يُعتبر الفوز بانتخابات رئاسية أو برلمانية عادية بنسبة 51.5 بالمئة فوزاً معقولاً، إذا كانت الانتخابات المذكورة نزيهة يعترف الخاسرون المعلَنون بشرعيتها. وهذا ما جرى لمّا فاز حزب العدالة والتنمية التركي بانتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 بحصوله على 49.5 بالمئة من الأصوات، بصرف النظر عن أن هذه النتيجة جاءت بعد حملة مسعورة خاضها زعيم الحزب، رجب طيب أردوغان، بلعبه على وتر التعصب القومي التركي وتحالفه مع أقصى اليمين القومي. كان ذلك من أجل التعويض عن خسارته للأكثرية البرلمانية في الانتخابات التي سبقت وجرت في حزيران/ يونيو من العام ذاته وحصل فيها الحزب الحاكم على أقل من 41 بالمئة من الأصوات، وقد أعيد إجراء الانتخابات بنتيجة العجز عن تشكيل حكومة ائتلافية.
لكنّ الأمر يختلف جذرياً هذه المرّة إذ يتعلّق بمشروع لتغيير مؤسسات البلاد بما يؤدي إلى منح الرئيس سلطات تتعدّى السلطات الدستورية لأمثال فلاديمير بوتين وعبد الفتّاح السيسي وتجعل من تركيا جمهورية سلطوية، بعد أن كان يُضرب المثل بها للتدليل على «إمكانية التوافق بين الإسلام والديمقراطية». بالتأكيد فإن هذه الطريقة الأخيرة في طرح الموضوع طريقة فاسدة «استشراقية»، إذ أن المسألة لا تكمن في ديانة الناس بل في الشروط السياسية والاجتماعية التي لا بدّ من توفّرها لإرساء الديمقراطية. إلّا أن انزلاق رجب طيب أردوغان المتزايد نحو الحكم الفردي السلطوي، الذي حاول حتى بعض أركان حزبه التصدّي له (ومنهم الرئيس السابق عبد الله غُل ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو)، هذا الانزلاق إذن سوف ينضاف حتماً إلى مآسينا العربية التي باتت لا تُحصى، ولا سيما انتكاسة «الربيع العربي» وما حمله من آمال في التغيير الديمقراطي، بحيث يُعزّز التصوير النمطي الاستشراقي للإسلام الذي يزعم تناقضه مع الديمقراطية وانسجامه مع الاستبداد، ذاك الذي كان يُسمّى في الغرب الأوروبي «الاستبداد الشرقي».
بيد أن حقيقة الأمر هي أن مشروع أردوغان السلطوي قد مُني بهزيمة في استفتاء يوم الأحد الماضي، إذ رفض قسم عظيم من الشعب التركي (إن لم يكن غالبيته) التخلّي عن النظام الديمقراطي الذي نعموا به منذ بداية القرن الواحد والعشرين. فإن مشروعاً يرمي إلى تركيز السلطات بين يدي رجل واحد، هو أردوغان (يسمح له التغيير الدستوري بالبقاء في الحكم حتى عام 2029)، يقتضي موافقة شعبية ضخمة على منح السلطة للزعيم المذكور كي يكون مقبولاً بوصفه شرعياً.
وهذا المقياس هو الذي يجعل بوتين رئيساً سلطوياً شرعياً من حيث أن أحداً لا يشكّ في أنه يحوز على شعبية ساحقة، حتى وإن كانت بعض الدلائل، ولا سيما تظاهرات المعارضة الأخيرة، تشير إلى بداية انفراط عقد تلك الشعبية.
أما الأغلبية التي حصل عليها أردوغان دعماً لمشروعه السلطوي فلا تفوق النصف سوى بقليل، بالرغم من خوضه حملة بشروط أبعد ما تكون عن العدالة الديمقراطية، مسخّراً إمكانيات الدولة لحملته بعد أن زجّ في السجون عدداً قياسياً عالمياً من الصحافيين.
وتعترض المعارضة على العملية الانتخابية مشيرةً إلى انتهاكات عديدة لنزاهتها بما يجعلها لا تعترف بشرعية التغيير الدستوري. يُضاف إلى ذلك ويفاقمه أن المليون ومئة و24 ألفاً من الأصوات التي تفوّق بها مشروع أردوغان على معارضيه أتاه ما يناهز ربعها من المهاجرين، لا سيما في أوروبا الغربية حيث حصل المشروع الدستوري على تأييد نسب من الناخبين الأتراك تراوحت بين 63 في المئة في ألمانيا و75 في المئة في بلجيكا. وهذا ما يفسّر الغاية من حملة التعصّب القومي الأرعن التي شنّها أردوغان على الحكومات الأوروبية مشبّهاً إياها بالفاشية والنازية دون أن يلتفت إلى أن سلوكه الشعبوي السلطوي أقرب بكثير إلى تقاليد الفاشية التاريخية من سلوك الحكومتين الألمانية والهولندية.
وحصيلة الأمر أن أردوغان سوف يستند في تغيير حكم بلاده إلى أغلبية 51.5 في المئة، وهي (لو افترضنا أنها حقيقية) نسبة محدودة جداً بالمقارنة مع الاستفتاءات الدستورية الأقل خطورة التي نظّمها سابقاً: 69 في المئة في استفتاء عام 2007 و58 في المئة في استفتاء عام 2010. هذا بينما رفض المشروع الدستوري عددٌ عظيم من الناخبين القاطنين في تركيا، يناهز 24 مليوناً، بمن فيهم حسب الأرقام الرسمية ذاتها أغلبية سكان المدن التركية الثلاث الكبرى، وهي إسطنبول وأنقرة وإزمير. ينضاف إلى ذلك ميل الاقتصاد التركي إلى الانحدار منذ ستّ سنوات الذي ينعكس في هبوط سعر صرف الليرة التركية (من 1.50 ليرة تركية للدولار الواحد في سنة 2011 إلى 3.70 ليرة في الأيام الأخيرة) على خلفية ارتهان وثيق للاقتصاد التركي بالسوق الأوروبية وبالاستثمارات الأوروبية يزيد من خطورة حملات أردوغان ضد الأوروبيين.
تُشير كل هذه الوقائع إلى أن تركيا تسير نحو الهاوية، يقودها إليها بخطى سريعة رجب طيب أردوغان. ولمّا كانت تركيا قد باتت إحدى الدول الرئيسية الفاعلة في ساحتنا العربية، ولا سيما في العراق وسوريا، فإن هذا الأفق يُنذر أيضاً بعواقب وخيمة علينا. وقد رأينا كيف تخلّى أردوغان عن المعارضة السورية في شرقي حلب لقاء ضوء أخضر من بوتين لتدخّل القوات التركية في شمال سوريا بغية قطع الطريق أمام القوات الكردية. وبإضعاف نفسه من خلال التشبّث بمشروع فرعوني مرفوض من قسم عظيم من شعبه، يمهّد أردوغان الطريق أمام مغامرات ومساومات أخرى على حساب شعوب تركيا وسائر المنطقة.
٭ كاتب وأكاديمي من لبنان
جلبير الأشقر
الأخ أردني.
العزل و ألفصل من العمل و التهميش للمعارضين تم بعد إنقلاب عسكري تعرضت له تركيا. صحيح قد يكون أردوجان إستغل الفرصه للخلاص من معارضيه، و صحيح أن إجراؤه للإستفتاء في ظل هذه الظروف محل تساؤل (و هو من ما كان سيجعلني من معارضيها لو كنت تركياً )، ولكن تجاهل أن إنقلاب عسكري تم فيه كثير من تسطيح الأمور. و بودي أن اري ردود الأفعال لو تم إنقلاب عسكري في فرنسا مثلاً التي تفرض حالة الطوارئ لمجرد إنفجار هنا أو هجوم هناك، أو في الولايات المتحده التي إستباحت تفتيش مؤخرات المشكوك فيهم في المطارات. ثانياً المقارنه مع إستفتاء خروج بريطانيا في محلها تماماً، فعواقب خروج بريطانيا السياسيه و الإقتصاديه من الإتحاد الأوروبي أفدح من إلغاء الملكيه و إقرار الجمهوريه هناك، و وصول ملياردير أرعن جاهل بالسياسه ذو نزعه يمينيه متطرفه إلي رئاسة أقوي دوله في العالم أخطر الآف المرات علي العالم قبل الولايات المتحده من توسع اردوجان في صلاحياته. ثالثاً، أنت تقول أن اغلبيه بفارق ١٫٥٪ غير كافيه لإقرار تغيير نظام الحكم، فما هي الأغلبيه المطلوبه أذن؟ ٦٥٪؟ ٧٥٪ ؟ و لماذا لا تكون ٩٥٪؟؟ اعتراضك علي نتيجه بهذه النسبه يذكرني -و اعتذر مقدماً عن التشبيه- بإعتراض التيار الفاشي المدعو ليبرالي علي نتائج الإنتخابات و الإستفتاء علي الدستور في العام اليتيم الذي شهدت مصر فيه ديموقراطيه. فكانوا يدللون علي رفضهيم للدستور بأن نسبة لموافقه لم تتجاوز ٦٢٪، و لا بد من ٧٥٪ علي الأقل،و لو جائت النسبه ٧٥٪ لقالوا لا بد من ٨٥٪ و هكذا.
نتيجة الاستفتاء توضح ان مشروع تغيير الدستور تم الاسراع فيه قبل ان يستفيق الشعب من حالة الاغماء بعد الانقلاب الفاشل
بعد الانقلاب ثارت حمية الشعب التركي ومشاعره الوطنية والسيد اردغان استغل الفرصة لينجح ما فشل فيه من سبقوه
تركيا تحت حزب العدالة والتنمية قطعت اشواطا كبيرة في مجالات التنمية المختلفة ولكن بقي الكثير لها ولاشك ان كلمة اردوغان كانت المسموعة دائما
كان بامكان اردوغان ان يتمهل بخطواته كما كان يتعامل مع نفوذ الجيش والقضاء-النظام الرئاسي كانت سيكون نتيجة اخيرة لدرب الاصلاحات الطويل الساياسية منها والاجتماعية- ولكنه الان بدء يثير الشك حتى عند بعض انصار حزبه وهذا نذير شر ان لم يستيقظ كبار الحزب الاخرين ويعيدوا الأمور الي نصابها
التعليقات جيدة ولكن هل فعلا كل من كتب تعليقا فهم تفاصيل وتأثير العديل على الحكم في تركيا وعلى دول الجوار؟ وهل يمكن توضيح النقاط المهمة التي تظمنها التعديل لكي نتفهم المعارضة الاوروبية التي بالمناسبة تعارض كل رأي من مسلم حتى لو كان علمانيا ملحدا في دخيلته وعلانيته.