رفض المشاريع العربية وقبول المشاريع الابتزازية

حجم الخط
4

أما وأن الرئيس الأمريكي قد قرر أن يكوّن جيشا عربيا ليحارب هذه الجماعة أو تلك، وليكرس الوجود العسكري الأمريكي الاستعماري في هذه البقعة من الوطن العربي أو تلك، ليضيف هذا الإنجاز إلى إعلاناته شبه اليومية بحق الولايات المتحدة الأمريكية في ابتزاز دول النفط الخليجية العربية، لإجبارها على مساعدة الاقتصاد الأمريكي، وذلك من خلال شراء السلاح الأمريكي بمئات المليارات من الدولارات، ومن خلال الاستثمار في ترميم البنية التحتية الأمريكية ومساعدة الشركات الأمريكية المتعثرة للخروج من أزمتها.
أما وأن هذه السياسة التدخلية الابتزازية تتبلور يوما بعد يوم، وتؤكد قبولها ابتسامات المسؤولين الخليجيين وهم يجلسون على كراسي البيت الأبيض بقرب الرئيس التاجر، فاننا يجب أن نستذكر ونتساءل عن المشروعين العربيين القوميين المشتركين التاليين:
الأول هو مشروع تكوين قوة عسكرية مشتركة، الذي اقترحته الشقيقة جمهورية مصر العربية منذ ثلاث سنوات في اجتماع للقمة العربية، الذي لاقى ترحيبا من جميع القادة المجتمعين آنذاك. لقد عقد رؤساء أركان الجيوش العربية اجتماعين خلال شهور ثلاثة من اجتماع القمة، وكونوا اللجان الفنية لدراسة الجوانب التنفيذية للمشروع، ليفاجأوا برفض دولتين خليجيتين المشاركة في المشروع. هناك قُبر المشروع ودخل طي النسيان. اليوم تتحمس الدولتان نفساهما لتكوين القوة العسكرية العربية المشتركة، ولكن تحت هيمنة وقيادة أمريكية، ولأغراض معادية للمصالح العربية القومية العليا، بل تلتزمان بتمويل المشروع.
هل نحن في حلم أم علم؟
رفض مشبوه لمشروع عربي مستقل يخدم استقرار وأمن الأمة العربية، عبر كل جزء من وطنها الكبير، وقبول مشبوه لمشروع إمبريالي يهدف إلى زيادة الصراعات وتفتيت الأوطان من أجل خدمة المشروع الصهيوني الذي يقف وراء كل قرار أمريكي في أرض العرب.
ما تقترحه أمريكا هو لخدمة المشروع الاستيطاني الامبريالي الصهيوني، وما اقترحته مصر العربية هو للوقوف في وجه ذلك المشروع ومن أجل المصالح العربية القومية العليا، فهل للمسؤولين في بعض دول الخليج العربي أن يبينوا لشعوبهم وشعوب الأمة العربية المشدوهين المتسائلين عن مبررات وأسباب وخفايا هذا الإنقلاب الغريب؟
نحن العرب، الذين كنا وما زلنا نؤمن بأهمية التعاضد العربي والمصالح العربية المشتركة والعمل العربي المشترك ضد أعداء هذه الأمة التاريخيين والمتآمرين الجدد، نشعر بأننا نعيش كابوسا يهزُ كل ذرة في كياننا العروبي الوحدوي. وبعد ذلك نسأل: هل الهدف من هذا الجنون الذي تعيشه هذه الأمة هو إيصالها إلى حالة اليأس والقنوط والاستسلام الكامل؟
أما المشروع الثاني، فهو مشروع التصنيع العسكري العربي المشترك. لقد قام ذلك المشروع في فترة الزخم القومي الوحدوي المبهر، ودخل مرحلة الاحتضار في فترة التراجع القومي البائس. والآن، والابتزاز الأمريكي يزداد شدة ووقاحة، هل ستظلُ المليارات العربية رهينة خدمة الصناعة العسكرية الأمريكية بدلا من التوجه نحو صناعة عسكرية عربية؟ كيف يستطيع الكيان الصهيوني، الصغير الحجم، المحدود الإمكانيات، أن تكون لديه صناعة عسكرية بالغة التطور، ولا تستطيع تريليونات البترول والغاز العربي أن توجد صناعة مشتركة لإنهاء الابتزاز الأمريكي من جهة، ولتقوية الاستقلال السياسي القومي من جهة أخرى؟
لا نعرف إن ابقت الصراعات العربية والحروب العربية في بقاع متنامية من الوطن العربي أي أموال عربية فائضة لقيام مثل هذا المشروع. لكن هل البديل لإضاعة الفرصة التاريخية التي تواجدت منذ عقود سابقة، هو بقاء الوطن العربي كأكبر مستورد للسلاح في العالم كله، وعلى الأخص السلاح الأمريكي؟
من هنا، يحق لنا أن نتساءل:
متى ستعود القمم العربية لبحث سبل حماية الأمن العربي بالوسائل العربية المشتركة، تنظيما وصناعة وأهدافا واحدة وتحييدا للتنامي العسكري الصهيوني؟
تفكير وتوجه كهذا سيعني الدخول في ساحات الفعل، وهو ما لا تريد القمم العربية، وأدواتها الكسيحة في جامعة الدول العربية، الانتقال إليه. فنحن مهووسون بالرفض والاستنكار والصراعات الطائفية، وتهويل المخاطر الإقليمية والمحلية، بدلا من أي فعل ذاتي يتطلب الارادة المستقلة والعلم الموضوعي والفعل في الواقع. يكفي الانسان قراءة البيان الختامي لاجتماع القمة الأخير ليدرك كم نمارس الكلام بدون الفعل، اللهم إلاُ إذا كان الفعل بارادة وهيمنة وتخطيط ومشاركة أمريكا أو هذه الدولة الأوروبية أو تلك.
في هذا العالم المضطرب يصبح غياب القدرة العسكرية الذاتية لأي أمة كارثة وفجيعة، ستحمل وزرها أجيال المستقبل، وسيكون حكم التاريخ قاسيا على بلادات الحاضر.
كاتب بحريني

رفض المشاريع العربية وقبول المشاريع الابتزازية

د. علي محمد فخرو

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    العرب يشترون السلاح ليس لمحاربة عدوهم الذي لم يعد عدوا بل بات حليفا، هذه الاسلحة التي تكدست ” لحماية الوطن” استخدمت لقتل الشعوب واخماد ثوراتها. انظمة الخنوع والخيانة لا يمكنها ان تكون وطنية فلا يجنى من الشوك العنب

  2. يقول رزق الله:

    أي مشروع عربي سيرفضه العرب حتى ولو كان سيؤدي الى قوة عربية تضاهي العالم قاطبة ،

  3. يقول S.S.Abdullah:

    عنوان رائع لا يمكن استغرابه عام 2018 من د علي محمد فخرو كوزير بحريني سابق (رفض المشاريع العربية وقبول المشاريع الابتزازية) والسؤال المهم هو لماذا هذا العنوان رائع؟! والأهم هو معرفة لماذا يتم اتخاذ قرار الرفض، لأي مشروع محلي؟ وقبول أي مشاريع من الآخر غير المحلي، حتى لو كان فيها إلغاء لغتك وفكرك وسرقة أموالك وثرواتك، بداية من الإنسان؟! لأنه سيضطر للهجرة كما هو حاصل على أرض الواقع في البحرين منذ عام 1980، بينما في العراق بدأت الهجرة منه طوعا بشكل منظم بعد عام 1991 بسبب الحصار، أما بالنسبة للتهجير من قبل النخب الحاكمة، كما حصل مع من يحمل شهاة جنسية تقول أنه من التبعية الفارسية من العراق عام 1980، أو منع التجنيس للأكراد في سوريا، فهذا ظلم مفروغ منه؟!
    فأضيف ما لاحظته على أرض الواقع، من نتيجة مقابلتي مع أكثر من وزير في أكثر من دولة عربية، أنّ الوزير في أي دولة لا يقف ضد أي مشروع محلي، ومن ضمنه مشاريعي التي قدمتها لتطوير التعليم (العراق والأردن وسلطنة عمان)، أو لتطوير الاقتصاد والتجارة والتخطيط (العراق)، لتكوين إنسان في المستقبل يستطيع الفوز على الآلة (الروبوت) للحصول على عقد الوظيفة عند المنافسة عليها في الحكومة الإليكترونية، بواسطة اعتماد تنفيذ طريقة صالح لأم الشركات (اقتصاد الأسرة لإبدال اقتصاد الفرد الحالي في دولة الحداثة) والتي النسب فيها (40% للقطاع العام كونه يمثل السوق، 40% للقطاع الخاص كونه يمثل المستثمر، 20% للتقنية التي تعمل على تطويعها حسب رغبة من يتم احتضانه من الموظف المُبادر) والتي تعمل على تفريخ شركات لتسويق المنتج الجديد في الدولة لزيادة دخل الجميع بالمحصلة.
    الإشكالية كل الإشكالية التي واجهتها منذ 2011 وحتى الآن عام 2018 في العراق، وما بين 1998 وحتى عام 2000 في الإمارات، هو أنّ الموظف في النظام البيروقراطي، وظيفته تفرض عليه أن لا يفهم معنى كلمة رأي، بسبب مفهوم نفّذ ثم ناقش، فقط عندما نسمح لك، فعند أي مشروع لفكرة جديدة، وحتى يرفع عن نفسه الوزير أي مسؤولية قانونية عن سوء الاستخدام لصلاحياته، سيطلب الرأي الفني من أصحاب العلاقة من الموظفين أسفل منه في الوزارة، فيفهم الموظف المختص، هذا الاستفسار عن رأيه، هو مساعدة الوزير في منع الحرج عنه بتطفيشك برأيه الفنّي، ذكره لي أكثر من موظف
    وفي مشروع من السعودية إلى العراق عام 1987 كان سبب رفضي، الموظف لا يجب أن ينتج؟!

  4. يقول خليل ابورزق:

    اي فكرة لمشروع ابتزازي ارتزاقي سترفض حتما الا اذا كانت مقرونة بوسائل اجبارية.. و هذا يفسر رفض المشروع المصري لانه ارتزاقي (بعد ان صارت مصر تابعا مفلسا) و بدون وسائل ضغط حقيقية، و قبول المشروع الامريكي مع انه ابتزازي و لكن لديه انياب.
    اما مشروع التصنيع المشترك فقد سقط عندما فقدت مصر مركزها القيادي في العالم العربي بعد كامب ديفيد وتسليمها قيادها لامريكا.
    الخلاصة:
    القضية الفلسطينية قضية العرب الاولى ليس فقط لانها تعني الدفاع عن انفسهم. و لكن لانها الميزان للحق و العدل و الشرف التي ترفع من شأن الامم او تخفضها. و مَن يَهُن يَسْهُل الهوان عليه = ما لِجُرْح بِمَيّتٍ إيـلامُ

اشترك في قائمتنا البريدية