تخلى الحجاج بن يوسف عن جنسيته العربية، وظفر بجنسية دولة أخرى بعد انتظار طويل مرهق، وأقسم أن يخلص ليل نهار لقبيلته الجديدة، وسرعان ما سنحت له الفرصة للبرّ بقسمه إذ عُيّن حاكماً على العراق للاستفادة من معرفته العميقة بطبائع أهل العراق وخبراته بتأديب العصاة منهم، ونقلته إلى بغداد طائرة عسكرية، فترجل منها على عجل مفعماً بالاغتباط والزهو، ولكنه لم يتبدل، وظل كغيره من المخلوقات البشرية، يأكل حين يجوع، ويشرب الماء حين يعطش، ويستحم حين يتسخ، وينام حين ينعس، ويرى أحياناً بعض المنامات، ولكن نومه اضطرب ومناماته تكاثرت منذ أن جثم سريره على التراب العراقي.
رأى الحجاج في نومه نخلاً يتحرك سائراً نحوه ونحو حراسه المحيطين به، وكان سير النخل سير المصمم على قتل غير رحيم ، فقال الحجاج لنفسه : كن رابط الجأش، فكل ما تراه هو مجرد أوهام، والنخل لا يمشي.
ولكن النخل استمر في سيره نحوه، فذعر، وذعر حراسه، وأطلقوا نيران بنادقهم على النخل، فاحترق من دون أن تصدر عنه صيحة توجع أو استغاثة، وسمع الحجاج عجوزأ تقول متفاخرة : هكذا يموت رجالنا.
ورأى الحجاج في نومه رجالاً عراة الصدور، يلطمون رؤوسهم بسـيوف قصـيرة النصـال هاتفين : الحجاج الحجاج.
فتحيّر الحجاج، ولم يعرف ما إذا كان هتافهم تمجيداً له أم أنهم ينادون عنقه لمواجهة سيوفهم، ولكن هدير الأصوات جعله يتناسى حيرته، ويحمل سيفاً كسيوفهم، وينضم إليهم صارخاً : الحجاج الحجاج.
ورأى الحجاج في نومه جنوداً مهشمي الرؤوس يرتدون ملابس سوداً بلاستيكية، يطغى عليهم الفرح، ولكنهم يتذمرون من تأخر السيارات التي ستقلهم إلى أرض ولدوا على سطحها، وسيدفنون في باطنها، ويتطلعون فيما حولهم بنظرات زائغة خائفين من هلاك ثان.
ورأى الحجاج في نومه أنه جالس في مطعم راق يهمّ بتناول العشاء، ويسأله الجرسون بصوت وقور : ماذا يفضل مولاي أن يتعشى، فلدينا تشكيلة فاخرة من لحوم الأطفال لا تضاهى؟
ورأى الحجاج في نومه أنه يقف بالقرب من مدافع تطلق قذائفها محاطاً بجنرالات يحملقون عبر المناظير المقربة، ويقولون باستغراب ودهشة : بقي بيت واحد لم يهدم.
فيرجع الحجاج إلى مكاتبه مقطب الجبين مغتاظاً، ويأمر الجهات المختصة باستيراد مدافع أحدث تتكفل بإبادة كلّ ما على سطح الأرض العراقية من بشر وشجر وبيوت وحيوان، وتحويل الأرض نفسها إلى أودية.
ورأى الحجاج في نومه أنه يتثاءب مستلقياً على ظهره مستمتعاً بالتفرج على طائرات حربية تقصف مساجد حديثة ومساجد قديمة، ويعقد مؤتمراً صحافياً يقول فيه لصحافيين من مختلف بلدان العالم إن الطيارين مسؤولون عن حماية حياتهم وطائراتهم الغالية الثمن، وهم ظنوا أن مآذن المساجد صواريخ عملاقة توشك أن تُطلق عليهم، فينجح المؤتمر الصحافي، ويتنافس أعوانه على تهنئته.
ورأى الحجاج أنه يخطب بحماسة منوهاً بديمقراطية آتية لا محالة بعد أن تنتهي من افتراس خصومها ولا تبقي منهم ما يصلح للمواراة في لحد، فيطالبه الناس بالتكلم باللغة العربية حتى يتاح لهم فهم ما يقوله.
ورأى الحجاج في نومه رئيسه قد تحوّل طفلاً صغير السن مدللاً، يرفض مغادرة محل لبيع ألعاب الأطفال، ويتشبث بطرف ثوب أمه طالباً منها بصوت باك متوسل أن تشتري له جيشاً.
ورأى الحجاج في نومه أنه يؤنب خادمه المنهك في تنظيف الأحذية وتلميعها، ويتهمه بأنه يبيع جواربه العتيقة، فلا ينكر الخادم، ويقول : أنا مضطر فعلاً إلى بيعها لأن الشخصيات التي تطلبها مني لا أستطيع معاداتها، وتدفع لي أغلى الأسعار، وكلما عتق الجورب ازداد سعره.
ورأى الحجاج في نومه نساء بملاءات سود يرجمن قصره بالحجارة، فصاح آمراً حراسه بقتل النساء فوراً، فقال له الحراس إن النساء ميتات، وليس في المستطاع قتلهن ثانية أو طردهن من مناماته، فأفاق الحجاج من نومه متيبس الشفتين، وشرب ماء بارداً، وتنهد بارتياح عندما تأكد من أنه وحده في غرفة نومه، وعاود النوم، ورأى في أثناء نومه أنه مطوق بالكراسي المتحركة التي يقعد عليها رجال ونساء وأطفال مقطوعو الأرجل، ويشرعون في بتر ساقيه بأسنانهم من دون أن يتفوهوا بكلمة، فحاول أن يغمض عينيه حتى لا يرى ما يحل به، ولكن أصوات الأطفال المتحشرجة تأمره بأن يظل مفتوح العينين.
زكريا تامر
حكايتك يا أستاذ زكريا واقعية وليست من نسج الخيال
ان لم يخب حدسي فحجاجك هذا هو بوش
العراق يا أستاذ قد أصبح ماضيا وسوريا كذلك ولبنان على الطريق
ولا حول ولا قوة الا بالله
لله درك يا أستاذ زكريا, أن مغرم بهذا الأسلوب المقفى في سرد الحكايا التي تترك للقارئ هامش واسع من الخيال في استبدال شخوصك بشخوص من الواقع المعاش كي نفهم ما يحدث بالضبط. على كل حال, أنا أعترض على ذكرك الحجاج بالأسم في مقالك أعلاه بل أعتقد انك ظلمت الحجاج كثيرا-رحمه الله – وعليك الأعتذار له. هناك الكثير الكثير من الجوانب الأنسانية المجهولة في حياة الحجاج. لقد كان الحجاج حازما نعم ولكن لم يكن ظالما بل أن ظلمه لا يكاد يذكر أمام ظلم وفجور أعدل حكام العرب الحاليين. الحجاج كان صاحب معرفة وحكمة وكان يحب الدعابة وقد ندم ندما شديدا طوال حياته بعد أن عزله الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بن مروان وتاب الى الله توبة نصوحا وهذا يدل على أن الله قد أمهله وأمد في عمره حتى يتسنى له التوبة. اما الذين لا خير فيهم ولا يرجى توبتهم فأن الله يهلكهم على ماهم عليه من الظلم والفجور والطغيان كم فعل بفرعون وهامان والقذافي وكما سيفعل بالمالكي وبشار الأسد وسواهم.
اقضل من كتب ضد الدكتاتوريه هو الاستاذ زكريا تامر بطريقة القصه القصيره
وكانه يتوجه الى الاطفال ،
* يقال ان الحجاج بن يوسف لما حضرته الوفاة قال : ( اللهم يقولون لا تغفر لي فاغفر لي )
بعد كل الذي حدث هل لا نزال نطمئن للبشائر التي يزفها الينا الادب العربي على ان الاتي خو الافضل ؟ لا اعتقد اننا ننخدع لالاف المرات يا سادة ..