الكويت ـ «القدس العربي»: شهدت الساحة الثقافية العربية خلال السنوات القليلة الماضية موجة من تأسيس جوائز أدبية مصدرها دول الخليج بالدرجة الأولى مثل جائزة سلطان العويس، وجائزة الشيخ زايد، وجائزة كتارا، جائزة الشارقة، وجائزة البوكر العربية للرواية ومن ثم جائزة ملتقى القصة في الكويت. وقد رافقت هذه الجوائز وجهات نظر تتهمها بعدم العدالة والتحيز لمواضيع ومفاهيم معينة ولبلدان معينة ما أدى إلى إضعاف القيمة الرمزية لتلك الجوائز. أغلب الجوائز خصصت للرواية والبحوث والترجمة لكن الكويت أنشأت جائزة باسم ملتقى القصة وهي مخصصة للقصة القصيرة في محاولة لجذب الاهتمام الذي بدأ يخفت بهذا الفن الأدبي. هنا مقابلة مع رئيسة لجنة تحكيم جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية للدورة الثالثة الدكتورة سعاد العنزي تلقي فيها الضوء على الجائزة وآلية عمل المؤسسة المسؤولة عنها.
■ كيف تعرّفين جــائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية؟
□ هي جائزة إبداعية كويتية/عربية/عالمية تهتم بفن القصة القصيرة وتشجع على كتابتها والاهتمام بتطويرها، أسسها الأديب الكويتي د. طالب الرفاعي، وهو رئيس أمناء الجائزة، بينما تكفلت برعايتها ودعمها مادياً الجامعة الأمريكية في الكويت. ولقد شهدت الجائزة التفاتا إبداعياً وثقافياً ملحوظين منذ أول دورة. والتحدي الأكبر للجائزة هو أن تثبت نجاحها ومصداقيتها في دوراتها المقبلة، وطبعاً دورتها الحالية، الدورة الثالثة.
■ ما هو رأيك بالجوائز العربية هل تضفي شيئا للإبداع العربية؟
□ بالتأكيد، الجوائز العربية والعالمية تضيف كثيرا للأدب والأدباء والقراء وللثقافة بشكل عام. فكرة الجائزة تفترض مؤسسة ثقافية كاملة تعمل من الأدباء الذين يحاولون إضافة الجديد والأصيل للمشهد الإبداعي، والأدب الذي سيشهد خصوبة في الإنتاج، وتراكم في التجربة الإبداعية مما يعني وجود نصوص متميزة وفريدة حتى لو كانت قليلة. بالإضافة إلى المجلات والصحف الثقافية المتابعة للجوائز والتي تطرح أسئلة وحوارات مهمة تتعلق بما تثيره الجوائز وهذه من الأمور التي لا تعنى بها الدراسات الأكاديمية. كما أؤكد على أهمية فكرة الاعتراف الذي تحققه الجوائز بالأعمال الأدبية الفائزة مما يعطي الأدباء ثقة بمنجزهم الإبداعي في أوساط لا تقرأ إلا لأدباء الصف الأول، ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي. ولا نستطيع أن ننكر أن الحافز المادي في المكافأة عامل مهم في محاولة الكتاب الدخول في المنافسة والحصول على الجائزة، وهو أمر مشروع لا أزال أرى المثقفين في الوطن العربي يخجلون من التطرق له. باختصار، الجوائز تحرك المشهد الثقافي وتضيف الكثير رغم اللغط الكبير الذي نسمعه حولها.
■ هل ترين أن الرواية هي السائدة في المشهد الإبداعي العربي اليوم؟
□ نعم، ولكن هذا لا يعني اختفاء الأجناس الأخرى أو عدم الاهتمام بها وعدم انتشارها. نحن نعيش في زمن الرواية لما للرواية من خصوصية وقدرة على سرد مساحات متسعة لتفاصيل الحياة الإنسانية وتمثيل فئات المجتمع بعمق أكبر. وهذا لا يعني أن بقية الأجناس عاجزة عن ذلك، ولكن يبدو أن الرواية أكثر قدرة على سرد التاريخ الشفوي بثراء وتنوع وخصوبة. وفي المقابل، نجد هناك ازدهارا للأجناس الأخرى كالقصص القصيرة، والقصص القصيرة جدا، والشعر.
■ كيف تنظرين لـ «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»؟
□ أعتقد أنها محاولة لإنعاش القصة القصيرة، وكسر هيمنة جنس إبداعي على بقية الأجناس الأخرى، وطرح فكرة التنوع في الاهتمامات بدلا من هيمنة النوع الواحد، وهذه بالتأكيد لها أهمية على مستوى تعزيز تعدد أنماط التفكـــير في عدم هيمنة النوع الواحد والفكر الواحد بل طرح البدائل المتنوعة، والاستمتاع بتلقيها.
■ هل ترين فرقا بين المستوى الإبداعي العربي والخليجي على مستوى فن القصة القصيرة؟
□ أعتقد أن إحدى المغالطات الشائعة في الآونة الأخيرة هي محاولة تمييز الأدب الخليجي عن الأدب العربي، أو تمييز فن على آخر حسب المنطقة الجغرافية. أنا اعتقد أن المبدعين الحقيقيين قلة في الوطن العربي، وهم يتوزعون بشكل عشوائي حسب وجود الموهبة واشتغال الأديب على نفسه، وهذه تحدث في الخليج وفي بقية بلدان الوطن العربي. من الصعب أن نجزم أن هناك منطقة جغرافية معينة هي التي تملك أصواتا إبداعية أكثر خصوبة. نعم أتفهم أن يحاول البعض مناقشة فكرة المركز والأطراف في الإبداع العربي، بالذات أن دولا مثل مصر وسوريا ولبنان عندها تراكم في التجربة الإبداعية حسب عوامل النهضة الثقافية التي سبقتنا فيها، ولكن الآن الخليج لديه الإمكانيات الثقافية وبالتالي إمكانية طرح أسماء إبداعية متميزة مثلما حدث في ستينيات القرن الماضي، ومثلما هو قائم ومتحقق.
■ ما هي مراحل جائزة الملتقى؟
□ بعد أن يتم استلام الأعمال المتقدمة للجائزة وحصر الأعداد، ومراجعة توافق الأعمال المترشحة مع شروط الجائزة يبدأ المحكمون بقراءة الأعمال لترشيح ثلاثين عملا ومن ثم نختار القائمة الطويلة من بينها والتي ستكون عشر مجموعات قصصية، وهي بالطبع ستكون من ضمن الأعمال التي حازت على أعلى نسب من الاتفاق بين المحكمين. ستعلن القائمة الطويلة في بداية أكتوبر/تشرين الأول، بينما القائمة القصيرة (5 مجاميع) في بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وأخيراً تقيم الجامعة الأمريكية في الكويت، احتفالية إعلان الفائز مساء يوم الاثنين الموافق 3 ديسمبر/كانون الأول، وسيصاحب حفل إعلان الفائز برنامج ثقافي متنوع على مدار يومين.
■ ما هو عدد ومستوى الأعمال الإبداعية المتقدمة إلى الجائزة في دورتها الحالية؟
□ تقدم في هذا العام حوالي (197) مجموعة قصصية، تم استبعاد عدد قليل من المجموعات كونها لها طبعات سابقة وهو ما يتنافى مع شروط الجائزة. أما عن مستوى المجاميع فهو متفاوت ما بين الجيد والأكثر جودة وهناك مجاميع عادية جدا في طرحها وتناولها، إضافة إلى وجود بعض المجموعات القصصية التقليدية في طرحها لغة ومضمونا. أما المواضيع الأكثر حضوراً فقد سيطر الراهن العربي والظروف السياسية على جزء كبير منها، ولكن هناك مجاميع حذت نحو التجديد في المواضيع الإنسانية المغايرة والمختلفة. المنجز العام جيد في تقنياته ولغته وموضوعاته، ولكن نحن في الجائزة نبحث عن التجديد والأصالة والتميز وهذا تحد من التحديات التي تواجهها الجائزة.
■ من هم أعضاء التحكيم معك؟
□ أعضاء اللجنة يتوزعون بين الأكاديميين والنقاد والأدباء، وهم: الأديب السوداني أمير تاج السر، والأكاديمي العراقي نجم عبدالله كاظم، والتونسي عبدالدايم السلامي، ومن السعودية الناقد محمد العباس.
جميل أن تجرى مثل هذه المنافسات الابداعية في القصة القصيرة قصد مواكبة النضج الفني والثقافي والفكري ،لأن مرافقة هذه الأبداعات كسر للتحجر والتكلس ودعوى للانفتاح ومعالجة الراهن العربي الذي ظل أسيرا للمحاكاة، والذي بات مؤكدا فعلا أنه لازال لم يستطع طرح الأسئلة الجوهرية التي على ضوئها يمكننا أن نحدث نهضة ثقافية وابداعية تنطلق أساسا من راهننا وتستشرف أفقا أرحب يدعوا للانطلاق من النحن لامن الآحرمستنطقا تراثنا في رؤية متجددة تهدف للمحافظة عن هويتنا والدفاع عنها لا أن تظل هويتنا متشظية منصهرة في هويات لاتمت لنا بأية صلة .د/العلمي مسعودي