الإعلام دوما يحمل رسالة، بغض النظر عن قوتها وجودتها أو رداءتها، فهناك دوما رسالة ما يتضمنها المحتوى الإعلامي مرئيا أو مسموعا أو مكتوبا.
من هذا المنطلق، تأتي الرسالة التي صارت بعض فقرات برنامج «دنيا يا دنيا» على قناة «رؤيا» الأردنية تحملها في تقارير يعدها الزميل فؤاد الكرشة، والتي يريد فيها تقديم فسيفساء ثقافية متنوعة لعادات وثقافات مختلفة تعكس المجتمع الأردني، خصوصا الأقليات فيه.
الجمعة الماضية كانت من نصيب فقرات ثرية ومكثفة عن الأرمن وفرقة رقص مبدعة في الأردن، ثم تقرير مصور عن الشيشان الأردنيين وثقافاتهم وأكلاتهم والحديث الشيق عن تاريخ هذا الشعب القوقازي العريق وإليه أنتسب في الخؤولة.
طريقة الزميل الكرشة في تقديم ضيوفه والتقارير واندماجه في مواضيعها بسلاسة تعيد إلى الخاطر تلك المدرسة في الصحافة التي فقدناها في زمن الفضائيات، التي تقتحم بيوتنا بإعلاميي الردح والفضيحة، ولا أنكر أن «دنيا يا دنيا» من البرامج الخفيفة الصباحية التي تحمل رزانة التقديم والإعداد، بما يتناسب وبدايات النهار، وقد لا نندمج مع بعض الفقرات النخبوية التي قد تناسب فئة مشاهدين لسنا وكثير من الأردنيين منهم، لكنه التنوع على ما يبدو في مجتمع صار أكبر حجما من ذاكرتنا التي تحمل زمنا آخر كانت النخبوية فيه محدودة وأبسط بكثير من تعقيدات هذا الوقت.
«صدأ البلد» في مصر
لكن، ومقابل هذا اللطف والتهذيب، لا بد من أن ينغص علينا سيد النكد في الفضاء التلفزيوني المصري أحمد موسى، في حلقة من حلقات مناحته اليومية على «صدى البلد»، وقد صارت على يديه «صدأ البلد»، فيخرج علينا بنظرية غريبة عجيبة تليق بمحتواه الإعلامي وتتماهى مع الضحالة، لا فض فوه، حين يخرج علينا بمعلومة أن أن شبكة BBC البريطانية العريقة هي ليست إلا أحد أذرع التنظيم الدولي للإخوان، وأنها تنحاز لمن سماهم «العناصر الإرهابية» وليس الجيوش.
ووصف موسى في برنامجه «على مسؤوليتي» في فضائية «صدى البلد» القناة بـ«القذرة» بعد وصفها ما قال عنه موسى أنه «تحرير» النقيب المصري محمد الحايس، الذي قالت الداخلية إنه كان مختطفا من مسلحي الواحات، ويضيف مقطوع الوصف موسى بأن «موقف بريطانيا لم يتغير في دعمها للإرهاب من التسعينيات حتى الآن».
تخيلوا، يا رعاكم الله، كل هذا الكم من المعلومات العجيبة والتي ينطق بها موسى وهو «كليم الأجهزة» على الهواء في قناة تدعي أنها صدى للبلد، ونحمد الله أن برنامجه على مسؤوليته وذمته، التي وسعت البحر وقد شقه موسى هذا بوافر أكاذيبه!
ماذا يحدث في الفضاء اللبناني؟
ومرة أخرى يتأكد أن لا أحد يتفوق على اللبنانيين في عالم صناعة الترفيه، وقد تحدثنا سابقا عن برنامج «هيدا حكي»، الذي لا مفيد في العمق فيه، لكنه ساعة ترفيهية لطيفة خفيفة مرتفعة السقف تطورت لتشمل مع مبدعها عادل كرم رفيقه عباس شاهين ليشكل الثنائي في النسخة الجديدة من البرنامج تطورا نوعيا في التقديم، يعتمد على كيمياء التفاهم والانسجام في الارتجال وزيادة جرعة خفة الدم ورفع سقف النقد إلى مستويات تعكس الحرية التي صرنا نخشى فقدانها في لبنان وقد شهدنا ثقافة «بوس السباط» كقرابين توبة عن خطيئة التعبير عن الرأي في مشاهد طارئة لم نعتد وجودها في بلاد الأرز الحرة.
كثيرا ما نتابع القنوات اللبنانية، وتبهرنا في بعض برامج الصباح، تلك الأناقة الخلابة للمذيعات الجميلات والتي لا تخلو من حضور وازن ومثقف ولطيف، لكن ما شهدناه من نقد لسيد «الضاحية الجنوبية» على لسان مواطنين عاديين سرعان ما تم «تفهيمهم غلطهم» ليعودوا عن انتقاداتهم بلغة ووجوه مرعوبة ويعلنوا لا توبتهم وحسب بل انكفاءهم خاضعين لسيد الضاحية، يجعلنا نفكر جديا بتلك التحولات والمآلات للحرية التي عرفها لبنان وعهدناها عنه.
لسنا في صدد التخندق السياسي هنا، ولكل موقفه، لكن ما يرعبنا دوما أن تتراجع الحريات في بلد اعتاد عليها واعتدناها به، والمشاهد التي شاهدناها كانت بائسة في سذاجة اصطناعها وتصنيعها إلى حد تذكيرنا بتلفزيونات الأنظمة الشمولية في حقبة ما قبل الفضاء.
البلادة شرطا للتشويق والتسويق!
لم نعد في حاجة إلى مبدعين في إنتاج الفنتازيا الكوميدية في العالم العربي، صارت نشرات الأخبار بحد ذاتها أكبر منتج لتلك الفانتازيا بما تبثه من أخبار العالم العربي الذي يضج بنفسه دراميا فاستحالت كل التراجيديا فيه لفرط قسوتها كوميديا سوداء في إطار يشبه هلوسات لا تخطر على بال سلفادور دالي نفسه.
الدهشة في تلك الفانتازيا كبيرة إلى حد أنها أعادت إلى المشاهد العربي عناصر التشويق والإثارة، وقد كاد أن يفقدهما لفرط البؤس والقهر، لكن والحمدلله فالعالم العربي ماكنة تفريخ إخبارية غير مسبوقة، وتسلسل الأحداث المدهش في مشرقه العربي تحديدا يؤكد موهبة العرب في صناعة الحكايا واستمرار عنصر الدهشة مما يؤخر عصر الروبوتات قليلا.
لا أفهم كيف يمكن أن نتفوق على تلك المدهشات الإخبارية من واقعنا أكثر من ذلك، إلا إذا وصلنا إلى مرحلة يصبح فيها الفهم معجزة والبلادة تفاصيل معيشة لليوم العادي.
إعلامي أردني يقيم في بروكسل
مالك العثامنة
أول ما إشتريت ستالايت قبل ربع قرن لم تكن على القمر الأوروبي قنوات عربية غير القناة المصرية ودبي وأم بي سي
ولكن قبل 22 سنة ظهرت قناة البي بي سي عربي لكنها إنقطعت بعد فترة أسابيع !
ثم ومن رحمة الله ظهرت بعدها قناة الجزيرة الحبيبة
ولا حول ولا قوة الا بالله
ولما لا من زرع الاخوان المسلمين أليس الإنجليز يجب ان لا تاخدها العاطفة الحركات الاسلامية لا يعني الدين والإسلام والحمد لله دين حق وصالح لجميع الأوقات