عاصفة الأمل

في اليمن نحن الآن في مرحلة ما بعد العاصفة.. في تلك المرحلة الغامضة التي تجمع بين الحرب المعلنة والمباشرة «عاصفة الحزم» ومرحلة إعادة الإعمار أو «إعادة الأمل».
ولأننا نعيش في الخليط بين الاثنتين، إذ لا تزال الأزمة مستمرة وكذلك التهديدات والأعمال العدائية، فإنه يمكننا أن نطلق على هذه المرحلة اسم: «عاصفة الأمل». لكن قبل الانتقال إلى هذه العاصفة الجديدة يتوجب علينا وعلى كل متدبر الوقوف بموضوعية حول نتائج هذا التدخل العسكري الفريد من نوعه ومحاولة تقييم ما فات بلا تحيّز أو تغليب للعواطف.
الملاحظة الأولى هي أنه بإمكاننا إحصاء المئات من المقالات والتصريحات العربية التي تناولت موضوع «عاصفة الحزم»، حيث تشكلت قناعة لدى معظم الكتاب والصحافيين بضرورة إعلان مواقفهم من تلك العملية التي تقودها العربية السعودية وحلفاؤها. المثير ليس ما قيل عن هذه الحملة بل حقيقة أنها، كانت تصب في اتجاه التأييد والإيجابية بين متحمس لمحاربة المد الشيعي وآخر لإعادة «الشرعية» وثالث يرى فيها خطوة مهمة من أجل تلقين إيران درساً ولجم تحركاتها الأخطبوطية في المنطقة، ورابع يرى أن واجبه يحتم عليه تأييد كل ما تقوم به السعودية من إجراءات، باعتبار أنها حارسة السنة وقائدة المسلمين. المهم هو ذلك الاتفاق على شرعية التدخل بغض النظر عن اختلاف النوايا، ثم تواصى أولئك على تمجيد نجاحات الحملة وتناسي أنها لم تؤد بعد دورها المنشود لا في لجم إيران التي ما تزال تواصل مشروعها ولا حتى على صعيد الحوثيين الذين باتوا يهددون الحدود والمدن السعودية.
لقد سمحت هذه المعركة باستعادة أصوات شيوخ طالما تم اسكاتهم بحجة التشدد أو الاختلاف مع السلطات الخليجية الحاكمة، فكانت فرصة من جهة لإعادة احتواء هذه الأصوات ذات الجمهور الكبير من جهة، كما كانت من الطرف الآخر فرصة لعدد من «المثقفين الدينيين» لتأكيد انتمائهم وولائهم لقيادتهم وأن اختلاف الرأي لا يفسد لـ»البيعة قضية».
تحدث أولئك عن المعركة بحماس بوصفها «جهاداً» في سبيل الله عن طريق محاربة الشيعة وإيران الصفوية، لكنهم لم يحدثونا بذات الحماس عن الهدف الرئيس الذي أعلنه القائمون على الحملة، والذي كان باختصار: إعادة الشرعية والديمقراطية المفقودة لليمن التي يمثلها الرئيس هادي.
الهدف بالنسبة للمدرسة الدينية الرسمية وغير الرسمية التي تماهت مع خطابها ينحصر فقط في محاربة المد الشيعي، فلا يعتبر موضوع «الشرعية» أولوية لهم، وهم الذين طالموا دبّجوا الكتب والمقالات في تحريم المظاهر الديمقراطية أو حركات الاحتجاج، حتى السلمي، أو أي تعبير عن الرأي بحجة ضرورة تثبيت الحكم للحاكم المتغلب مهما كانت درجة فساده.
أيضاً فإن إعلان حرب طائفية على الشيعة كشيعة بغض النظر عن سلوكهم وتصرفاتهم، يفتح المجال على مصراعيه للحرب المذهبية، فلا نتوقع أن يقف الشيعة العرب والخليجيون مكتوفي الأيدي أمام هذه التهديدات الجدية، خاصة أن أعدادهم في المنطقة وتوزيعهم لا يمكن الاستهانة به. ربما لم يشغل دعاة حرب السنة والشيعة أنفسهم بإجابة هذه الأسئلة، التي أهمها هو ماذا سيكون مصير التعايش السلمي في بلد كلبنان مثلاً أو كالبحرين ذات الوضع الخاص والمتأزم سلفاً؟ على الطرف الآخر هناك العلمانيون واليساريون الأقرب لمعاداة الدين، الذين باتوا يحدثوننا هم أيضاً بحماس هذه الأيام عن ضرورة محاربة «المد الشيعي»، وذلك أيضاً من الطرافة بمكان، فما الفرق بالنسبة للعلماني بين أن تحكمه الهيئة الدينية السلفية أو أن تحكمه المراجع الشيعية؟ فكرياً لا فرق، بل لعل إيران تبدو بالنسبة لأكثرهم، أو كانت تبدو، أقرب للانفتاح ومنح الحريات من الحكم على الطريقة «الوهابية» الذي طالموا انتقدوه. الخلاصة أن كلاً من المتشددين السلفيين والإسلاميين في غالبهم والعلمانيين قد التقوا لقاءً تاريخياً على ضرورة دعم هذه العاصفة الموجهة لإيران عن طريق اليمن.
لكن هل يمكن للذين لم يوحدهم العداء الصهيوني ولا احتلال العراق من قبل أمريكا، ثم إيران من بعد، ولا المأساة السورية.. هل يمكن لهم أن يتحدوا الآن ضد تلك الجماعة في اليمن؟ الإجابة السريعة قد تكون نعم ، لكن نظرة إلى اجتماع الجامعة العربية الذي انعقد إبان الحملة قد يوضح أن الاختلافات بين الدول العربية وطريقة فهمها وتحليلها للأمور تختلف أحياناً بشكل جذري، فبينما كان الخليج يركز انتباهه على حوثيي اليمن، كان أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية يصرخ متحدثاً عن حماس وانقلابها على السلطة في إشارة إلى ضرورة أن تعامل كمعاملة الحوثيين. مصر السيسي كانت تتحدث عن الإرهاب المنحصر ضمناً في الجماعات الإسلامية المعارضة، حتى المعتدلة منها، أما الإدارة العراقية فقد عبّرت عن مشاغلها، الإرهاب أيضاً، ولكن السني هذه المرة المتمثل في «داعش»، وأيضاً عموم المقاومة السنية التي تطالب بفرص أكبر ضمن الدولة العراقية التي احتكرها الشيعة.
الدول العربية والإسلامية عرفت في معظمها أن هذه الحرب ستكون ممتدة وسوف تكون لها تبعات داخلية، فتردد بعضها خاصة أمام الحرب البرية المفتوحة، بل حتى أمام فكرة العاصفة، فتقهقرت مصر، رغم علاقتها الاستراتيجية بالمملكة، واعتذرت باكستان لرفض برلمانها ولما ستلقيه مشاركتها من أعباء عليها، خاصة تجاه الأمن الداخلي بوجود الطائفة الشيعية والعــــلاقة المميزة مع إيران، حتى تلك التي شاركت فقد حاولت إيصال رسالة بأنها تشارك ضد الحوثيين وضد المخربين في اليمن، أي أن المقصود ليس عامة الشيعة ولا الوجود الإيراني.
الملاحظة الأخيرة هي تجاهل الحديث عن القتلى من المدنيين الذين سقطوا جراء ضربات التحالف، ولأول مرة تتحد القنوات الإخبارية العربية الكبرى في حجب أجزاء مهمة من الحقائق عن الرأي العام، فيصبح الأعداء هم فقط من يقومون بهدم المباني المدنية وهم فقط من ينتج عن ضرباتهم وتوغلهم قتلى وجرحى من المدنيين. هل هذا المقال هو ضد العاصفة؟ الإجابة هي لا، على العكس من ذلك فقد كان ذلك التحرك موفقاً كمحاولة لإعادة توحيد المنطقة.
المقال فقط ضد النظرة العاطفية التي تحاول تصوير الحرب كنزهة أو مجرد اختبار لجاهزية الجنود والعتاد، فمن الواضح أن الحرب لن تكون كذلك وسوف يكون لها ما بعدها وما يترتب عليها من تبعات. لحسن الحظ، فإن القيادة السعودية، على وعي كبير بذلك وهو ما يفسر عملها على خلق شراكة واسعة مع أكبر قدر من الدول العربية والإسلامية، فكانت اللقاءات التركية السعودية، وكان التشاور مع مصر وقبل ذلك كان التنسيق مع قطر وطي الخلاف معها. السعودية تدرك أنها لن تستطيع استقبال العاصفة وحدها، وأن ظهرها يجب ألا يكون مكشوفاً، لكن الملك سلمان الذي أجرى، وما زال، تعديلات واسعة على أركان حكمه يعمل في ظروف صعبة، خاصة أنه قد ورث وضعاً معقداً ومتشابكاً.
كان الخطأ الاستراتيجي الذي قامت به الإدارة السعودية السابقة، أقول الإدارة لأنه من الظلم تحميل الملك عبدالله – رحمه الله- وزر كل ذلك، يكمن في جعل محاربة الإخوان أولوية قصوى. هذه النظرة أضعفت كثيراً من صورة المملكة عند قطاعات كثيرة في المنطقة والعالم، فاتهمت بمساندة الانقلاب في مصر ودعمه مادياً وإعلامياً، كما اتهمت بالمشاركة في خنــــق قطاع غــــزة وعدم التحرك ضد العدوان الصهيوني الأخير عليها نكاية بحماس التي هي واجهة للإخوان.
وحتى في اليمن فقد قادت النظرة القاصرة إلى تجاهل خطر الحوثيين، بل ربما دعمهم، حتى لا تسقط اليمن في أيدي إسلاميين من إصلاح وغيرها مما أدى إلى تقويتهم وتمكنهم.
كل ذلك في طريقه إلى التغيير ويبقى التحدي هو ترتيب البيت الداخلي وإعادة شرح مواقف المملكة كما فعل «جمال خاشقجي» حين قال إن السعودية لن تكون مع أي طرف ولا ضد أي طرف، بمن فيهم الأخوان، ثم خلق درع عربي وإسلامي مع دول يمكن الاعتماد عليها، في الوقت ذاته الذي يجب أن تتواصل فيه العاصفة حتى تؤتي ثمارها التي أهمها إرسال رسالة إلى طهران مفادها أن العالم الإسلامي لم يعد كما كان وأن عاصمته السنية قد أمسكت بزمام المبادرة. أما أولئك الإعلاميون الذين يستمتعون بتبسيط المعركة والحديث عن نجاحات متوالية حقيقية أو متوهمة فأهمس في أذنهم: إن آخر ما نحتاجه هو تكرار ما حدث في 67، حين كان الإعلام في المساء يتحدث عن النصر المجيد والتوغل في تل أبيب قبل أن يستيقظ العرب ليجدوا أن تل أبيب هي التي توغلت فيهم..!
كاتب سوداني

مدى الفاتح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول mohamed lakhdar:

    ما جرى ويجري في اليمن سلوك تنقصه حصافة العقل وطهارة القلب.

  2. يقول سامح // الامارات:

    * من الآخر : بعيدا عن التفاصيل والتنظير.
    * حرب اليمن عبارة عن ( حرب على مشروع ايران ) في اليمن ؟؟؟
    * المشكلة والعقدة هي ( ايران ) وأزلامها في اليمن وهم الأشرار ( انتهى ) .
    * شكرا

  3. يقول تيمور:

    إيران تهدد بحرب كل من يعترض سفينتها المتجهة لليمن اذا دخلت ايران الحرب كل الدول باتهرب وتترك السعوديه لحالها تواجه مصيرها المحتوم

  4. يقول معتصم _ السودان:

    من المؤسف في واقع الحال العربي .. تناسي القيادات العربية لمسؤليتها المفترضة في العمل المشترك لضمان أمن و أستقرار المنطقة ككل .. و تسابقهم في محاولة الأستفادة من تطورات الأوضاع، كل” حسب ماتمليه مصلحته عليه .. حتى و أن أدى ذلك إلى تأزم الأوضاع بدلاً من حلحلتها .

اشترك في قائمتنا البريدية