مع التدهور الملحوظ للأوضاع الاقتصادية واستمرار التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد، لم يعد الدفع بفشل السلطوية الحاكمة في مصر صناعة للوهم أو ترويجا جاهلا لانحيازات أيديولوجية. وعدت السلطوية باستقرار اقتصادي وقضاء على الإرهاب، ولم تنجز إلى اليوم أيا منهما.
في المقابل، تتنامى مؤشرات السخط الاجتماعي وتتراكم الجرائم والمظالم والانتهاكات، التي تورط بها السلطوية مؤسسات وأجهزة الدولة بفعل اعتمادها الأحادي على القمع «لإخضاع» المواطن و»ضبط» المجتمع. ولتبرير فشلها وتمرير قمعها تستدعي السلطوية القوائم المتوهمة «للأعداء والمتآمرين»، وتعيد إنتاج مقولات التآمر المتهافتة، التي لم تغب يوما عن دولاب الاستخدام اليومي لحكام مصر المتعاقبين (منذ خمسينيات القرن العشرين).
في الوقت ذاته، توظف السلطوية المصرية استراتيجية إضافية سبقتها إلى توظيفها نظم استبدادية وسلطوية أخرى، تسفيه السياسة. والمشار إليه هنا هو محاولات ممنهجة من قبل الحكم لتشويه الحياة السياسية المدنية في مجملها، وتعزيز الاعتقاد بأنه فقط الجنرالات هم القادرون على إدارة شؤون البلاد وتحقيق الصالح العام.
في باب تسفيه السياسة، تختزل الدولة بكامل مؤسساتها وأجهزتها إلى المكون العسكري- الأمني، الذي يشمل الجيش والشرطة والاستخبارات. أما المكون المدني للدولة، من سلطات عامة غير نظامية وبيروقراطية حكومية ووحدات محلية، فيوصم بأمراض العجز والقصور وعدم الانضباط»، التي تتطلب هيمنة العسكريين والأمنيين عليه ووصايتهم على عمليات صنع القرار في سياقاته ودوائره المتنوعة.
في باب تسفيه السياسة، تلغى عملا القدرة الفعلية للهيئات الرقابية المنوط بها (دستوريا وقانونيا) إخضاع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية للمساءلة والمحاسبة على ممارسة مهامها. العسكريون والأمنيون، وممثلهم على رأس السلطة التنفيذية، يراقبون ولا يراقبون، يحاسبون ولا يحاسبون، يعزلون ولا يعزلون. ولنا في واقعة «تفصيل» قانون معيب لعزل المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي، واستصداره بالصلاحيات التشريعية لرأس السلطة التنفيذية (قرار بقانون)، ثم تطبيقه للتخلص من قانوني مستقل رفض أن يستتبع للسلطوية الحاكمة الكثير من الأدلة المريرة على وضعية «الدولة فوق الدولة»، التي بات المكون العسكري- الأمني يحظى بها واقعيا.
في باب تسفيه السياسة، مارس العسكريون والأمنيون وصايتهم الكاملة على تكوين المجلس التشريعي الراهن (مجلس النواب). أعدوا ومرروا قانون انتخابات برلمانية أعطى الأولوية لمرشحين مستقلين وهمشوا القوائم الحزبية، تدخلوا في تحديد هويات المرشحين وحظوظهم من الحصول على مقاعد نيابية في عملية انتخابية عرفت نتائجها سلفا (شأنها شأن الانتخابات الرئاسية في 2014)، ألقوا بالرؤى السياسية وبمقترحات السياسات العامة وبالنقاشات الجادة حول الأزمات المتراكمة في مصر ومسؤولية السلطة التنفيذية عنها، بعيدا عن أبواب المجلس التشريعي، وألزموا المرشحين المستقلين، كما الحزبيين، بإعلان الولاء والتأييد الخالصين لرأس السلطة التنفيذية، وإقرار الامتناع عن معارضته (وكيف يعارض وهو المنقذ والمخلص في نظرهم) في تنازل كارثي عن حق البرلمان في صياغة أجندة تشريعية مستقلة وجادة، وفي ممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
في باب تسفيه السياسة، لم يجد العسكريون والأمنيون غضاضة تذكر في أن تعقد الاجتماعات التحضيرية للمرشحين المستقلين والحزبيين الذين انتقوهم للفوز بالمقاعد النيابية داخل مقار الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وباستدعاءات مباشرة من قبل معاوني رأس السلطة التنفيذية. لم يجدوا أيضا غضاضة تذكر في تشكيل مجلس تشريعي فيه نسبة مؤثرة من ذوي الخلفيات العسكرية والأمنية، وفيه أغلبية ممن لا رؤية سياسية لهم أو اهتمام بالسياسات العامة، وفيه شبه الإجماع بين «أصحاب المقاعد» على مشاركة السلطة التنفيذية تبرير الفشل وتمرير الممارسات القمعية وإنكار الجرائم والمظالم والانتهاكات الكارثية التي تشهدها مصر، أو كخط أخير إلقاء مسؤوليتها على قوائم «الأعداء والمتآمرين» من عموم المصريات والمصريين الغاضبين من القمع، إلى إيطاليا التي «تتآمر حكومتها علينا»، برفض تصديق كون «عصابة متخصصة في خطف وسرقة وقتل الأجانب ثم الاحتفاظ بهوياتهم» هي المتورطة في قتل باحث الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني وصولا إلى البرلمان الأوروبي الذي «تموله عصابات الإخوان» وتستصدر منه بيانات لإدانة القمع وتجعل نوابه يرفضون لقاء «نواب» مصر.
في باب تسفيه السياسة، يسخر المجلس التشريعي بابتعاده عن صياغة أجندة تشريعية ورقابية مستقلة لتثبيت انفراد «الجنرالات» «بأهلية حكم مصر»، وبالقدرة على إدارة شؤونها، وحتمية وصاية العسكريين والأمنيين على المدنيين العاجزين وذوي المصالح الضيقة، ثم يوظف الحضور البرلماني للعسكريين والأمنيين المتقاعدين (أو المستقيلين من مناصبهم النظامية للحصول على مقاعد نيابية) كنواب «الفئات المميزة» لمضاعفة تسفيه أدوار النواب من المدنيين، من خلال إخضاعهم لرقابة مزدوجة، إن من قبل المكون العسكري- الأمني الذي جاء بهم أو من قبل النواب المميزين (اللواءات الذين يتصدرون الهيئات البرلمانية).
في باب تسفيه السياسة، تستخدم هيمنة السلطوية على وسائل الإعلام للترويج لتفوق العسكريين والأمنيين على المدنيين الذين يستدعون لشغل بعض المناصب التنفيذية أو التشريعية. ومن الأمثلة على ذلك؛ «الرئيس يعمل بمفرده، في حين أن يقوض الآخرين إنجازاته»، «الرئيس والجيش والأجهزة السيادية جميعا يعملون بجد لإنقاذ الأمة، في حين ينشغل المدنيون في الوزارات والبرلمان بالمطالب الصغيرة والمصالح الضيقة»، «لولا الجيش والشرطة لانهارت الدولة وضاع الوطن»، «الأجهزة المدنية عاجزة ومنعدمة الكفاءة، والمدنيون لا قبل لهم بتوفير الخبز والأمن للمصريين»، وغيرها.
في باب تسفيه السياسة يظل رأس السلطة التنفيذية من دون بديل، تظل السلطوية الحاكمة بهيمنة العسكريين والأمنيين من دون بديل، تظل النخب المدنية التي ارتضت التبعية للمكون العسكري-الأمني عاجزة عن الابتعاد ولو قليلا عن استدعاءات الجنرالات.
٭ كاتب مصري
عمرو حمزاوي
اللهم فك أسر الرئيس الشرعي الوحيد لمصر الدكتور مرسي ورفاقه
في الثورة القادمة بإذن الله لا بد من تكوين حرس للثورة ليلجموا العسكر من التفكير بالإنقلاب مرة أخرى – لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
ولا حول ولا قوة الا بالله
في الدول الطبيعية تقسم السلطة الي ثلاثة أقسام تراقب بعضها البعض . برلمان يختارة الشعب بكل حرية ونزاهة , لتشريع القوانين , وسلطة تنفيذية , وسلطة قضائية لضمان الإلتزام بالقوانين . أما في أشباة الدول , تقسم السلطة بين مخابرات وجيش وشرطة , تتضافر لقهر وإفقار الشعب وتجهيلة لإحتكار مقدراتة وإستعبادة .
تحليل وتفكيك رائع، ولكني أختلف مع العنوان وأظن من الأفضل لو كان ثقافة الـ أنا للنظام البيروقراطي لدولة الحداثة، ولماذا آن الأوان لمراجعة صحة الأسس التي قامت عليها من أجل نقدها.
وأضيف حكمة العرب تقول خذوا الحكمة حتى من أفواه المجانين، فلا العمر ولا المنصب لها علاقة بالفهم، فكل منّا لديه عقل يفهم به حسب مزاجه وانتقائيته، لتكوين خبرة مختلفة بالتأكيد عن الـ آخر، أنا لاحظت أهم عيب في ثقافة الـ أنا/الفكر/الفلسفة هي موضوع الفهم من خلال القوالب أو بمعنى آخر القولبة أو الفوبيا مثل الاسلاموفوبيا، لأنّك في تلك الحالة لن تفهم ما موجود على السطر، بل ستفهم من خلال القالب الذي في مخيلتك، وليس بالضرورة القالب الذي اخترته صحيح، ومن هنا أهمية ثقافة الـ نحن/الأسرة/الشركة/الدولة/اللغة/الحكمة فالعلاقة ما بين الـ أنا (الرجل) والـ (آخر) لا يمكن أن يفهمها ويقدرها من هو خارجها؟! ولذلك الإسلام ينصح لحل المشاكل الأسرية حكمان، واحد من أهله وواحد من أهلها، لأن كل منهما سيقول جزء من الحقيقة :-)
الإدارة في النظام البيروقراطي تعتمد الأسلوب الهرمي، في تلك الحالة أنت تحتاج إلى رسميات في العلاقة ما بين الموظف والمدير، فلا بأس في تلك الحالة للعلاقة ما بين الـ أنا (الرجل) والـ آخر (المرأة)، فالرسميات ستمنع لغة الحب/الكره للتغلغل بينهما، ولكن الإدارة في نظام العولمة وأدواتها التقنية تعتمد أسلوب فريق كرة قدم عادي، حيث لا مكان للرسميات/النفاق/الرياء الوظيفي، في تلك الحالة للعلاقة ما بين الـ أنا (الرجل) والـ آخر (المرأة) لن يكون حاجز يمنع لغة الحب/الكره للتغلغل بينهما، هناك فرق ما بين لغة الحب وما بين لغة الزواج وهي تختصرها كلمة المسؤولية، بكل أنواعها أولها المالية، المضحك عندما العلماني/الليبرالي يتكلم عن أخلاقيات المهنة هنا بالذات؟! بينما يرفض أخلاق/دين المجتمع ويعمل على الانقلاب عليهما؟!.
الكثير لا يعلم من أنَّ هناك نوعان من البرمجة اللغوية، الأول يطلق عليه البرمجة اللغوية الطبيعية وهو ما يُستخدم مع الآلة في الصناعة لمحاكاة الإنسان في كيفية أداء أي وظيفة كما تم استخدامها في الحياكة بواسطة البطاقات المثقبة، والثانية يطلق عليها البرمجة اللغوية العصبية، وهو ما يُستخدم مع الإنسان كي يُحاكي الآلة في طريقتها للإنتاج بجودة وكفاءة مستقرة، من خلال حصر تفكيره في مفهوم الثنائيات (الإيجابية/السلبية)، السؤال بالنسبة لي هو عندما مدّرب متخصص في البرمجة اللغوية العصبية ينشر موضوع بواسطة القص واللصق مع إضافة ترجمة للعنوان تحت عنوان نصيحة اليوم، دراسة قام بها الباحثين بجامعة سويدية: احترس..العمل مع الأغبياء يومياً..قد يؤدي إلى الوفاة؟! هل هو من باب الإيجابية أم السلبية أم التهريج والمسخرة؟!
ما رأيكم دام فضلكم؟