الناصرة – «القدس العربي»: 44 عاما مضت على حرب 1973 وما زالت تتكشف تفاصيل جديدة لا تقتصر على القتل والدمار فحسب، بل تلك المرتبطة بعمليات سلب ونهب طالت أعمالا فنية أيضا. بعد أربعة عقود ونيف يبدو أن ضمير جندي إسرائيلي، استيقظ ودفعه ليبحث اليوم عن طريقة لإعادة لوحتين فنيتّين سرقهما من أحد بيوت مدينة الإسماعيلية خلال الحرب في سيناء. هذا ما يستدل من معرض فنّي لفنانة تشكيلية إسرائيلية بعنوان «قناة المياه العذبة» شمل اللوحتين المسروقتين وأغراضا أخرى وأعمالا تشكيلية من نتاجها هي بوحي «قصة الجندي» إياه، الذي صار معلمها في كلية الفنون ورواها على مسامعها.
لوحة «قناة المياه العذبة»، للفنانة هيلي غرينفيلد جاءت بعدما فوجئ معلمها المذكور من التشابه بين أعمالها ولوحات الرسام المصري التي احتفظ بها منذ 1973. كشف لها أستاذها عن هذه التحف، مما قادها للبحث عن العلاقات الثقافية والفنية بين إسرائيل وبين محيطها العربي وبروح نقدية مناهضة لتوجهاتها الاستعمارية. والحديث يدور عن لوحتين فنيتين الأولى دمية لحمار والثانية فنجان قهوة وتُمثلان سويا شخصية الفنان المصري، الغامضة والغريبة.
وتحيي غرينفيلد من خلال هذا المعرض، الفنان المصري مجهول الهوية، وإلى جانب عرض أعماله الأصلية المنهوبة، أعادت إحياء طاولته، وتحف شبيهة بتلك التي امتلكها، تحف هجينة، اعتمدت الفنانة في إعادة بنائها على غنائم الحرب التي أخذها الجندي، بالإضافة إلى سلع استهلاكية « مصرية « تم شراؤها في محل لبيع التحف التذكارية في المتحف البريطاني.
يلعب العمل التشكيلي دور «راوي قصة»، ليواجه الروايات التاريخية الأخرى، ويتعامل مع القصة الشخصية لنهب الرسومات كوسيلة لطرح أسئلة حول العلاقات الثقافية بين إسرائيل وجاراتها.
قناة المياه العذبة
وتكتب غرينفيلد في كاتالوجغ معرضها باللغات المختلفة أنه خلال حرب 1973 خرج جندي إسرائيلي ليتجوّل على ضفاف قناة المياه العذبة، قرب بساتين المانغو. موضحة أن البيوت في منطقة القناة كانت مهجورة، وربما أنها كانت كذلك منذ حرب الاستنزاف. وحسب «القصة» وجد الجندي الإسرائيلي لدى دخوله أحد المنازل في مدينة الإسماعيلية بعض الأغراض على طاولة: رسمتان، دمية صغيرة لحمار وفنجان قهوة. وجاء في الكاتالوغ أيضا أنه أعجب بهذه الأغراض ورغبة منه بإنقاذها من الدمار كما يدعي وخلافا لأوامر الجيش التي تحظر نهب ممتلكات المدنيين، حملها معه عند عودته الى البلاد، كتذكار للحرب، ولاحقا أصبح رساما شهيرا وأستاذ فن في الأكاديمية الإسرائيلية، تتلمذت هيلي غرينفيلد على يديه قبل بضع سنوات.
أستاذ الفنون الذي بقي محجوب الهوية عندما رأى أعمالها ولاحظ أسلوبها الفني تذكر الأغراض التي سرقها، وكشف لها عن التذكار والرسومات. وتتابع الفنانة في الكاتالوغ «كانت هذه أول مرة يُذكر فيها فنان من دولة مجاورة كمرجعية فنيّة، مما أظهر لها هشاشة العلاقات الثقافية بين إسرائيل وجاراتها». كما توضح غرينفلد أن معرضها « قناة المياه العذبة « ولد من المعلومات التي حصلت عليها غرينفيلد، ومن ردة فعله حول غرابة وجود علاقة تربط فنها برسام مصري. وتقول إن المرجعية كانت استثنائية، نظرا لأن دراسة الفنّ في إسرائيل تعتمد على نظريات غربية، ونادرا ما تُشير إلى فنانين ومبدعين عرب. موضحة أن النظرة الإسرائيلية، المُوجهة للغرب، تتعامى عن ثراء الثقافات الإسلامية المجاورة، وتُنتج وعيا زائفا عن وجود جزيرة أو واحة غربية في الشرق الأوسط. وتؤكد أن الاهتمام بالثقافة العربية والإسلامية ينحصر إلى حد بعيد بدراسات الاستشراق والإرهاب، وهذه ليست جزءا من الخطاب الثقافي السائد،
هذا على الرغم، من أن إسرائيليين كُثرا، ينحدرون من أصول عربية، ويشكل العرب 20% من السكان في إسرائيل، وهي تقع في الشرق وليس في الغرب.
غرينفيلد التي تغرد خارج السرب الإسرائيلي تبدي موقفا مناهضا لتوجهات ونفاق الغرب أيضا، فتقول إن الفنّ المصري القديم يتصدر كتب تاريخ الفنّ الغربي، ويُدرّس باعتباره واحدا من أقدم وأغنى الثقافات في تاريخ البشرية. وتشدد على أن استيلاء الغرب على ثقافة مصر القديمة هو إحدى الوسائل السياسية والاستشراقية، المُستخدمة منذ القرن السادس عشر والمتصاعدة منذ حملة نابليون بونابرت على الشرق. ولا تتردد بالقول إن كتب تاريخ الفن، والتي تسرد تطوّر الفن الغربي بشكل طولي، لا تولي أهمية للثقافة القديمة فحسب، وإنما تقوم بالاستيلاء على ثراء مصر القديمة وعظمتها الثقافية، واتباعها للفنّ الغربي، وكأنه مصدر تطورها. كما ترفض تبريرات معلمها سارق اللوحتين ومزاعمه بأنه فعل ما فعل مدفوعا بسحر الرسومات والأشياء التي وجدها، ورغبة منه بإنقاذها من الدمار. وتقول إنه استخدم المبررات ذاتها التي افترضها من برروا نهب الاستعمار لثروات الشعوب في المشرق. وردا على فعلته المثيرة للجدل، وعلى المرجعية التي حصلت عليها غرينفيلد، فقد حوّلت التشابه بين أعمالها وأعمال الفنان المصري إلى علاقة خيالية وحوار فني، يستند إلى فضول وارتباط إنساني مع مبدعين من منطقة الهلال الخصيب.
نافذة عرض
تُحفظ هذه الأغراض المسروقة الى جانب أعمال الفنانة المستوحاة من سرقتها داخل نافذة عرض، وكأنها جزء من معرض في متحف إثنوغرافي حول مصر الحديثة. يُضفي العرض المتحفي هالة من الأصالة والأهمية على الأغراض التي تعود للرسام المصري، وتُحدِّد مكانتها بشكل هرمي مع الأغراض التي صنعتها غرينفيلد، والموضوعة بأُلفة في المعرض على وسائل عرض بيتية.
استخدام وسائل عرض متحفية لا يُسلط الضوء فحسب على أهمية الأغراض التي سُرقت كمصادر أصلية، وإنما ايضا يُشكِّل وسيلة مجازية لوضعها إلى جانب القطع الأثرية التي نُهبت من مصر القديمة، والمحفوظة في نوافذ عرض زجاجية في متاحف أوروبية.
المتحف البريطاني، موتيف متكرر بعمل غرينفيلد، وهو برأيها هي أيضا مثال واضح لمؤسسة تتباهى بامتلاكها لمجموعة هائلة من الكنوز القديمة من مختلف أنحاء العالم، وتتباهى أيضا بتقنيات الحفظ المتقدمة التي طورتها، وبإتاحتها المعلومات للمواطنين من العالم كله. وتتابع «ما زال المتحف مصدر فخر للمملكة إلى يومنا هذا، رغم أن غالبية مجموعته وصلت الى بريطانيا خلال فترة الاستعمار. متحف كهذا، الذي يُمثِّل درجة من التنظيم، هو في واقع الأمر مخل بالنظام، من وجهة نظر أخرى من خلال حرف الخطاب عن مساره، والكشف عن الحقائق التاريخية التي تخص المعروضات فيه – من أين أتت، وعمرها واستعمالاتها الأصلية، يحاول المتحف التعتيم على عنف الاستيلاء الثقافي».
وتؤكد الفنانة الإسرائيلية أنه منذ انتهاء الفترة الاستعمارية، فإن هيمنة الغرب ما زالت مُستمرة، ومتاحف، كالمتحف البريطاني، ترفض إعادة الكنوز المنهوبة إلى أصحابها الأصليين خوفا من المخاطر المحدقة بها هناك. وتنبه بتوجهاتها الليبرالية أن نهب التحف والكنوز لا ينحصر على الأفعال المادية فحسب، بل يشمل أيضا إخضاع ثقافة ما للثقافة السائدة، مؤكدة أن عملية النهب تعكس علاقات القوة، ورغم ذلك، فبإمكانها أن تُشكِّل خطوة فردية باتجاه شحن الأغراض بذاكرة. بهذا المعنى، فإن فعل السرقة الذي أتى عليه الجندي الإسرائيلي، يختلف عن أعمال السرقة المنهجية التي تطال كنوز الشعوب.
وديع عواودة:
كلما اتجول في متحف اللوفر او المتحف البريطاني اصاب بخيبة امل وعصة في القلب عندما اجد كل تحفنا الثمينة معروضة فيهما وخاصة المصريات لقد امتلأ بكل التحف الفنية من بلادنا التي سرقوها ابان فترة الاستعمار،
هولاء الاوغاد المجرمين سرقوا وطن وشعب باكمله وهذه اكبر جريمه في التاريخ الحديث والقديم والان بدو يرجع فنجان وحمار وانا بقول لا بدنا الفنجان ولا الحمار خليهم اثبات ودليل على جريمته لحين محاكمته هو وبني جلدته