الاستبداد جوهره الاستحمار.
ببساطة، الحاكم الذي يحترم شعبه، لا يمكن أن يكذب أمامه بكل هذه الجرأة، ولا أظنك ستجد حاكماً يجرؤ على ترديد وتكرار الأكاذيب أمام شعبه، إلا إذا كان يشعر نحوه باحتقار عميق.
لا يتسع المقام لذكر المرات التي أبدى فيها عبد الفتاح السيسي خلال السنين الماضية مظاهر استحماره واحتقاره للـ»يا مصريين» كما يحلو له أن يخاطب مؤيديه في لحظات الغضب أو العتاب، والتي كان آخرها وأوضحها وقوفه قبل أيام في أحد مؤتمراته المنتقاة، مخاصماً عادته المبتكرة في الحديث إلى محاسيبه بقفاه، ليتوجه بالشكر الجزيل إلى «السنّيد» الذي شرفه بمشاركته في اسكتش الانتخابات الرئاسية المهين، لأنه ساعد على تحسين صورة مصر أمام العالم، برغم أنه يعلم جيداً ما نشرته وكالات الأنباء والصحف والقنوات العالمية عن الملابسات الهزلية للانتخابات الفضيحة، ولأن من اختار لنفسه دور «المرمطون» كان سيتشرف برسالة شكر تصل عبر أتفه ضابط مختص، فقد كانت حركة السيسي تكريساً لروح الاحتقار والاستحمار، ليدرك الرسالة كل من ما زالت تسول له نفسه الاعتقاد بوجود فرصة لأي تحرك سياسي غير مطبوخ سلفاً، أن من سيتأمل نص كلام السيسي في نفس الجلسة عن توصيفه لحدود المعارضة التي يجب الالتزام بها، سيدرك أن السيسي كان يرسم معالم فترته التي لم يقرر بعد هل ستكون الأخيرة أم لا، والتي لن يكون مسموحاً فيها حتى بالشك الموالي أو بالتأييد الحذر فضلاً عن «التعارض» اللزج.
ضع في السياق نفسه طريقة تعامل السيسي مع قرار زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق، الذي فاجأ حتى مؤيديه «الهاردكور» الذين ارتبك بعضهم في الساعات الأولى من إعلان القرار، فلجأ بعضهم إلى أسطوانة «الحكومة تريد إحراج الرئيس»، وهو ما قاله بعض مهاطيل مجلس الشعب الذين أنستهم المفاجأة الصاعقة طبيعة دورهم المرسوم في الملهاة الدامية، في حين استغرق البعض الآخر بضع ساعات قبل أن يلجأ إلى الأسطوانة الصالحة لكل المناسبات: «أثق في الرئيس لأنه يعلم ما لا أعلم، ومن ائتمنته على روحي لن أشك في تقديره حتى لو وجدت نفسي عارياً في سريره»، وفي حين لجأ بعض مؤيدي السيسي بل وبعض خصومه إلى حيل دفاعية معتادة تساعدهم على توهم وجودهم على التراب المصري كمواطنين لا كأنفار، اختار السيسي أن يستخدم أعنف الألفاظ في الدفاع عن القرار، معلناً بوضوح صيغته للعلاقة بين الدولة والمواطن، حيث «اللي ما معوش ما يلزموش»، ملغياً الحدود الفاصلة بين الدولة وبين القطاع الخاص في التعامل مع المواطن «اللي ما معوش».
ولأن السيسي استخدم في شرح صيغته الجديدة للعلاقة بين الدولة والمواطن أكثر العبارات فجاجة، لا زال بعض مؤيديه ومعارضيه يجدون صعوبة في تقبلها، لأنهم لا زالوا معتادين على الصيغة الناصرية في طبعاتها المختلفة، وآخرها طبعة مبارك الأكثر رسوخاً في الذاكرة: «سنعطيك الفتات الذي يمكنك من عبور معظم الشهر في سلام، لكن في المقابل خليك في حالك واتصرف في تربية عيالك دون اصطدام مع الحدود التي سنرسمها وسنغيرها حسب الظروف»، بعض هؤلاء لا زال يحن إلى نبرات الحنان العرقان في خطابات السيسي منذ لحظة التفويض وما تلاها، لأنهم لم يدركوا أن فشل الكثير من رهاناته الاقتصادية، جعله يلجأ إلى تطوير شرس لصيغة «هاجيب لكو منين»، التي أعلنها مبارك في لحظة غضب، قبل أن يختار بعد ذلك زيادة نسبة المراهم في إنفاذ الخوازيق الجديدة.
أما السيسي مبتدع صيغة الحفر على الناشف، فقد قرر أن الوقت لم يعد صالحاً للمراهم والكريمات الملطفة، ولذلك قرر مثلاً أن يهاجم وزير النقل على الملأ، لأنه قام بالاعتذار في تصريح تلفزيوني عن قرار زيادة أسعار التذاكر، ليعلن بذلك رفض جميع حركات التراث المباركي، ويعيد التأكيد على نطاق سيطرته وطبيعتها، على طريقة الوحوش الضواري، بعد أن تأكد عبر عشرات المناسبات أنه ليس في مقدور أحد أن يزعجه بمعارضة مقلقة، وهو ما يمكن أن تقرأ في ظله تعمده العفو الرئاسي عن بلطجي كامل الأوصاف والأحكام النافذة، في الوقت الذي تنهال عليه المنظمات الدولية بدعوات الإفراج عن هذا من الصحفيين وذاك من الناشطين.
لا زال البعض يجد صعوبة في التعامل مع هذا النوع «الجديد» من الاستبداد، وهو ما يبدو على مستوى الأنين اليومي عبر مساحات «السوشيال ميديا» التي يتواصل استهدافها بضربات محكمة يظنها البعض عشوائية، وهو ما يذكرك بمن يلجأون إلى إطلاق التساؤلات الإنسانية حول ما يدفع بشار الأسد إلى ضرب المدنيين بالبراميل، لأنهم لم يستوعبوا بعد كيف تم بمنتهى البساطة ـ وفي القرن الحادي والعشرين ـ إزالة كافة القشور «المدنية» عن الصراعات السياسية، لتعود بدائية ضارية كما بدأت، لكنك في المقابل ستجد من يشاهدون لقطات سقوط البراميل على الأحياء السكنية في حمص وحلب، ويربطونها بما أفلت من طوق التعتيم والحجب من تفاصيل مزرية يتعرض لها مواطنو سيناء، ليدركوا أن السيسي لن يتردد عند الحاجة في الذهاب إلى أبعد مدى في تنكيله بمعارضيه، لأنه لم يعد يحارب معركة شخصية، بل يحارب كممثل لتحالف سلطوي يمثل مصالح الجيش والشرطة والقضاء، وهو تحالف للأسف لم يعلن في السر ولم يظهر فجأة، بل تشكل بمباركة ملايين المصريين من مختلف الفئات والطبقات، منذ اللحظة التي اعتبروا فيها أن قتل وقمع المعارضين أياً كانت انتماءاتهم، يمثل إنقاذاً لمصر، وبناءاً لمصر الجديدة الخالية من الخونة والمتآمرين.
عقب حديث السيسي الأخير، قرأت تدوينة رائجة يستشهد كاتبها بقوله تعالى في وصف علاقة فرعون بشعبه: (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين)، وقول الإمام القرطبي في تفسيره لها: «فاستجهل قومه فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم»، أو «وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه»، وهو توصيف قديم للواقع، يتجاهل أن غالبية مؤيدي السيسي في ظني، لم يكونوا يعتقدون أصلاً بوجود مؤامرات دولية فعلية أنقذ السيسي مصر منها، وأن ما كان يتم تناقله بكثافة كان مجاراة لرغبة السيسي الذي كان يستخدم عبر أذرعه الإعلامية ذلك الخطاب لتبرير القمع، وحين تغير مزاج نظامه السياسي، ولم يعد بحاجة إلى إيجاد مبررات للقمع، وقرر التخلي عن أهم ألسنته وأذرعه التي استحمر بها مؤيديه لفترة كافية، تحول القطاع الصلب من مؤيديه، إلى مجاراة غضبه الجديد، بكل ما استطاعوا من توحش، كان آخر مظاهره الإفراط في التعبير عن كراهيتهم للفقراء المتطفلين العائشين على إحسان الدولة التي آن لها أن تتوقف عن طيبتها وخيرها الجاري على «اللي يسوى واللي ما معوش».
على ذكر التدوينة السابقة، ربما كان من أبرز تعقيدات الواقع الجديد، أنه يدفع أي معارض أو ثائر أو ساخط ـ سَمِّه ما شئت ـ إلى استسهال احتقار الشعب الذي لا يستحق التعاطف، لأنه فرّط في حقوقه ومكاسبه منذ لحظة التفويض، التي لم يكن السيسي فيها قوياً بما فيه الكفاية، بل كان يستجدي صراحة وقوف الشعب إلى جواره، ليتغير كل شيء حين وجد السيسي أن وقوف الشعب وتأييد نخبه جاءه بأسهل مما توقع، ودون أن يكون مرتبطاً بأي شروط أو تعهدات، وهو ما عبر عنه في أكثر من مناسبة بصيغة «انتو فوضتوني»، أو بحديثه الهزلي المتكرر عن سهولة رحيله لو أراد الشعب، في حين تعتقل أجهزته الأمنية كل من يحدث نفسه بالرفض أو المعارضة.
المشكلة هنا أن المستبد قد يمتلك القدرة على احتقار الشعب علناً، لأنه يمتلك أدوات قمعه، أما المعارض للاستبداد فلا يمتلك رفاهية احتقار الشعب، لأنه لا يملك أي خيار سياسي عملي سوى التعامل مع الشعب بوصفه ضحية لا شريكاً في الجريمة، حتى وإن لم يكن الشعب كذلك تماماً، صحيح أن الواقع الجديد تجاوز عملياً الخطابات القديمة العاطفية في التعامل مع الشعب «المعلم الملهم الصابر النخنوخ»، لكن الواقع أيضاً أثبت عبثية الإمعان في احتقار الشعب واستسهال تحميله المسئولية عما جرى له، لأن ذلك يصب في مصلحة المستبد، ويصعب من احتمالات قيام أي شكل من أشكال المعارضة التي يدرك المستبد خطورتها، لأن هبات الجياع المحتملة لا تخيفه، لأنها بدون حركات معارضة ستتحول إلى مسامير لتثبيت عرشه، ليس فقط بعون من شرائح مؤيديه والمنتفعين منه، بل وبشرائح واسعة من المتضررين من سياساته، الذين يرون ظلمه أرحم من فوضى ستعصف بما تبقى لهم من فتات.
ختاماً، يكذب من يقول لك إن لديه وصفة مجربة للخروج الآمن من هذه الورطة المريرة، لكن يكذب على نفسه من يقول إن هناك طريقاً للخروج يمكن أن يبدأ بدون محاولة توصيف الواقع بدقة ودون خداع للنفس وتعليلها بالأوهام، وعلى الله قصد السبيل أو هكذا أزعم.
11RAI
بلال فضل
في سورة الدخان: “وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ. أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. وَأَنْ لّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ. وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُون. وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ. فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ. فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ. وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ. كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ. فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ. (الدخان: 17-30)
هذه حقيقة قديمة. لم تعجبهم الحرية ولا الديمقراطية. استسلموا للتآمر، وأموال الأعراب (حركة تمرد نموذجا)، اتفقوا على استدعاء العسكر، وما أدراك ما العسكر، وتطوع من يسمبهم الناس بالمثقفين للترويج للضلالات والأكاذيب، ثم كان التصقيق لمن ذبحهم الفرعون في الحرس ورابعة والنهضة وغيرها، وامتلأت الشاشات والإذاعات والصحف المأجورة بالتشهير بالرئيس المسلم الذي لم يتقاض مليما من الرئاسة، وعايروه أنه لم يقدم لهم سوى كوب من الشاي في القصر الجمهوري، ولأنه كان يصلي أوسعوه سبا وشتما، ومع ذلك كان يتصدق بعرضه، ويقول : إ، الشعب حرم طويلا من التعبير عن نفسه. دعوهم للفضفضة فسوف ياـي يوم ويعتدل الميزان، وأصدر قرار بفانون لإطلاق سراح صحفي سافل سبه وأقذع في شتمه، فلم يبت ليلة واحدة في التخشيبة. هاهو الرئيس المختطف يقضي سادس رمضان دون أن تراه أسرته أو محاميه، ولحق به بعض أبنائه! وصارت البلاد أضحوكة للعالمين، تأتمر بأمر الجيران الغزاة.
من أعان ظالما سلطه الله عليه. ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي الغظيم!
لعنة الشعب المصري هم كبار السن من الجيل القديم الذي عاصر فترة السادات ومبارك ، هؤلاء لايملكون أي حس بالكرامة مطلقا ومبرمجون بطريقة عجيبة وهو سبب خنوع اولادهم واحفادهم حيث يبثون فيهم الخوف والجبن وطاعة الميري بدون تفكير او تردد ، انهم جيل الخنوع والعبودية في ابشع صوره ومنهم طبعا الموظف البسيط ومنهم القضاة واصحاب المراتب العالية جميعهم تربوا على الطاعة العمياء ….وحاضر يفندم!
ومع ذلك فإن الإنقلابي قد استحمر الشعب المصري الذي لم يستأسد على السيسي. الشعب المصري عليه أن يستجمع قواه ثم يثور ثانية على الذي استحمره.
لا توضيح و توصيف لحال مصر المحبوسة ، اكثر من ذلك !
.
الغريب انك عندما تستمع الى عبد الفتاح السيسي و تشاهد حركات جسده ، تستنتج مباشرة أنه مثال للسذاجة و خفة العقل و الجهل المطبق ، وأنه قفز الى هكذا منصب في غفلة من الزمن ، وحين تراجع التاريخ تجد أمثلة مشابهة ، كافور الاخشيدي احدها !
.
لكنه من ناحية أخرى يثبت انه رجل أمن و مخابرات من الطراز الأول و لكن في تطبيق ” الموهبة” الأمنية و المخابراتية هذه بشكل حصري على شعبه و أبناء جلدته بأسلوب الطغاة مقابل الانسحاق و الانبطاح الكامل أمام مموليه بالرز اللازم و تزويده بالخطة التي عليه اتباعها كما كشفت صحيفة نيويوركر مؤخراً .
.
ليس المستغرب تطبيل و تبرير المستفيدين من كهنة الفرعون و الراقصين على الحبال و جوقة الإعلام الساقطة ، لكن المستغرب وجود كم من المنخدعين و المعاندين لأنفسهم في الدفاع عن هكذا مخلوق و نظامه الذي خسف بمصر إلى سابع أرض !
أحسنت النشر ويسلموا
إلى أن يأذن الله بتوحيد قوتنا الداخلية والخارجية في مواجهة مغتصبي الأمم لابد من التمسك القويم بالدين والحافظ على تأدية شعائره والحث عليها وتربية اولاد وجيل يعي ويفهم القضية التمسك بالدين هو الملاذ هو من يجعلنا نتحد في يوما ما تحت لواء التوحيد ولا يهمنا ولن نخشى اي طاغوت فكلهم إلى مزبلة التاريخ متجهين
رمضان كريم
اجملت وأوجزت الوصف والشرح والتحليل وفعلا لو احنا مش شعوب تستاهل وتقبل الذل لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه لكن أصبحنا نحب الدنيا ونكره الآخرة ونسكت عن الحق ونرى الشياطين تتمادى في إعلاء آلهتها من أهل الدنيا ونحن صامتون لاحول لنا ولاقوة