فضائيات ناطقة بالعربية تتفوق… تلفزيون الأردن مشغول بتنسيق الزهور متناسيا التصحر … و«زغرودة» حلوة لسيف الإسلام القذافي

 

ليس هنالك أي سر في تفوق قنوات ناطقة بالعربية، لكنها لا تتبع أي جهة عربية على نظيراتها من الفضائيات العربية، التي تتبع أو تحمل أجندات أنظمة رسمية أو تيارات في العالم العربي.
الأحد الماضي، كانت طلة الصحافي المصري المعروف إبراهيم عيسى على قناة «الحرة» من واشنطن، في برنامجه الجديد «مختلف عليه» وفي الحلقة كان المحتوى رفيع المستوى من حيث الطرح والحوار من المقدم المشهور بجرأته، أو من ضيوفه الذين وجدوا منصة يطلقون آراءهم عليها.
المختلف عليه في حلقة إبراهيم عيسى هو في الحقيقة متفق عليه لمن يملك منطق العقل، والرجل في برنامجه استطاع الارتفاع بسقف الأسئلة التي تقلق العالم العربي والإسلامي، دون ابتذال ولا إسفاف.
الحاضن كان قناة «الحرة»… وهذا مهم ليحلق الإعلامي في فضاءات الممنوع في عالم عربي كل شيء فيه صار ممنوعا تقريبا.
في قناة «دوتشة فيله»، يحضر الإعلامي اللبناني الجريء جعفر عبدالكريم مرة أخرى في برنامجه «شباب توك» ليطرح حلقة تقرأ في التصرف الغريب والتسلقي لمذيع مصري طرد أحد ضيوفه من الشباب، لأنه أعلن إلحاده، رغم أن الشاب مدعو للحديث عن الإلحاد من قبل البرنامج نفسه، لتظهر القصة كأن الشاب تمت دعوته ليتم طرده بطريقة مسرحية يقدم فيها المذيع المتسلق ذو الصوت العالي أوراق اعتماده لجمهوره من الغوغاء.
قناة «دوتشة فيله» كانت حاضنا لينطلق منه جعفر عبدالكريم في حلقته، التي حاولت قبل كل شيء أن تعيد للإعلام المستقل بعض الاعتبار، حين استضافت الشاب المطرود، والمذيع ذو الصوت المرتفع، وضيف مصري أزهري جمع كل التناقضات في حديثه لمحاصرة الشاب وفك الحصار عن المذيع بلا محتوى.

«بي بي سي» وبرامج الاستقصاء

لكن، «بي بي سي»، وهي رائدة الإعلام الموجه باللغة العربية والأعرق تاريخيا، كانت في الصدارة عبر حلقة وثائقية تسجيلية أنتجتها من خلال الإعلامي الباحث المتخصص فيها مراد بطل الشيشاني، من سلسلة حلقات «عن قرب» في حلقة استقصائية بامتياز، قدم فيها مراد بطل نموذجا للصحافة الحرة والمسؤولة ومثالا لصحافة الاستقصاء التي يفقتدها عالمنا العربي.
في الحلقة، التي كان واضحا أن حجم الإنتاج فيها ضخم، يسافر مراد بطل إلى مواقع الحدث حول العالم، ويشغل مصادره الصحافية بنشاط ليربط بين موسكو ومجموعة اغتيالات لمناهضين لحكم الرئيس بوتين من مواطنين روس أقاموا في تركيا.
كان العمل صحافيا ودراميا بامتياز، وجهد فريق محترف يعرف قيمة عمله، وهذا لم يكن ليكون لولا وجود حاضنة بحجم «بي بي سي».
السؤال، لماذا لا نجد هذا السقف من الحرية المسؤولة عموما في فضائنا العربي، اللهم ما عدا «الجزيرة»، رغم البذخ في إنتاج الترفيه لديه.
الجواب ببساطة: لأنه محكوم لأجندات ولاة الأمر… فقط لا غير.

عودة ابن الزعيم إلى صباه

لكن يتحفنا العالم العربي نفسه بكوميديا لا ينتجها إلا هذا العالم، كوميديا سوداء إنتاجها باهظ التكاليف مدفوع بدم شعوبه المهدورة مجانا على مذابح السلطة.
آخر حلقات الكوميديا في عالم الواقع العربي هو إعلان سيف الإسلام القذافي ترشيح نفسه للإنتخابات في ليبيا، كأن الربيع العربي ما كان إلا إعادة تدوير لنفايات السلطة التي تستبد حد رجوعها من الموت.
أنت لا تحتاج إلى مؤلف ومخرج وكاميرات وستوديو لإنتاج مثل تلك الكوميديا، يكفيك نشرة أخبار عربية كل حين لتكتشف حجم الإنتاج الخرافي في مسرح العبث الواقعي العربي.
في الغوطة أو عفرين، في مصراتة او سرت او في بغداد حتى أربيل، هناك محتوى عبثي يكفيك لتنقلب على ظهرك ضحكا حد التمزق وجعا.
سيف الإسلام القذافي، يرشح نفسه، ولن نتفاجأ إذا نجح في الانتخابات الغريبة التي حتى الآن لم يتفق الليبيون على شكلها أو حتى على دستور ينظم حياتهم فيها، فيعود القذافي من خلال ابنه المدان بالقانون الدولي كمجرم حرب ولم يصدر بحقه عفو لا ليبي ولا دولي.
ذلك هو عرضنا الترفيهي للعالم، يدفع ثمنه جمهورنا المحلي والمشارك ككومبارس وحلال على المخرج.

زهور في صحراء قاحلة

أستغرب من فضائيات الأردن الثلاث (الأردني – رؤيا – الأردن اليوم) وقد انشغلت فرق الإعداد لديها إما بتنسيق الزهور أو بطبخة جديدة أو بضيف رسمي ثقيل الدم والحضور وأغفلوا مشاريع ريادية في الأردن، يقوم بها أشخاص نراهم عاديين، لكنهم استثنائيون بما يؤمنون به من قيم.
آخر ما نتابعه في وسائل التواصل الاجتماعي، هو المشروع الذي كانت عرابته سيدة الغابات الأردنية المحامية أمل العمري، مشروع «القينوسي»، الذي يهدف إلى تشجير وزرع الغابات وانتشارها وقد بدأ في مساحة في شمال الأردن، وبدأ يكبر وينمو حتى صار يأخذ ملامحه الخضراء في وطن يعاني من التصحر.
ما تقوم به السيدة أمل وفريقها التطوعي يوازي جهد وزير الزراعة بكامل كادره الوظيفي.
مقاومة الصحراء لها أهميتها مثل مقاومة الأمية والفقر والإرهاب… ربما لو قاومنا الصحراء لاستطعنا حل لغز فشلنا في أشكال المقاومة الأخرى.
ماذا لو تعاونت الفضائيات بلا تنافس، في يوم بث مشترك من مشروع القينوسي نفسه، في برنامج على الهواء يلقي الإضاءات المناسبة لمثل تلك الريادات المبتكرة؟
طبعا، اليوم عيد اللأم، وهو يوم الانقلاب الربيعي في السنة، وسنجد في الفضائيات ما تكرره كل عام من برامج تبحث عن الأم المثالية وقصص مأساوية تجهد لتسول دمعة المتفرج.
الأم المثالية ربما هي تلك التي ثكلت في أحد أبنائها في حروبنا «الداحسية»، فتحيتنا الحقيقية لهؤلاء العظيمات لا يكون إلا بوقف النزف، وإنقاذ قلوب كثيرة لأمهات من وجع الفقد.
كل عام والأمهات عليهن السلام.

إعلامي أردني يقيم في بروكسل

فضائيات ناطقة بالعربية تتفوق… تلفزيون الأردن مشغول بتنسيق الزهور متناسيا التصحر … و«زغرودة» حلوة لسيف الإسلام القذافي

مالك العثامنة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول WAELSUGHAYER JORDAN:

    استاذي الفاضل..
    كيف بربك تطلب من فضائياتنا العربية ان تبدع و مقص الرقيب المخابراتي يقف لها بالمرصاد..
    فنقلها للحقيقة المرة في واقعنا العربي لن يكون الا كالتوقيع على قرار اغلاقها، وانت كإعلامي مخضرم تعرف هذا الشيئ افضل مني..

  2. يقول مسافر في بلاد الله usa:

    السيد مالك العثامنه …مقال في الصميم وهذا ما يتسائل به كل عربي حر لماذا ينفقون اولا ينفقون الغالي والنفيس لتنبله الامه في بلاد العرب اوطاني؟. وعندما قرأت مقالك القيم عرفت انك من حمائمه الدوح ومسافر في بلاد الله ومغترب. وهذه الخلجات لماذا لم ؟ تأن في قلب كل عربي حر شريف، لك مني انا المغترب كل التحيه.

  3. يقول شادي / القدس:

    يا ثورة ما تمت …. سيف الاسلام القدافي واحمد علي عبد الله صالح و جمال و علاء مبارك بريئين ويتسكعون احرارا و مبارك نفسه حرا وتلميده السيسي رئيسا و الرئيس الشرعي في السجن …. و كله بفضل الامارات …. عودوا الى مقاعدكم … رفعت الثورة ….

  4. يقول مواطن مطلع:

    المحطات الاعلاميه الأردنيه والمواقع الالكترونية أصبحت عباره عن محطات وفروع للمخابرات فكيف الإبداع والتطور اذا ؟

  5. يقول مسعود بومعزة الجزاير:

    لم ولن تنجح الثورات المضادة للربيع العربي انها قضية وقت فقط وستنهض الشعوب مرة اخرى والويل لمن يقف في وجهها

اشترك في قائمتنا البريدية