بغداد ـ «القدس العربي»: عادت قضية الصراع الإقليمي على منطقة سهل سنجار الاستراتيجية غرب الموصل، إلى واجهة الأحداث في المشهد العراقي المتوتر، بعد انتشار القوات العراقية فيها وإعلان انسحاب حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، واستمرار تهديدات تركية باقتحام السهل لطرد حزب العمال منه، اضافة إلى الصراع العربي الكردي للسيطرة عليه.
وتشهد منطقة سهل سنجار المجاورة للأراضي السورية والتركية، أجواء مشحونة في الأيام الأخيرة، نتيجة تهديدات تركية بتوغل قواتها داخل الأراضي العراقية لملاحقة حزب العمال التركي المعارض المتواجد فيها، وسط تحذير القوات العراقية بعدم السماح لأي توغل أجنبي في المنطقة.
ورغم نفي وزارة الدفاع العراقية، انطلاق أي عملية عسكرية تركية في سنجار حتى الآن، وإعلانها انتشار القوات العراقية في المنطقة من الجيش والحشد الشعبي، مشيرةً إلى «عدم الوقوف مكتوفة الأيدي في حال وجود أي تدخل عسكري خارجي» إلا ان التوتر الأمني ما زال مخيما وسط تأكيدات من مصادر مطلعة بان عناصر حزب العمال لم ينسحبوا فعلا من المنطقة.
ولتأكيد انتشار القوات العراقية في منطقة سنجار التي تسكنها أغلبية من الإيزيديين اضافة إلى العرب والكرد وتعد من المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، فقد قام رئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول الركن عثمان الغانمي، بزيارة المنطقة وتفقد القطعات العسكرية في المناطق والقرى الحدودية العراقية مع سوريا وتركيا، كما اطلع على أوضاع المنافذ الحدودية للعراق مع الدولتين.
وكان تنظيم «داعش» قد سيطر على سهل سنجار وجبلها في حزيران/يونيو 2014 وارتكب انتهاكات ومجازر بحق أهل المنطقة الذين نزحوا منها، وبقي فيها حتى تحريرها من قبل البيشمركه وبمشاركة أحزاب كردية منها حزب العمال الكردي ودعم طيران التحالف الدولي في تشرين الثاني/نوفمبر 2015. وقد استعادت القوات الاتحادية السيطرة على المنطقة بعد طرد تنظيم «داعش» منها مؤخرا.
ولتبيان حقيقة الأوضاع في سنجار، أجرت «القدس العربي» اتصالا بعضو مجلس الموصل زهير الجبوري، الذي أكد ان حزب العمال التركي، ما زالت عناصره موجودة في مناطق سنجار، وان الذي حصل هو تغييرهم ملابسهم وانضماهم إلى البيشمركه والحشد الشعبي، مشيرا إلى ان حزب العمال يحظى بدعم من حكومة بغداد حيث يتقاضون منها رواتبهم ولديهم مكاتب في كركوك وبغداد. وكشف الجبوري ان تركيا تعلم بوجود حزب العمال في سنجار ولكنها لا تريد ادخال نفسها في حرب مع العراق حاليا، إلا انها تريد تأمين حدودها الجنوبية. وبين ان سكان المنطقة وخاصة الإيزيديين انقسموا إلى عدة جماعات بعضها انضم للبيشمركه وبعضها إلى الحشد الشعبي، وقسم انضم إلى حزب العمال.
أما صباح علي بابيري عضو مجلس محافظة دهوك والقيادي في المكتب السياسي للاتحاد الإسلامي الكردستاني، فقد أكد لـ«القدس العربي» ان التوتر ما زال سائدا في منطقة سنجار بسبب التهديدات التركية بدخول قواتها، موضحا ان حزب العمال الكردي التركي أعلن الانسحاب رسميا من سنجار ولكن ما زالت لديه جماعات وأفراد متعاطفة معه وبأسماء أخرى في المنطقة، وهو حزب أيديولوجي أينما يذهب يترك له خلايا ومتعاطفين ومتعاونين معه، وتركيا لا تقبل بهذا الوضع، حسب قوله.
وذكر بابيري، ان الثقل في إدارة منطقة سنجار حاليا، يقع على الحشد الشعبي، ولا وجود للبيشمركه في المنطقة ولكن توجد قوات اسمها «ازدخانه» مكونة من السكان المحليين وهم ينسقون مع الحشد ولا مشكلة لديهم معهم، أما الجيش فينتشر على المناطق الحدودية مع سوريا وتركيا.
وعن الانتخابات في سنجار، أشار إلى ان الناس في الإقليم مشغولين بالانتخابات ولكن الحملة في سنجار ليست مثل باقي المناطق في الإقليم، حيث لا توجد لافتات أو دعاية أو تجمعات انتخابية بل هناك تحرك محدود لبعض المرشحين وخاصة الكرد في بعض المناطق، مبينا ان قوات الحشد الشعبي يفرضون سيطرتهم على سنجار ولا يتركون مجالا واسعا للمرشحين الأكراد، علما ان أغلب أهل سنجار ما زالوا في المخيمات، والذين عادوا إلى دورهم ما زالوا يترددون على المخيمات للحصول على المساعدات، ولا وجود للإعمار في المدن المدمرة حتى الآن.
ويذكر ان حزب العمال الكردستاني، أعلن في 23/3/2018 عن سحب مقاتليه من قضاء سنجار، استجابة لطلبٍ من الحكومة العراقية الاتحادية. وجاء هذا التطور بعد تصريحات أطلقها الرئيس التركي رجب أردوغان هدد فيها مجددا بالتحرك نحو سنجار إذا فشلت الحكومة العراقية في السيطرة عليها، اضافة إلى تحذيراته السابقة، بأن بلاده لن تسمح أن تكون سنجار، قنديل جديدة لتواجد حزب العمال التركي الذي يخوض حملة عسكرية ضد الحكومة التركية منذ سنوات.
وقد ساهمت عوامل داخلية وإقليمية في تعزيز وجود حزب العمال الكردستاني التركي في شمال العراق، منها إيجاد ملجأ من ملاحقات الحكومة التركية. واستفاد الحزب من الخلافات بين بغداد وأربيل لتعزيز تواجده في بعض المناطق مثل جبال قنديل وسنجار، كما استغل تواجد تنظيم «داعش» في منطقة سنجار المجاورة لسوريا عام 2014 حيث تعاون مع البيشمركه لتحرير المنطقة ثم استقر فيها.
إقليم قنديل
ويتواجد حزب العمال الكردي المعارض للنظام في تركيا، بشكل رئيسي في سلسلة جبال قنديل شمال العراق منذ التسعينيات من القرن الماضي، وهي منطقة حيوية تقع شمالي العراق وتمتد بين الحدود العراقية الإيرانية التركية وتضم مناطق من محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، وينتشر قيادات حزب العمال ومقاتلوه في جبال المنطقة وكهوفها، لذا تشن الطائرات التركية منذ سنوات، غارات متواصلة على المواقع التي يشتبه بوجود عناصر الحزب فيها وبضمنها القرى التي يسكنها مدنيون عراقيون.
وفي مؤشر على تنامي سيطرة الحزب شمال العراق، أعلن في نهاية عام 2017 عن تشكيل إقليم ذاتي في جبال قنديل، مستغلا تفاقم الخلافات بين حكومتي أربيل وبغداد اللتان رفضتا المشروع.
وتتباين مواقف الأحزاب الكردية في الإقليم تجاه حزب العمال التركي، فرغم تعاون الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني مع حزب العمال في معركة تحرير سنجار من «داعش» فانه يرفض تمسك الحزب التركي بالمنطقة بعد طرد التنظيم منها، كما يدعي كلا منهما قيادة الحركة الكردية. أما حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان يقوده جلال طالباني، فانه يرفض اعتبار حزب العمال منظمة إرهابية، بل انه تحالف معه في التصدي لتنظيم «داعش» في بعض مناطق كركوك.
ومن جانبه، فان رئيس الوزراء حيدر العبادي سبق وطالب العمال الكردستاني، بالخروج من مناطق سنجار ومن الأراضي العراقية، رافضا انطلاق أي أعمال عدائية من الأراضي العراقي ضد دول الجوار. وقد دخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة عندما دعت وزارة الخارجية الأمريكية، حزب العمال التركي، إلى مغادرة سنجار، معتبرةً إياه منظمة «إرهابية».
دولة داخل الدولة
وخلال زيارة «القدس العربي» إلى جبال قنديل ضمن السليمانية في تموز/يوليو الماضي لاحظت أن حزب العمال التركي يفرض سيطرته الكاملة على تلك المنطقة الشاسعة والوعرة منذ فرض التحالف الدولي منطقة حظر الطيران على شمال العراق عقب حرب الكويت عام 1991 خلال حكم نظام صدام حسين، ومنذ ذلك الوقت أصبحت جبال قنديل بمثابة «دولة داخل الدولة العراقية» حيث لا سلطة فيها لغير حزب العمال.
وفي لقاء صحافي آنذاك مع المسؤول في العلاقات الخارجية لحزب العمال هافال سرحد، أكد للصحيفة ان حزبه متواجد في جبال قنديل منذ أواخر عهد نظام صدام حسين ويتمسك بها ويقوم بإدارة شؤونها بما فيها القضايا الأمنية والإدارية كالخدمات البلدية والصحة والمدارس لسكان المنطقة، رغم عائديتها إداريا لإقليم كردستان العراق، مبينا ان هناك نوعا من التنسيق بين حزب العمال وسلطات الإقليم كتوفير المدرسين العراقيين للمدارس والمستلزمات للمراكز الصحية وخدمات الاتصالات الهاتفية لأكثر من 60 قرية منتشرة في الجبال. وشدد سرحد على ان حزب العمال الكردستاني يعتبر نفسه المدافع عن حقوق الكرد في المناطق التي يتواجدون فيها سواء في العراق أو تركيا أو سوريا، وانه لا يعترف بأي سلطة أخرى، كما رفض ادعاء مسعود بارزاني بانه يمثل أكراد المنطقة.
وخلال تجوالنا في جبال قنديل، شاهدنا نقاط سيطرة أمنية متحركة ودوريات لعناصر حزب العمال تجوب طرق ومناطق الجبال دون تواجد لأي قوة أمنية للإقليم. وعند مغادرة آخر نقطة أمنية للبيشمركه في ناحية سنكسر التابعة إلى رانية، ضمن محافظة السليمانية باتجاه منطقة قنديل، استقبلتنا نقطة سيطرة لحزب العمال واستفسروا عن هويتنا وسمحوا لنا بالمرور بعد التأكد من وجود لقاء صحافي لنا مع أحد المسؤولين في الحزب. وطوال الطريق المتعرج وسط جبال قنديل، كانت هناك العديد من الدوريات المتنقلة بالعجلات أو الدراجات النارية التي يستقلها مسلحون بالزي العسكري للحزب، كما تنتشر في المنطقة صور زعيم الحزب عبد الله اوجلان وأعلام الحزب وصور لقتلى الحزب في المواجهة مع الحكومة التركية.
وأثناء زيارة قرية زركلي، وهي إحدى القرى العراقية المدمرة جراء القصف الجوي التركي على جبال قنديل، كانت معظم بيوت القرية، قد تعرضت للتدمير الشامل جراء القصف، مما أدى إلى نزوح جميع سكانها ولم يبق فيها سوى الخرائب وصور بعض الشهداء المدنيين من الرجال والنساء الذين سقطوا في القصف.
وأفاد بعض سكان المنطقة، ان أكثر من 60 قرية في جبال قنديل، تركها أهلها بسبب القصف التركي المتواصل لمناطقهم وسقوط العديد من الشهداء من المدنيين في القصف، وهم يقيمون حاليا في المناطق القريبة من جبال قنديل ويترددون على قراهم هناك لمتابعة مزارعهم خلال النهار ويعودون منها قبل حلول الظلام.
وأكد أحد وجهاء سنكسر، ان القصف على مناطق قنديل والقرى القريبة منها لا يقتصر على الطائرات التركية، بل هناك قصف من قبل المدفعية الإيرانية المتمركزة على الجبال المطلة على القرى والمناطق الجبلية في قنديل، بحجة ضرب بعض مواقع الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة التي تتواجد في جبال قنديل وبالقرب منها، مؤكدين ان القصف الإيراني يتسبب في الحاق أضرار بالتجمعات المدنية العراقية أيضا.
ويبدو ان ظروف المنطقة وانعدام الاستقرار في شمال العراق نتيجة الحروب المستعرة فيها منذ تسعينيات القرن الماضي وانشغال حكومات دول المنطقة بمشاكلها وتحدياتها، اضافة إلى استخدام بغداد وأربيل للحزب المذكور كورقة للمساومة والضغط المتبادل، قد وفر الأجواء المناسبة لحزب العمال الكردي التركي، للسيطرة على جبال قنديل والاستقرار فيها وجعلها مركزا رئيسيا دائما لقياداته وقواعده، اضافة إلى تواجده في مناطق أخرى مثل سنجار. ومن الجانب الآخر، وفر تواجد الأحزاب الكردية المعارضة لأنظمتها مثل حزب العمال، على أراضي إقليم كردستان العراق، مبررا للدول المجاورة وخاصة تركيا وإيران للتدخل في شؤون العراق والإقليم بحجة ملاحقة عناصر تلك المنظمات المعارضة، مما يسفر عن خسائر بشرية واقتصادية كبيرة في الجانب العراقي، اضافة إلى تهديدات لسيادة البلد الزاخر بالتحديات والأزمات.
مصطفى العبيدي
لا ادري ماذا سوف تفعل حكومة الشيعه في بغداد اذا اراد الاترك مطاردة الارهابين داخل العراق ربما سوف يحركوا اسطولهم السادس المتمركز في بحر أيجه