هناك «آداب» للحضور التلفزيوني، وخرق تلك الآداب بات منذ فترة طويلة ظاهرة يتعمدها بعض النجوم والسياسيين والشخصيات العامة بل وحتى المغمورة للفت الانتباه وتحقيق حالة من الجدل – أياً كان نوعه – حولها.
يعني ببساطة، فإن البعض ممن لا يملكون شيئاً غير الضجيج، يرون أن الضجيج نفسه إبداع، ومن هؤلاء «السياسي» اللبناني غريب الأطوار وئام وهاب، الذي تصرف مع مراسلة قناة «إل بي سي» بعدم إحترام وهو في خضم تصريحاته العصبية المفهومة طبعا لفداحة خسارته في الانتخابات، وهي خسارة لم يتحملها عقل الرجل المسكين فبدأ بكيل الاتهامات وتعليق فشله على شماعات الآخرين وفي منتصف نزقه التلفزيوني حاولت المراسلة أن تعيده إلى الحوار المعقول فأشـاح عنها ودفعـها وقال لهـا «روحي من هـون»!!
تختلف أو تتفق مع «إل بي سي» فهذه قصة أخرى، لكن الإساءة للصحافيين باتت ظاهرة مزعجة، والمزعج والمقلق أكثر هو ملاحقة الصحافيين واعتقالهم بل وتعذيبهم في دول أخرى عربية نموذجها الأوضح في مصر، التي اختزل فيها التنوع الإعلامي بين لونين ، إما مع عسكر السلطة وهو لون واحد على تعدد فضائياته، أو مع تيار الإخوان المسلمين وهو كذلك لون واحد مع تعدد قنواته.
مؤلم أن يكون هناك إعلامي مصري ضد السلطة في مصر، ويقوم بعمله في تركيا مثلا، وهذا يعكس حجم الاستبداد الموجه ضد حرية الإعلام في مصر.
كلنا يتذكر الدكتور باسم يوسف، هذا الجراح المصري الذي بدأ برامج السخرية السياسية ونجح نجاحاً كبيراً ثم حجم الضغوط التي تعرض لها بعد ذلك حتى ترك مصر والعالم العربي، ونقارن حالته هو وجيل الساخرين العرب على التلفزيون بنظرائهم في المحطات الغربية والذين يسرحون ويمرحون في عالم التهكم والسخرية على رؤسائهم الغربيين بل ووصل الأمر ان السياسيين في بريطانيا أو الولايات المتحدة أنفسهم يشاركون في تلك البرامج.
في أهم وأقدم برامج السخرية الكوميدية في أمريكا، واسمه Saturday Night Live أتذكر حلقات منه كان الممثل يسخر من الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن، فيظهر على البرنامج الرئيس الأسبق جورج بوش الأب مشاركاً في العرض الساخر.
في عالمنا العربي السخرية كفن أو أدب ساخر هي غطالة لسان، أما طول اللسان في برامج الترفيه والمساخر فقد تحولت إلى إنتاجات ضخمة تحت مسمّى الترفيه.
قنوات اليوتيوب تتفوق
مرة أخرى تتفوق قنوات اليوتيوب «المشغولة باحتراف» على فضائيات متعوب عليها، خصوصا فضائيات الإعلام الرسمي.
الدكتور معن القطامين، السياسي والناشط الأردني، وهو مسؤول رفيع المستوى سابقاً في الدولة الأردنية، وأحد العقول النيرة في الاقتصاد والإدارة العامة يخرج بفيديو يحرج فيه الحكومة الأردنية بدءاً من رئيسها حتى أقل مستشار لا يستشار فيها، حيث كشف القطامين عن طلب رسمي قدمه للحكومة وضع فيه أسئلة رسمية تتعلق بالاقتصاد وخطة تحفيز الاقتصاد الحكومية، لتجيبه الحكومة رسميا بكتاب ممهور بتوقيع رئيس الوزراء أن لا مصلحة للقطامين بالطلب، وأن الحكومة تعتذر عن إجابته، ليكشف الدكتور بذكاء أنه سأل نفس الأسئلة على موقع الحكومة الإلكتروني حيث تلقى إجابات (عامة وساذجة)، مما يكشف ان رد الحكومة الرسمي على طلبه ليس أكثر من استعلاء «رسمي» على السيد المواطن أياً كان.
طبعا، لو كانت هناك دولة مؤسسات وقانون والفصل بين السلطات فيها قائم بفعالية لكنت اقترحت ان يتم تحويل فيديوهات الدكتور القطامين إلى برنامج أسبوعي على شاشة تلفزيون الدولة الوطني، لكن ولأسباب أعرفها ويعرفها الجميع فإن تلك الشاشة مرتهنة لدى الحكومة ولم تعد شاشة دولة رغم كل الجهود المخلصة لإدارتها بتحقيق أقصى ما يمكن من الاستقلالية.
على كل حال، قناة اليوتيوب للدكتور القطامين تحقق مشاهدات أكثر بكثير جداً من مجموع مشاهدات المحطات الأردنية جميعها.
ضحالة المنسوب الثقافي
(..نظرة استعراضية للبث الفضائي العربي نلحظ الفقر المدقع بل إنعدام وجود الثقافي والفكر الجاد ضمن الخطط البرامجية.. على الرغم من أن البث الفضائي المفتاح الأبرز في زمننا الحالي في ظل التحديات الخطيرة التي تواجه الثقافة المجتمعية العربية …).
الكلام أعلاه كتبته التلفزيونية العريقة والأديبة بريهان قمق، إحدى أهم أعمدة البرامج الثقافية في مرحلة ما قبل الفضائيات، ومرحلة أول ظهور الفضائيات قبل تغوّل الترفيه الفضائي العبثي.
أجدني متفقاً بوجع مع أستاذتنا السيدة بريهان في ما ذهبت إليه من حكم، وهو لا يحتاج إلى دراسات إحصائية، فأي مرور عابر وراصد للمحطات العربية يكشف لك ضحالة المنسوب الثقافي في الإنتاج التلفزيوني.
كانت التلفزيونات تقدم الوجبات الثقافية إما مباشرة ببرامج ثقافية كاملة الدسم الفكري لها مشاهدوها من النخب التي تحب هذا النوع من البرامج، أو تقدمها عبر برامج «مسابقات» تقدم فيها المعلومة بشكل ترفيهي جميل ومبتكر ونتذكر من هؤلاء المبدعين الراحل شريف العلمي والدكتور عمر الخطيب والمرحوم رافع شاهين.
اليوم، برامج المسابقات تعتمد الترفيه المحض بلا أي حشو ثقافي حقيقي، وتركيز على الألعاب المبهرة والإضاءة والمؤثرات الصوتية مع لمسة دراما في التشويق للربح السريع من دون أدنى اهتمام للمحتوى المقدم.
ربما كان آخر البرامج المحترمة «من سيربح المليون»، واليوم نحن أمام ملايين ولا يهم من يربحها.
وعلى سيرة تلك الملايين السريعة، يواجهني دوماً إعلان مسابقة الحلم على «إم بي سي»، ولشدة ما نازعني الفضول نحوه قمت بتجربته والاتصال، لا إيماناً مني بالفوز، فحظي أعرفه ، لكن لمعرفة نوعية المسابقة لأدخل على الهاتف «وعداد الاتصال شغال» ومتاهة من الأسئلة بالخيارات التي تختارها عبر كبسات الهاتف، والأسئلة غبية لدرجة أنك تتساءل إن كان هناك أي أدنى احترام لعقل المشاهد.
تخيل مثلاً ان تتصل بحساب فاتورة مكالمة دولية «مضاعفة السعر» لتجيب على سؤال مثل :
أي من الحيوانات التالية طيور: 1- الحمام. 2- الفيل.
ولن أستغرب أن يختار مشاهد غائب عن وعيه وواقعه الفيل، فالفيل قد يطير في عالمنا المعجون بالخبز والحشيش والقمر والاستبداد.
إعلامي أردني مقيم في بروكسل
مالك العثامنة
*المدعو (وهاب) شخص عصبي
وانتهازي وعندما فشل ف الإنتخابات
تجنن وكاد يفقد عقله..؟!
*أبعد ما يكون عن مواصفات
(سياسي حكيم).
سلام
ادعو جميع الاخوة الاعلاميين الذين يتعرضون للكبت الصحفي في بلدانهم بسبب تضييق السلطة على اقلامهم ادعوهم الى التحول الى تونس وبث برامجهم من هناك ففي هذا البلد تصان حرية الاعلام وهو مكسب من مكاسب ثورة جانفي 2011