بيروت ـ «القدس العربي»: «كازينو الأنس» عرض مسرحي يستقبل الجمهور مباشرة ودون ستائر. الفرقة الموسيقية تلتزم مقاعدها في الركن الأيسر وتدندن. شاشة تلفزيون ضخمة ترتفع فوق البار بكثير مستعيدة مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي». وفي الركن الأيمن ستارة حمراء ومسرح صغير ينتظر شاغليه. مقاعد وطاولات للساهرين، فـ«كازينو الأنس» يلتزم برنامج «فرفشة» مسائي. مسرح غني يفوق بحجمه ربما بعض صالات الليل في شارع الهرم في القاهرة، يمتاز بواقعيته. «كازينو الأنس» ليس عملاً مسرحياً تجارياً بل تطبيقياً عملياً للطلاب في مجالات تعليمية متعددة في الجامعة اللبنانية الأمريكية. مهمة شارك فيها نحو 60 طالباً، بإدارة من مايسترو العمل أستاذ فرقة الغناء والعزف في الجامعة عمرو سليم، وخريج الجامعة السائر بثبات في الإخراج عوض عوض. والأهم أنهما معاً ثنائي يفيض «فرفشة». معهما هذا الحوار:
○ تصديتما عبر الموسيقى والكوميديا إلى علة بعض الأنظمة بفبركة الجريمة والمتهمين. لماذا هذا الخيار الصعب؟
• عوض: تطلب عملنا مزيداً من الوقت في صياغة السيناريو، وذلك لإيجاد تفاصيل تصل ببساطة للمتلقي عن الجريمة التي نحن بصددها. وكذلك كي يتيح لنا الموضوع والقصة جمع كافة الأفكار التي نرغب في الحديث عنها. اخترنا فبركة الجريمة لأنها حقيقية. كثير من الجرائم المفبركة تقف خلفها دول، خاصة في زمننا السيئ. فبركات دولية تبدل أو تدمر مصائر شعوب بكاملها. هذا هو الموضوع الذي ربط الأحداث.
○ أنتـما ثنائي مخرج وأستاذ موسيقى وفـنـون فكيف تعاونتما في صياغة الأفكار؟
• عمرو: الثنائية لا تعني حتمية النزاع. عندما بدأت مع عوض في وضع خطوط الفكرة وجدنا أننا معاً نعيش تفاصيلها، وأنها تستحق الخروج إلى النور. من البدء كان الإتفاق بعمل جماعي، يشعر خلاله الطلاب والجميع بأنهم فريق من لحظة الكتابة وصولاً للعرض. بدأت الفكرة بكيفية قول المعلومة نفسها بأكثر من شكل. بحيث تختلف بين التلفزيون، الجريدة أو وسائل التواصل الاجتماعي. فراوي تلك المعلومة سيراعي توجهات كل من الوسائل التي يتحدث عبرها. صحيح أن لكل منا اختصاصه لكننا تشاورنا في التفاصيل، وكل منا أبدى رأيه في عمل الآخر وناقشه.
○ ما هي درجة تأثير الفن على حركة المجتمع وأفكاره في ما خص فبركة الجرائم وتزوير التاريخ؟
• عمرو: لا أرى المحاماة من مهمات الفن. دوري ليس الموعظة. يهدف الفن لتنوير عقول الناس. مساعدتهم في بناء آليات تفكير مختلفة. لفتهم إلى تفاصيل غابت عنهم. لن يكون الفن مصلحاً أو موجهاً للمجتمع. هذا أكبر منه.
○ لكن أفلام هوليوود ليست على سبيل الترفيه وتُستعمل للتضليل التاريخي والإعلامي وتنميط البشر. هل تنكر؟
• عمرو: الهدف الأول من العمل المسرحي هو فرح الحضور، وتمضية وقت مع تفاصيل جميلة. تالياً خير وبركة إن وصلت رسائلنا، وإن لم تصل شكرا لحضوركم.
يضيف عوض: للأسف وسائل الإعلام في العالم العربي تتبع أنظمة سياسية، وهي لسان حالها وأجنداتها. الفن الذي يخرج من الناس هو لسان حالهم وهذه وظيفته.
○ اخترتما شارع الهرم مكاناً لـ«كازينو الأنس» هل لأن مصر كانت قلب العروبة وقبلة الإعلام والفن والسياسة؟
• عمرو: في جزء كبير من هذا الإختيار أن اللهجة المصرية قريبة من الناس. وأن الأحداث التي نحن بصددها تحصل في مصر ومعاشة. ولو لم أرها شخصياً فهي ستكون قد حصلت ولم أنتبه لها بسبب التضليل الإعلامي.
○ هل بات الإعلام المعاصر نقمة بسبب جهوزيته للتضليل؟
• عوض: هو سيف ذو حدين. أن يحتكر الإعلام مجموعة قنوات تلفزيونية كما في الماضي فهذا سيخدم الأجندات التي تتبعها تلك القنوات، وهو سيئ. سهولة انتقال المعلومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي منحها مزيداً من الشفافية. يمكن توثيق المعلومة عبر الهاتف وبواقعية، وهذا نعمة. وقد يصبح نقمة لأن الحدث نفسه قد تتم تغطيته من زوايا مختلفة، وعندها تنتفي الحقيقة والكذبة. لكنه يمد المتلقي باختيار ما سيصدقه.
عمرو: ويساعد في ربط الأحداث والحقائق من قبل المتلقي.
○ إلى جانب كونها تطبيقاً جامعياً فهل كان لمرحكما الشخصي الخاص أثر في ولادة «كازينو الأنس»؟
• عوض: كانت لدينا عناوين نرغب الحديث عنها وتوسيعها. إضافة إلى مقرر دراسي خاص بفرقة الموسيقى والغناء، تم لقاء الجميع، عمرو كأستاذ لهذه الفرقة، الطلاب وأنا. بدأنا توسيع الأفكار وربطها كما البازل وصولاً لجهوزية «كازينو الأنس». الموضوع الإعلاني من أفكار الطلاب. فكرة الاغتيال شارك الطلاب في بحثها وتركيبها إلى جانبنا. نعم هو عمل جامعي جماعي بكافة معاني الكلمة.
عمرو: مبدئياً يحتاج الفن في عصرنا لاجتماع فنون عدة من تمثيل، موسيقى ورقص. عندها تطال الرسالة عدداً أكبر من الناس. ولأننا خاطبنا كافة أنواع الفنون كانت كثافة حضور عملنا 1000 شخص في ثلاثة أيام. ونؤكد أن بين الحضور من يحب الفن للفن، ومن يحب «الفرفشة».
○ واضح أنكما معاً من أنصار «الفرفشة» فكم استجاب الجمهور لدعوتكما «انبسطوا.. فكروا.. اضحكوا.. ابكوا..» كيف قرأتم التفاعل؟
• عمرو: يمكنني سرد بعض ردود الفعل التي تلقيناها من عشرات الناس الذين نعرفهم ولا نعرفهم قابلناهم أيام العرض وما بعده في الجامعة. جميعهم شكرنا لأننا تمكنا أن نفرحهم. منهم من قال بأنه تنفس عميقاً بعد العرض وشعر بالراحة. أعتقد أن الطاقة التي وجدت على المسرح جعلت الجمهور «يحِس». هذه الأحاسيس خاصة بالخبرات الشخصية لكل فرد.
○ دعوتما الناس للتعبير على المسرح رقصاً وغناء إن رغبوا. هل فعلها أحدهم؟
• عوض: رقص البعض في مقاعدهم. زغردت بعض النسوة. وفي آخر عرض ردت سيدة من الجمهور على المذيعة التي قدمت أخباراً بالإسبانية. كان التفاعل كبير جداً.
○ لأول مرة يترافق عرض مسرحي مع مطبوعة تحمل اسمه ومن ثماني صفحات. ما هو الهدف؟
• عمرو: المقالات التي صدرت في الجريدة كتبها طلاب قسم الصحافة. كنا نحتاج لاحتضان كافة عناصر العرض من الصحافة إلى الإعلانات والبث التلفزيوني ومزجها بحيث يعيش الجمهور في تكاملية هذه الأجواء. ردود الأفعال حول الجريدة من قبل الجمهور كانت مهمة بحيث دخلوا الأجواء مع دخولهم إلى المسرح.
○ لماذا كل هذه السخرية من الإعلام العربي من خلال قناة «الشخرة» ووكالة «أء للأنباء»؟
• يضحك الثنائي الساخر ملياً ويقول عوض: رغبنا في القول للحضور أن المعلومات تخبط بنا من كافة الجهات. وبناء على المسرحية وجدت صفحة على فيسبوك اسمها الهمزة للأنباء، قبل العرض بشهر تولى طلاب قسم الصحافة في الجامعة تحريرها بشكل دائم وعبر أخبار حقيقية. وشكلت تلك الصفحة اختباراً لمدى تقبل أخبار كاذبة لها صلة بـ«كازينو الأنس» من ضمن أخبار واقعية. في هذا العرض حاولنا إحاطة الناس بكافة وسائل وصول المعلومة من فيسبوك، وواتس آب وغير ذلك.
○ كنتم مع خشبة غنية ومؤثرة كم استغرق إنجازها من قبل الطلاب؟
• بعد ضحك يقول عمرو: كوني دكتور في الجامعة سأقول ما قد ينكسف عوض من قوله. نلنا إنتاجاً وزمن تنفيذ للديكور أقل من أي عرض جامعي آخر. كان المسرح لنا قبل تسعة أيام من العرض الأول. رسم عوض الديكور بالقياسات الدقيقة قبل أن نستلم الخشبة وبدأ البناء. استلمنا المسرح وبدأ التنفيذ مباشرة. حتى كابلات التلفزيون كانت خرائطها جاهزة قبل استلام المسرح. البث التلفزيوني بجميع متطلباته نفذه طلاب التلفزيون والسينما في الجامعة. وفي العرض الأخير كانت المسرحية مباشرة على يوتيوب. وكل العالم شاهدها ولا تزال موجودة.
○ ما العبرة من عرض حلقة من «لن أعيش في جلباب أبي»؟
• عمرو: هو مسلسل مصري أصيل، رحم الله والدتي لم تفوت أي حلقة في تكرار أعادته لعشرات المرات. لي مع المسلسل ذكريات، وحضره عوض مع والديه. لا فلسفة في الاختيار. أردنا مسلسلاً قطعته الأخبار والبث العاجل. وعنوان المسلسل بات مثلاً يردده الشباب.
○ ما هي أنواع الفنون التي خدمت العرض؟
• يقول عمرو مازحاً: ربما أسهل تعداد الفنون التي لم تستخدم في العرض. ويحصيها مع عوض: موسيقى، عزف، رقص، تمثيل، التصميم الذي أخذ على عاتقه الديكور، الملابس، الإضاءة، تيترات البرامج التلفزيونية، المنتجات الإعلانية. كذلك فن البث المباشر. وبرامج «شروق شو» و«طريق معروف» حيث كان فريق من أربعة طلاب مسؤولاً عن الاخراج في لحظة العرض. والرسم كان حاضراً.
○ كم تداخلت الحقيقة مع الخيال؟
• عوض: الحقيقة خيال والخيال حقيقة.
○ ما هو عدد المشاركين في العرض أمام الجمهور وفي الكواليس؟
• عوض: على المسرح 39 بين ممثل وراقص وموسيقي. ثلاثة مصورين أخرجوا العروض التلفزيونية المباشرة. في اعتقادي ان عددنا وصل إلى 60 فرداً.
○ مواعيد مسرح الجامعة السنوية لا تسمح بعروض اضافية. ما العمل؟
• عوض: هذا ما نبحث به. فنحن والطلاب فخورون بما أنجزناه ونتمنى العرض مجدداً. وللحقيقة أنا وعمرو تولينا مهمة إدارة وتنسيق أفكار الطلاب وما شاهدتموه هو من بنات أفكارهم. لقد حققوا النجاح الكبير في عرض تعليمي. الإحتراف كان بادياً في عملهم فقد عملت مع عمرو أمامهم ودون تنظير.
عمرو: كما الطلاب ثبتنا المسامير. عملنا على الآلات وفي كافة التفاصيل. والهدف أن ينتهي الطلاب من المقرر الذي دفعوا مالاً لإنجازه وهم متعلمون. تعلموا أكثر من مهمة منها الميك آب، الديكور، الشعر، تبادل الملابس وتنسيقها. كانت الروح الجماعية معلماً أيضاً.
○ هل توقعتم هذا النجاح؟
• بصراحة تامة وبعد ضحك كبير قالا بتواضع: نعم توقعنا النجاح وبدون غرور. عملنا تميز بالجدية والحب. فَخر الطلاب بانجازهم كان مهماً. الخبرات التي اكتسبوها مقياس النجاح.