاة مخلصة ساذجة أحبته بجنون وهددته بالانتحار إذا خطر له يوماً أن يهجرها أو أن يتضاءل حبه لها، ولكنها بعد زواج دام سبعة شهور طلقته بعد أن نجحت في تجريده من كل ما يملك، وعندما اعتزم سليم الملاخ الذهاب إلى المحكمة الشرعية لحضور جلسة الطلاق ناشد أصدقاءه أن يعيروه ثياباً داخلية.
وكانت حميدة السماخ كثيرة الأزواج، تزوجت رجلاً اكتشفت بعد أسابيع أنه مقامر وسكير، وتزوجت رجلاً يتظاهر بالكرم وازدراء المال، فإذا هو يحاسبها كل مساء الحساب العسير على أعواد الثقاب التي استهلكتها في المطبخ قائلاً إن من لا يحرس خرافه ليل نهار يأكله الذئب ويأكل خرافه، وتزوجت رجلاً تبين لها منذ الليلة الأولى أنه لا يحب النساء، وتزوجت رجلاً يقال عنه إنه مربي أجيال، فكانت لا تستطيع أن تسعل بغير استئذانه، وتزوجت مناضلاً ينتقل من سجن إلى سجن، فسئمت الوقوف بالقرب من أبواب السجون، وطلقته لتعيش بقية عمرها عزباء برفقة قطة مرحة.
وكان رياض العلال قد ورث عن أبيه المتوفي ثروة طائلة أنفقها بكاملها على أعمال البر والتقوى، وعاش ما تبقى له من العمر كغيره من عباد الله الذين يشتغلون من الشروق إلى الغروب، فقيل عنه إنه قد ظفر بجناحين يتيحان له الهرب من النار إلى الجنة، ولا يتيحان له الهرب من جوع متوحش فظ.
وكان حسان الطبال يمشي في شارع مقفر بعد منتصف الليل، فاستوقفه شبان مسلحون يبغون السطو على ما في جيوبه، فبوغتوا بجيوبه فارغة، فسألوه عما يفعل في الشارع في مثل هذه الساعة، فأجاب أنه يتنزه متمتعاً بضوء القمر، فانهالوا عليه بالضرب الموجع قائلين له إن ما يفعله هو سبب إفلاسه وإفلاسهم.
وكان جبر المسعود يحلم بأن يصبح مذيعاً تلفزيونياً ذائع الصيت، فقيل له إن وجهه يصلح للتمثيل في أفلام الرعب، فهرع إلى المخرجين السينمائيين الذين قالوا له معتذرين إن أفلام الرعب لا وجود لها في السينما العربية، وإن الحياة العربية نفسها هي التي تتكفل كل يوم بتقديم أفلام الرعب.

زكريا تامر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الله - الشتات:

    رائعة رغم ما فيها من وجع.
    بوركت يداك أستاذ زكريا.

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    مثل شعبي مناسب لما كتبت ياأستاذ زكريا وهو :
    الجمل لو شاف اذانه – كان حار بزمانه

    نكته : في أحد المرات غنى جحا بالحمام فأعجب بصوته فذهب للوالي يخبره
    بعذوبة صوته – فطلب الوالي منه الغناء ولكن سيعاقب ان لم يكن صوته جيدا فتردد جحا وتنحنح وطلب من الوالي طاسة ماء ليغني كأنه في الحمام
    فأخذ جحا يطرطش بماء الطاسة ويغني حتى انزعج الوالي منه وأمر الجنود
    بغطس أيديهم بماء الطاسة ويصفعوا جحا لغاية ما ينضب الماء بالطاسه

    الغريب أنه بكل صفعة لجحا كان يقول الحمدلله – هنا استوقفه الوالي وسأله على أي شيئ تحمد الله عليه فقال جحا لو أني غنيت لك بالحمام فمتي ينضب ماءه

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول Bnihya khalid:

    حياة مختصرة للتعساء العرب _هذا واقع لا هروب منه .وما يحدث في سوريا اكثر من افلام الرعب التمثيلية.وسوريا مسرح بشخصيات ذات وجوه مرعبه وفقك الله استاذ زكريا

اشترك في قائمتنا البريدية