عن ثورة إيران التي أحبّها أدونيس

تحية إلى الثورةِ الإيرانية
أفقٌ، ثورةٌ، والطغاةُ شَتات
كيفَ أروي لإيرانَ حبي
والذي في زفيري
والذي في شهيقي
تعجزُ عن قولِهِ الكلمات

بهذه الكلمات استهلّ أدونيس قصيدته التي نشرتها جريدة «السفير» غداة وصول الخميني إلى السلطة بعد الإطاحة بالشاه.. القصيدة التي عوتب عليها الشاعر مرات كثيرة، وكان في كلّ مرّة يؤكّد أنّ كان ولا يزال يقف مع الثورة الإيرانية وليس مع النظام الإيراني.. ولست هنا في صدد محاكمة موقف أدونيس من الثورة الإيرانية بقدر ما يهمني التركيز على المبررات التي دفعته، وكثيرين غيره، لدعم تلك الثورة، في حين أنّهم لم يجدوا في ما نسميه نحن «الثورة السورية» ما يدفعهم لتبنّي موقف مماثل، أو قريب، على أقل تقدير.
بات من المعروف أنّ للرجل موقفا واضحا من أسلمة الثورة السورية، وعبّر في مناسبات عدّة عن توجّسه من الظلاميّة التي قد تهدّد مستقبل حراك يخرج شبابه من المساجد.. كان يمكن لهذه المبرّرات أن تُستقبل بقدر أقلّ من السخط الشعبي في ما لو كان صاحبها، الذي يعتبر نفسه تنويريّاً في مواجهة الظلامية الإسلامية المحتملة، يتعامل بمكاييل موحّدة مع ثورات شعبية مماثلة لم تكن نزعة الأسلمة فيها أقل عن تلك التي أظهرها الحراك السوري.. هذا الاختلال في المعايير دفع المؤيدين للثورة لاتهامه بالانحياز الطائفي، وهو أمر غير مستبعد، في حين أنّ سوء فهمه وعدم متابعته للأحداث التي رافقت بدايات وإرهاصات الثورة الإيرانية احتمال وارد أيضاً.
وللأمانة، أقول إنّ سوء الفهم لم يكن حكراً على أدونيس وحسب، بل إنّ كثيراً من المتابعين قُدمت إليهم أحداث تلك الثورة بطريقة أقرب ما تكون إلى الثورة السلميّة المثالية، التي لا تحتوي سوى مشاهد المتظاهرين العزّل وهم يضعون الزهور في فوهات البنادق الموجّهة إلى صدورهم العارية.. ولكنّ الحقيقة ليست كذلك، أو على الأقل قد لا يكون هذا إلّا مشهداً قصيراً من صورة أعمّ و أكبر، هي صورة الحقيقة التي تتضمّن مشاهد أخرى قد تعكّر هذه الصورة الرومانسيّة. ففي إرهاصات الثورة نجد أنّ الجانب المسلّح كان حاضراً بشقّيه الإسلامي والعلماني، ففي بداية السبعينيات قام عدد من الإسلاميين الشباب بتشكيل منظمة مجاهدي خلق «مجاهدي الشعب» في حين قام عدد من الحزبيّين المنتمين إلى الأحزاب الوطنية العلمانية القديمة بتشكيل منظمة فدائيّي خلق «فدائيي الشعب»، وقد نفّذت المنظمتان خلال سنوات ما قبل الثورة عمليات مسلحة عديدة، من اغتيال وتفجير ومحاولات اختطاف لأشخاص بارزين في الدولة.. فالعنف والتسليح كانا حاضرين إذن في مرحلة مبكّرة وقبل أن يتحوّل الحراك إلى ثورة عارمة، بالإضافة إلى ما يروّج عن سلميّة الثورة الإيرانيّة فإنّ ثمّة اعتقادا عند كثير من العلمانيّين بأنّ التطرّف والإرهاب هما صناعة تختصّ بهما الأصولية السنيّة فحسب، ولكنّ التاريخ الإيراني يدحض هذا الادّعاء، فأولى الجماعات الأصولية المتطرّفة في العالم الإسلامي كانت منظمة «فدائيي الإسلام» التي مارست القتل بوحشية ضدّ من وجّهت لهم تهمة الزندقة من خصومها، حيث قامت في عام 1946 بتقطيع المؤرخ أحمد كسروي بفأس بسبب تأليفه كتاباً ينتقد التشيّع! وقامت في عام 1949 باغتيال رئيس الوزراء بتهمة البهائيّة، ثمّ حاول أنصارها في وقت لاحق اغتيال رئيس الوزراء مصدّق لرفضه تطبيق الشريعة..
أمّا عن الشعارات والطروحات الثقافية التي حملتها الثورة الخمينيّة إلى إيران إبّان الإطاحة بالشاه فلم تكن أفضل حالاً من الشعارات الظلاميّة لبعض الجماعات الإسلاميّة في سوريا اليوم، التي يخشى منها أدونيس ورفاقه من التنويريّين المعجبين بثورة الخميني، بل إنّ شعارات الخميني تحوّلت إلى واقع تمّ تدعيمه بالأنظمة والقوانين اللازمة، وكثير من هذه الأنظمة كانت تعتبر نكوصاً حقيقياً عن بعض المكتسبات الإيجابية لعصر الشاه، فقد قام الخميني بإبطال قانون حماية الأسرة، وخفض سنّ زواج الفتيات إلى 13 عاما بعد أن كان 16 في عصر الشاه، وسمح للأزواج بتطليق زوجاتهم من دون تصريح من المحكمة (الأمر الذي كان غير مقبول في نظام الشاه) وتم تجريد النساء من حقوقهنّ القضائية، وأزيح المدرسون العلمانيون من النظام التعليمي، وفصل البهائيون من المناصب الحكومية، وأغلقت معابدهم وأعدم قادتهم، ومنع الرجال من ارتداء ربطات عنق، وفرض على النساء ارتداء الحجاب أو الشادور، كما فرضت رقابة صارمة على الصحف والكتب، وأزيلت صور العلمانيين من المناهج التعليميّة.. وعلت أصوات أكثر تطرفاً تدعو إلى أسلمة إيران بالمطلق، وإزالة النوروز من التقويم الرسمي، وتحويل الآثار القديمة إلى مبولة عموميّة.
ليس المقصود من هذا السرد التاريخي شيطنة الثورة الإيرانيّة، فهي في نهاية المطاف ثورة شعب عانى الكثير من الاضطهاد وحلم بالتغيير والانتقال إلى واقع أفضل، لكن القصد من ذلك إعادة تذكير أدونيس «والأدونيسيّين» بأنّ ثورة السوريّين هي أيضاً ثورة شعب تستحقّ أن ينظر إليها بقليل من العدل والتضامن، على الرغم من كلّ الأخطاء الحاصلة فيها، مع التشديد على أنّ الثورة الإيرانيّة لم تتعرض لجزء يسير من التدخلات الخارجية التي عانى منها السوريّون..
لا أشكّ أيضاً بأنّ إيران ما بعد الثورة قد تغيّرت كثيراً عن إيران الثورة، فبعد أن صقلتها الحروب والصراعات الإقليمية أصبحت إيران مع مرور الوقت لاعباً إقليمياً أساسياً، واستطاعت أن تنسج شبكة من المصالح الإقليمية التي تضمن لها مقعداً دائماً على طاولة أي مفاوضات تخصّ المنطقة.. فكيف سنستطيع إقناع التنظيمات الأصولية السنيّة بأنّ مشروعها لا يحمل أفقاً مستقبلياً، أو أنّه سيواجه بالرفض من أنظمة العالم طالما أنّ المشروع الخميني الإيراني ماثل أمامها بعد كل المقدمات التي ذكرناها؟
ربما يتوجّب هنا على إخواننا العلمانيين «الأدونيسيّين على وجه الخصوص» توجيه اللوم إلى الغرب «الديمقراطي» الذي ناقض جلّ تصريحاته ومبادئه، ثمّ قبل بالخمينية شريكاً في النظام العالمي الجديد.

كاتب سوري

عماد العبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نهى عبد الكريم:

    الثورة السورية تستحق كل التقدير لانها الثورة التي دفع السوريون الثمن الاغلى في تاريخ الثورات في التاريخ المعاصر ، لقد بدأت سلمية وشعاراتها سلمية محترمة ولكن من أصر على عسكرتها هو النظام وحلفاءه الاقليميين والدوليين ، الذين حاولا شيطنة الثورة في نهاية المطاف عبر صناعات مخابراتية كداعش وغيرها لغرض تشويه الثورة السورية التي تأبى الا ا، يبقى نورها متوج رغم المؤامرات الدولية والاقليمية ، وبالنسبة لأدونيس فقد سقط من أول الدرس في فصول الثورة السورية ولم يتمكن من إخفاء قناعه المذهبي في تقييم الثورات ولا سيما ثورة شعبه السوري الذي كسر حاجز الحوف ومازال يناضل من أجل الحرية والكرامة

  2. يقول حي يقظان:

    (1)

    الأخ عماد،

    تناقض ونفاق الغرب «الديمقراطي» (وخصوصًا أمريكا) لا يتجلى في قبوله بالخمينية شريكًا في النظام العالمي الجديد، كما جاء في نهاية مقالك – هذا القبول ليس سوى ذريعةٍ إستيراتيجية براغماتية من ذرائع أمريكا التي تصنِّعها في الخفاء. تذكر أن وكالة الاستخبارات المركزية عمدت في سنة 1953 إلى الإطاحة بحكومة إيران المنتخَبة ديمقراطيًّا، آنئذٍ، وإلى استبدالها بنظام الشاه الدكتاتوري بين عشية وضحاها. تذكر أيضًا أن هذا الدكتاتور المستبد هو الذي صنَّعته أمريكا ونصَّبته شاهًا على إيران وقدَّمت له كلَّ الدعم اللازم لكي يؤدي دوره المعيَّن، على الرغم من أن سجلَّه فيما يخص حقوق الإنسان كان من أسوأ سجلات تلك الحقبة على الإطلاق. وما إن أطاحت الثورة الإيرانية بهذا الشاه سنة 1979، حتى تحوَّل الدعم الأمريكي إلى الدكتاتور المستبد الآخر في المنطقة، صدام حسين، الذي لا يقلُّ سجلُّه فيما يخص حقوق الإنسان سوءًا على سجلِّ سابقه. وكان لصدام حسين دوره المعيَّن، هو الآخر، فقد ازداد الدعم الأمريكي له أضعافًا مضاعفة إبان حربه المرسومة على إيران. ومنذ ذلك الحين، وتحديدًا منذ أيام الثورة الإيرانية، وأمريكا تفرض شتى أنواع العقوبات الاقتصادية على إيران بغية إضعافها وإنهاكها اقتصاديًّا، أولاً. وما الغاية من العمليات العسكرية الكبيرة التي قامت بها أمريكا في الدول المجاورة والمتاخمة حتى هذا اليوم سوى زعزعة المنطقة المحيطة بإيران من أجل تهديد أمنها واستقرارها، ثانيًا.

    هكذا، إذن، يتجلى التناقض والنفاق لدى الغرب «الديمقراطي»، وعلى رأسه أمريكا. فإيران لا تزال العدوَّ الأكبر (أو «الشيطانَ الأعظم» في التعبير السياسي الدارج) فوق كل شيء. والاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني إنما هي، كما قلتُ في البداية، ذريعةٌ إستيراتيجية براغماتية تمَّ اللجوءُ إليها لمنع إيران من حيازة أيٍّ من المواد اللازمة لتصنيع الأسلحة النووية، على الأقل لمدة جيل كامل، ولردع كافة الجهود والمساعي التي يمكن لإيران أن تبذلها من وراء الكواليس بغية التسليح النووي.

  3. يقول حي يقظان:

    (2)

    الأخ عماد،

    لنرجع إلى أدونيس، بيت القصيد هنا، فلا أظن بأنه سوف يستجيب لرغباتكَ من قريبٍ أو بعيد. ولئن كان أزلامُ النظام الأسدي المافْيَوي الطائفي المجرم قد أثبتوا لاإنسانيَّتَهم إثباتًا مباشرًا منذ قيام الثورة الشعبية في سوريا، فإن أدونيس و«الأدونيسيّين» قد أثبتوا هذه اللاإنسانيَّةَ إثباتًا غيرَ مباشرٍ بما كانوا، وما زالوا، يستخدمونه من أساليبَ مواربةٍ ومراوغة. وببساطةٍ شديدة، كان هذا «الشاعر الكوني» يريد من الشعب السوري أن يقوم بمظاهراته السلمية «العلمانية» مبتسمًا تحت دوي براميل هذا النظام الوحشي، ووابل سمومه الكيميائية، وأسراب طائراته الحربية، ودون أن يأبه لأيٍّ من أسلحة الموت والدمار هذه. وما إن هاجر في البدء ثلث الشعب بسببٍ من هذا الموت ومن هذا الدمار اليوميَّيْن، حتى سقطت منه صفة الثورية في نظر هذا «الشاعر الكوني»، كما قال في حوار مع جريدة «السفير» اللبنانية بكل صفاقة: «في سوريا مثلاً، فإن ثلث الشعب هاجر. لا يوجد شعب في العالم يهاجر ونستمرُّ في تسميته بأنه شعب ثوري».

    مشكلة هذا «الشاعر الكوني» الكبرى، من طرفٍ، هي أنه حين يتحدث عن الإسلام الجهادي المتطرف كتنظيم «داعش»، فإن منطقه لا يختلف عن منطق السرديات الكبرى في الغرب «الديمقراطي»، وبالأخصّ حين تركِّز هذه السرديات على الإرهاب الوحشي الذي يمارسه هذا الإسلام، وعلى كيفية محاربة هذا الإرهاب والقضاء عليه، أولاً وآخرًا، بينما تتغافل كل التغافل عن الإرهاب الأشدِّ وحشيةً الذي يمارسه النظام الأسدي المافيوي الطائفي المجرم، وبالتواطؤ مع أحلافه الإيرانيين والروس والميليشياويين، ضدَّ الشعب السوري الأعزل – وهذا هو النفاق السياسيُّ الآخر الذي ليس بعدهُ نفاق.

    ومشكلة هذا «الشاعر الكوني» الكبرى، من طرفٍ آخر، إنما هي تَمَنْطُقُهُ بمنطق السياسيين عندما يحشر أنفَهُ في القضايا السياسية الراهنة، وخاصَّةً القضايا المصيرية منها. ولكن، ويا للعجب، يبدو أنه، في حواره الأخير مع جريدة «الباييس» الإسبانية، قد انسحب مُكْرَهًا من هذا المنطق حينما قال عن مصير الشباب العرب المهمَّشين في الضواحي والأرباض الفرنسية: «إنه ليس لديه الجواب على ذلك، فهو ليس سياسيًّا».

  4. يقول حي يقظان:

    (3)

    الأخ عماد،

    وتأكيدًا على ما قلتُه في القسم الأول من مقالي، انظر خبر المقال الأخير «قائد الحرس الثوري الإيراني: الاتفاق النووي ليس مدعاة للفخر» الذي صدر في هذه الصحيفة منذ لحظات.

  5. يقول رضا:

    العالم كله كان منبهرا بالثورة الايرانية في وقتها،،أما الايران وبعد أن رأينا النتائج الوخيمة فالعالم كله لا يرى أملا في “ثورات”تخرج من المساجد لتعيد عجلة. التاريخ الى الوراء..

  6. يقول رضا:

    تصحيح:
    العالم كله كان منبهرا بالثورة الايرانية في وقتها ،أما الآن وقد رأينا النتائج الوخيمة،فالعالم لم يعد يرى أملا في “ثورات” تخرج من المساجد لتعيد عجلة الزمن إلى الوراء

  7. يقول حسين لطيف:

    ادونیس ٲيد الثورة الايراني في السنة 1979 وليست الدولة التي قامت بٳنشائها اية الله خميني. الثورة الايرانية جذبت انتباه واعجاب ا فیلسوف الفرنسي ميشال فوكو ايضاً وكتب التقاريري وقالت كثيرة عنه انذك….
    ادونيس قدم ايضاحات كثيرة عن موقفه في عدة مقابلات التلفزيونية. في مقابلة مع الاعلامي یاسر العماري ، رد علی سؤال عن تايده لثورة الايراني، فقال: ( العرب لايقراء ، لانه كتبت مقالة بعنوان فقيه العسكري لایيتحدث اد عن المقالتي ،اوضحت موقفي عن الثورة وقیام الدولج الدينية). کانت الثورة الايرانية ثورة غير دموية ، ولكن مايسمی بالثورة السورية او (الربيع العربي) هدرت دم و جابت المٲساة شعب السوري ، مايسمی بالربيع العربي ليست ثورة في ذاتها بل انها انتجت وكررت مٲسا ضد الشعب اكثر مما مارستا اللاستبدا النظام.

اشترك في قائمتنا البريدية