عقاب الرياض للقاهرة ومكافأة تركيا لروسيا وقرار السيسي لملك البحرين «المصري»

ماذا نكتب وسط كل هذه الاحداث المأساوية والمتسارعة عربيا؟ هل نكتب عن المئات الذين قتلوا في سوريا واليمن الأسبوع الماضي؟ أم عن التوتر بين القاهرة والرياض وما تصحبه من «حرب إعلامية»؟
ولنبدأ من النهاية:
انفردت «القدس العربي» قبل أسبوعين بوجود «أزمة عميقة» بين مصر والسعودية. ومنها مقال لكاتب هذه السطور كان عنوانه «السيسي غاضب سعوديا». وسرعان ما تفجر ذلك الغضب، وأصبحت العلاقات السعودية المصرية تتصدر الأنباء دون غيرها. وكانت لحظة الانفجار إثر اجتماع تاريخي ساخن في مجلس الأمن، حتى بدا الكون وكأنه على شفا حرب عالمية جديدة.
أما مصر، فلم تتوقع الغضب السعودي من تأييدها لمشروعين متناقضين في جلسة واحدة، الأول فرنسي والثاني روسي بشأن الوضع المأساوي في سوريا. فالموقف المصري ليس جديدا في تعبيره عن وجود اختلاف قديم حول سوريا، وهو ما اعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في مجلس الأمن الشهر الماضي، وأشار إلى أن مصر تعارض دعم البعض لأي عمل ارهابي في سوريا، ولن تعترف بمجموعة غيرت اسمها، في إشارة واضحة إلى جبهة «النصرة». والأهم أن التصويت المصري لم يحرك مصير أي من القرارين. وكان مؤيدا للسعودية في القرار الاول، واختلف معها في الثاني. ورأيت أن الوفد المصري أخطأ في التصويت، واذا كانت لديه تحفظات محددة في محتوى القرارين كان عليه طبيعيا أن يمتنع عن التصويت، كوسيلة لعدم ممانعة صدور القرار، وهذا إجراء معتاد في تاريخ الامم المتحدة، إلا أن الموقف الغريب بتأييد القرارين بدا وكأنه يسعى إلى كسب تقدير من الجانبين المتناقضين، ولو أن أي بلد آخر اتخذ هذا الموقف لما حظي بكل هذا الاهتمام. ومن هنا جاء الغضب السعودي الذي اعتبر الموقف المصري (مؤلما) بالنظر إلى تأثيره الخاص.
وسرعان ما تلقت القاهرة معاقبة سعودية تكشف غضبا واسعا، وتمثلت في منع توريد النفط اليها، وكأن مصر يجب أن تكون تابعة لكل من ساعدها سياسيا.
وهنا يمكن التوقف عند نقاط رئيسية:
أولا: السعودية تعاني مشاكل عميقة اقليميا ودوليا، بدءا من اشتعال القوانين ضدها في الولايات المتحدة، إلى الإدانة القوية من أمين الامم المتحدة للقصف العربي الرهيب في اليمن، وأخيرا وليس آخرا الازمة الاقتصادية التي جعلت الرياض تسعى للحصول على قروض مالية لأول مرة في التاريخ. لكن المؤكد أن معاقبة الحكومة السعودية لمصر لا يمكن أن تسهم في حل هذه المشاكل، بل قد تدفعها إلى تقارب طبيعي مع إيران. وبالفعل صدرت أمس تصريحات مثيرة من نائب وزير الخارجية الايراني توجه إشادة غير مسبوقة إلى الرئيس المصري، وهذا دليل على حجم الهدية المجانية التي وجهتها التصريحات السعودية الغاضبة ضد مصر.
ثانيا: مصر تعتبر تكريس السياسة الطائفية خطرا على كافة البلاد العربية، ولعل الفشل العربي المروع في سوريا واليمن بشكل خاص دليل على ذلك، وطالبت أكثر من مرة بدء حوار عربي إيراني كضرورة حتمية للخروج من هذه الكارثة، وأن لمصر مسؤولية خاصة لأسباب استراتيجية وتاريخية معروفة تجاه سوريا واليمن بشكل خاص. ولا تأييد مصريا لشخص الرئيس السوري، بل لبقاء الدولة السورية لاسباب تتعلق بمصلحة الدول العربية جميعا وليس سوريا وحدها. وقد رفض السيسي عقد لقاءات اثناء زيارته للامم المتحدة مع مسؤولين سوريين، أو حتى استقبالهم في القاهرة، بل إن مصر دعمت اجتماعا للمعارضة الوطنية السورية التي تدعو إلى إطاحة نظام الأسد مع بقاء الدولة، لكن السياسة السعودية الجديدة ضد مصر قد تغير طبيعة العلاقات اقليميا.
ثالثا: الحكومة السعودية تعتبر أن معاقبة مصر نفطيا وإعلاميا قد تؤدي إلى تعديل سياسي أو إلى اضعاف نظام السيسي أو إطاحته، أما الواقع فالعكس تماما. واقتصاديا فإن حرمان مصر من النفط السعودي قد اتاح لها عروضا أفضل بينها أسعار مخفضة من الكويت، ناهيك عن عرض مجاني من ليبيا، وبالمناسبة فإن التعهدات السعودية بتقديم مليارات من الاستثمارات لم تتحقق اصلا. أما الإساءات الإعلامية السعودية لمصر، فقد وجدت ردودا من إعلاميين مصريين أيضا. وكاتب هذه السطور كعروبي يدين الإساءات الإعلامية بقوة ومن الجانبين معا. اما الواقع فهو أن المعاقبة السعودية لمصر أصبحت في مصلحة السيسي، وفجأة أصبح كثيرون يؤيدون سياسة الدولة ورئيسها بعد أن كانت أغلب وسائل الإعلام تشن الحرب ضدهما. أما مصير الجزيرتين المصريتين في البحر الاحمر فقد انتهى واقعيا.
رابعا: استغرب كثيرون في مصر من أن روسيا المتهمة بالقتل البشع وارتكاب جرائم الحرب في سوريا سرعان ما تلقت مكافأة ضخمة من تركيا عبر توقيع اتفاقيات اقتصادية ضخمة، اثناء زيارة الرئيس بوتين لصديقه الرئيس اردوغان في قصره. وقد أشار الروسي إلى الحفاوة الواسعة التي حظي بها هناك، فيما تعهد التركي بمزيد من التعاون مع روسيا «الصديقة»، بعد يومين فقط من استخدامها الفيتو. أما فرنسا فرفضت استقبال بوتين تعاطفا مع الاف القتلى والجرحى في سوريا. وفي سلوك يبدو مثيرا اتجه الرئيس التركي إلى السعودية امس دعما لمعاقبة مصر، بعد مكافأته روسيا وتصريحاته «غير اللائقة» المسيئة للعراق ورئيس حكومته، وقوله «سنفعل ما نشاء في العراق».
خامسا: وسط أجواء الازمة العربية وكوارثها وسقوط مئات القتلى، احتفل الملك البحريني بالحصول على قرار جمهوري غير مسبوق من صديقه الرئيس المصري يسمح بالتعامل معه كمواطن مصري ليتمكن من شراء بيوت وفلل فخمة في شرم الشيخ. وهكذا اصبح ملك البحرين «مصريا» بل أكثر حظا من بعض المصريين انفسهم الذين منعهم الجيش من امتلاك اي اراض في سيناء اذا كانوا يملكون جنسيات أخرى. ولم افهم معنى هذا القرار «التاريخي»، خاصة أن ملك البحرين يملك منذ سنوات قصرا رائعا بالفعل داخل احد الفنادق الشهيرة في شرم الشيخ، وهو يقيم فيها طويلا حتى اصبحت عاصمته الثانية. فهل يتدخل الملك البحريني عند حليفته السعودية لوقف معاقبة مصر أو الاساءة اليها، خاصة بعد أن حصل على جنسيتها؟ هل تتحسن قضية حقوق الانسان في البحرين بعد هذا الحدث التاريخي؟ وهل ستتحسن أوضاع العمال والمدرسين المصريين في البحرين الذين يشكون من سوء احوالهم المادية؟

كاتب مصري من أسرة «القدس العربي»

عقاب الرياض للقاهرة ومكافأة تركيا لروسيا وقرار السيسي لملك البحرين «المصري»

خالد الشامي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    إيلاف من القاهرة: دعا عدد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المعارضة لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى التظاهر يوم 11 من نوفمبر 2016 تحت مسمى “ثورة الغلابة”، وتداول النشطاء صورًا لعملات ورقية فئة الـ 10 جنيهات والـ 5 جنيهات مكتوبًا عليها دعوات للتظاهر في 11 نوفمبر، حاملة هاشتاغ “نازل ولا متنازل، انزل، حرر وطنك، أنا متضامن مع حركة غلابة”.

    ويطالب الداعون لتلك الثورة بالتصدي للارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات، ومقاومة الفساد والمفسدين، والوصول إلى عيشة كريمة للشعب المصري مثل بقية شعوب العالم. كما تهدف إلى وقف سيطرة الإمبراطورية الاقتصادية للقوات المسلحة على اقتصاد البلاد، وتحكمهم في معظم المجالات الاقتصادية تقريبًا، الأمر الذي تسبب في تدهور الاقتصاد المصري،
    – عن موقع إيلاف –
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول خالد أبو أشرف- ماليزيا:

    أغلب الشعب المصري مع الرئيس السيسي
    ومن يثير الفتنة عبر ثوار الفيس بوك قلائل عايشين مرتاحين في تركيا وأمريكا وأوروبا.
    الشعب المصري يريد الأمن والاستقرار أولا ووجود دولة بأجهزتها ومؤسساتها. إذ لا معنى للحياة بدون أمن، واسألوا السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين إن كنتم لا تعلمون.
    وتحيا مصر والأمة العربية

  3. يقول عبد القادر الجزائر:

    السؤال الذي نتمنى من انصار 30 يونيو ان يجيبوا عنه لماذا يتهم كل مصري حر” سائق التوك توك” غير معروف الانتماء السياسي و لا المستوى الثقافي و لا حتى الاسم انه من الاخوان ؟

  4. يقول عربي حر:

    تحية للكاتب المحترم
    في العلاقات الدولية لا يوجد شئ إسمه كيد النساء وإنما مصالح مشتركة
    التقارب التركي السعودي نتيجة المواقف المشتركة بينهما في سوريا
    التقارب التركي الروسي نتيجة التآمر الأمريكي بالإنقلاب العسكريي وخدلان الحلف الأطلسي لتركيا بالإظافة إلى أن روسيا أصبحت جارا بحكم إحتلالها لسوريا .
    وأما وقد أصبح الحديث عن جزيرتين مصريتين فالسؤال هنا
    لماذا تم الشروع ببيعهما للسعودية ؟
    وما حكم من دافع عن سعودية الجزيرتين ؟
    ورد بالمقال أن السعودية ساندت مصر سياسيا والأهم أنها ساندتها ماليا بأكثر من 30 مليار دولار والمساندة السعودية لمصرالسيسي ماليا وسياسيا هو أكبر سبب في أزمتها المالية والسياسية وذلك
    أن الرئيس المصري محمد مرسي كان قد أعلن صراحة أن أمن الخليج من أمن مصر بالإضافة إلى تطابق وجهة نظره مع السعودية في ما يخص مشكل سوريا وهو ما كان سيشكل حلفا ثلاتيا قويا مع تركيا .
    الآن تقف إيران المسلحة بملشياتها الطائفية أما السعودية المسلحة بحليف لا يتحرك إلا بالرز ويضع رجلا هنا وأخرى هناك .
    وهذا أحد أسباب الأزمة بين السعودية ومصر السيسي .

اشترك في قائمتنا البريدية