مستقبل المهاجرين العرب في بريطانيا

أعلنت حكومة تيريزا ماي اليمينية في شهر فبراير المنصرم عن عزمها وقف العمل بمشروع Dubs الذي كان يهدف لقبول 3000 طفل لاجئ من اليتامى الذين ليس لهم من يرعاهم من البالغين، بعد أن قبلت فقط 350 منهم، وجعلت من حكايتهم «علكة إعلامية وسياسية» للمزايدة بها، وإظهار من هو أكثر تطرفاً في التعامل مع أولئك الأطفال المقهورين، الذين احتاجت قصتهم مداخلات مطولة في البرلمان البريطاني، ومطالبات من صقور حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا بفحص «أسنان الأطفال اللاجئين، للتأكد من أعمارهم الحقيقية، وليس ما تشير إليه وثائقهم الشخصية، لأن الكثير منهم يبدون رجالاً وليسوا أطفالاً».
وهو ما يستدعي احتمالا ضمنياً بأن يكون أي منهم «متطرفاً إسلامياً» يمكن أن يهدد استقرار مملكة «الحرية وحقوق الإنسان» في بريطانيا. وهي الحكومة نفسها التي تجاهلت بما بررته «بأسباب تقنية محضة» ما قارب 1600 طلب من بلديات محلية في بريطانيا تعرض على الحكومة استعدادها ومواطنيها لاستقبال 1600 طفل لاجئ، معظمهم من الأطفال السوريين اليتامى، في مخيمات اللاجئين، بحسب ما نشرته مؤخراً مجلة «Vice» البريطانية.
وهي أيضاً حكومة الأثرياء نفسها التي قبلت بين عامي 2005 و2015 طلبات للهجرة إلى بريطانيا بعدد وصل إلى 12501 طلب من مستثمرين كان لابد لكل منهم من استثمار ما لا يقل عن 200000 جنيه استرليني في المؤسسات المالية البريطانية، قبل التمكن من الحصول على إقامة رسمية في بريطانيا، تمهيداً لحصوله عن الجنسية فيها، ودون أن يضيرها أن تكون حصة الأسد من أولئك المستثمرين من مسلمي باكستان بعدد كلي وصل إلى 4627 مهاجراً، فالمسلمون الأغنياء لا يمكن أن يكونوا «إرهابيين» والفقراء منهم، وإن كانوا من المعذبين اليتامى فهم «إرهابيون» حتى يثبت العكس، ولا مكان لهم في مملكة «حقوق الإنسان».
لقد كان خطاب «شيطنة المسلمين والتهديد من هول «طوفان الغزو الإسلامي لأوروبا» مشخصاً باحتمال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، عماد خطاب الغلواء العنصرية الذي قاده وزير خارجية حكومة المحافظين الحالية بوريس جونسون، الذي طالما عرف عن نفسه بأنه «صهيوني شغوف»، والذي أدى بنتيجته إلى تصعيد الوعي العنصري الراسخ في التكوين التاريخي للعقل الجمعي للبريطانيين البيض، وإخراجه من قمقمه الذي توارى فيه هنيهة؛ وكان أيضاً من عقابيله تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، في خضم رهاب جمعي لدى جماهير الناخبين البريطانيين البيض من قدوم طوفان اللاجئين السوريين الذين حلّوا على القارة الأوروبية، واحتمال انتقالهم للعيش في بريطانيا بعد أن يحصلوا على جنسيات الدول التي حلّوا فيها، كما كان في حكاية اللاجئين الصوماليين في بريطانيا.
وها هي الانتخابات البريطانية قاب قوسين أو أدنى، وهي حلقة من سلسلة الانتخابات، التي لم تكن تعني فعلياً في السابق شيئاً للعرب والمسلمين في بريطانيا، فحزب العمال على طريقه توني بلير يمثل النسخة الخفيفة من وحشية حكومة مارغريت ثاتشر، بحسب توصيف المفكر نعوم تشومسكي، حتى كدت ترى الكثير من العرب والمسلمين الانتهازيين على طريقة الوصوليين المتمسحين بأحزاب الطغم الحاكمة في أرض العرب، يجادلون بتطابق القيم والتقاليد المحافظة العربية، مع قيم حزب المحافظين الذي ليس للمحافظة فيه من معنى سوى الحفاظ على ثروة الأغنياء وتعظيمها، بمفاقمة إفقار الطبقات الوسطى في مجتمعها، والابتكار في نهب ثروات الدول النامية، الذين أصبحوا يفاخرون بالتعبير عن كينونتهم الانتهازية عبر جمعيات ومنظمات كبيرة ومؤثرة للمحافظين المسلمين والعرب، يقودها أولئك الوصوليون، وهي في جوهرها تنظيمات تابعة بشكل غير مباشر لحزب المحافظين، تعمل كالآليات العسكرية الثقيلة لإيهام العرب والمسلمين بتلك الأطروحات التي يبدو أنها أفلحت في تحقيق أهدافها في كل الانتخابات البريطانية منذ عام 2010.
وعلى المقلب الآخر يقود جيرمي كوربين حزب العمال المنخور عمقاً وسطحاً بأعضاء برلمانه الراهنين، الذين صنّعهم من لا شيء سابقاً، توني بلير، كما تصنع الطغم العربية برلمانيها النكرات، الذين لا يفقهون من السياسة سوى المداهنة، لتحقيق مصالحهم الشخصية ومصالح أولياء أمرهم، الذين قاموا بتخليقهم كدمى سياسية وظيفية فقط. ولكن الحقيقة هي أن جيرمي كوربين في مسيرته السياسية، التي امتدت أكثر من ثلاثة عقود ونيف، لم يكن إلا صديق الفلسطينيين المعذبين، ومنافحاً عن حقهم في الدفاع عن نفسهم وعدم وصمهم بالإرهاب، وهو البرلماني البريطاني الذي ناضل بكل الوسائل المتاحة محلياً وعالمياً، لإجهاض غزو العراق في عام 2003 الذي قاده توني بلير آنذاك، وهو الذي عبّر في غير مرة عن إحساسه العميق بخزي حكومة المحافظين جرّاء عدم قيامها بواجبها الذي تقتضيه مكانتها العالمية في قبول أعداد أكبر من اللاجئين السوريين وغيرهم إلى بريطانيا، من أولئك الذين هم بالفعل ضحايا المشاركة البريطانية في حروب الولايات المتحدة في أكثر من دولة عربية وإسلامية، حولتها إلى دول فاشلة لا خيار لأبنائها إلا الموت في أرضهم، أو الارتحال منه لاجئين إلى مكان آخر.
بحسب الإحصاء البريطاني الرسمي الأخير عام 2011 بلغ عدد المسلمين في بريطانيا حوالي 2.71 مليون مسلم، بما يقارب نسبة 4 % من سكان المملكة المتحدة، يجعل منهم كتلة انتخابية مؤثرة وقالبة للموازين في كثير من الأحيان، وعلى الرغم من ذلك فهم لا صوت فعلي لهم، ومعظمهم لا يشارك في الانتخابات انطلاقاً من مبدأ «كلا الأخوين منحاز»، وهو مبدأ صحيح حسب التاريخ البريطاني المعاصر، ولكنه يفقد صوابيته في ضوء العنصرية الأقرب إلى الفاشية، ومعاداة المهاجرين التي أصبحت حكومة المحافظين لا تتحرج من المجاهرة بها، مستقوية بصعود اليمين الشعبوي الغوغائي في الولايات المتحدة؛ وفي ضوء تصدر جيرمي كوربين لقيادة الجبهة المعادية لذلك الاتجاه العنصري المنفلت من عقاله، في ائتلاف ضمني بين قواعد حزب العمال، وحزب الخضر، وإلى درجة أقل حزب الليبراليين الديمقراطيين؛ وهو ما يحتاج عملياً مشاركة أوسع من كل الفئات المتضررة من سياسات حكومة المحافظين، لتعزيز إمكانيات فوز ذلك الائتلاف، وهو ما يستدعي من العرب والمسلمين في بريطانيا تحفزاً فعلياً للمشاركة بكل ثقلهم الانتخابي لتحقيق ذلك الهدف، الذي يبدو لأي مراقب حصيف بأنه هدف وجودي لكل العرب والمسلمين في بريطانيا، الذي دون الاجتهاد بكل إمكانياتهم المتاحة لهم لتحقيقه سوف تنتظرهم وأبناءهم عواصف مستقبل أسود هو الجحيم بعينه لمن يقرأ التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر، ويعرف المدى الذي قد يصله أُوار العنصرية والفاشية الأوروبية، حينما تصحو من إغفاءتها، وتخرج ماردها البربري من قمقمه الذي خبأته فيه إلى أن يحين أوان إعادة استنهاضه، ليفتح أبواب الجحيم بكل أهوالها على كل المستضعفين المقيمين في أرضها، والذي يبدو أنّ العرب والمسلمين لن يكونوا إلا في صدارتهم دائماً.
كاتب سوري

مستقبل المهاجرين العرب في بريطانيا

د. مصعب قاسم عزّاوي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول zwawizh:

    الله يلطف من الي جاي

  2. يقول محمد صلاح:

    يعيش المسلمين فى بريطانيا ويحصلوا على كل حقوقهم كمواطنين بريطانيين لهم حقوق وعليهم واجبات
    ولكن للاسف انتشار التطرّف فى فى العالم الإسلامى نتيجة الحروب ونزوح المهاجرين المسلمين الجدد الى الغرب وخاصة انجلترا حمل فى طياته تهديدات وانتقام من بعض المهاجرين المتشبعين بالفكر الداعشى
    مما يهدد نمط المجتمع البريطانى وسلام مواطنيه
    ورد الفعل الطبيعي من اى شعب او حكومة
    هو العمل على حماية شعبها
    وبريطانيا لها الحق فى التضيق على من تعتقد انه سوف يهدد أمنها القومى
    بالاضافة الى ذالك تنبهت بريطانيا الان الى ان منبع الارهاب هو الجماعات التى تستخدم الدين فى أغراض سياسية
    ونتيجة ذالك هو ما يحدث من مجازر وحروب فى العالم الإسلامى
    واصبح ذالك له الاولوية فى حمالات كل الأحزاب البريطانية فى الانتخابات القادمة
    والناخب البريطانى كل ما يهمه الان هو أمنه وسلامته فى بلاده

    1. يقول سعد محمد- اوروبا. بريطانيا:

      كلام السيد صلاح حق يراد به باطل فالكل يعلم ان بريطانيا الاجتماعية والاكاديمية تحكم بواسطة الكوانجو وهي منظمات مدنية ممولة من الحكومة وتدعي الاستقلاا ولكن كبيرة هذه المؤسسات يقودها في الغالب عنصريون ولايحصل المسلمون والعرب على حقوقهم كاملة كما يدعي السيد صلاح وتبتدع هذه المؤسسات او الكوانجو اساليب غاية في الخبث لاحباط المهاجرين واغلبهم مسلمون وعرب مشردون وافارقة القوارب والحفاة وتبدع في ابتداعها لوضعهم في اسفل طبقات المجتمع اما المتعلم او المولود هنا فهنالك المقابلات لقبول الجامعات (بعد ان حصلوا على اعلى المعدلات في بريطانيا) ثم مايسمة بال situational judgment tests وهو عبارة عن استيعاب المهجر للقيم البريطانية المسيحية (والمتقدم عربي مسلم ملتزم ومعتدل) وقد لايقبل بعضها وهنا يفقد حقوقه ويبقى طبعا عليه واجبات المواطنة وهي العيش بالاحباط والكآبه بعد ان حصد الجوائز في المدارس! ويتمتع بحرية المشي بالحدائق وتناول القهوة بدون عمل مجزي..ومثالا ماحصل من العنصري عميد كلية الطب في ادنبره ورغم اعتراض كل العمداء والاكاديميين عليه لم يقبل احد من المسلمين والعرب فيها الا ماندر او اشترى مكانا بدخوله مدرسة خاصة (اي كما شخص كاتب المقال المسلم او العربي الغني مستثنى) والحقيقة انا رفع درجة بعد ذلك هؤلاء العنصريون الفاشست يحكمون بريطانيا.افق من سباتك ياسيد صلاح الا اذا كنت تاكتب من مكتب صحافي تابع للكومة البريطانية الحالية وهي فاشية الى درجة الخزي العلني.شكرا لصبركم.Quango= qusi non government organisation يعني شبه مستقلة.

    2. يقول محمد صلاح:

      يا اخ سعد محمد
      كلام سيادتكم غير صحيح
      من ناحية الجامعات البريطانية فى بعض الجامعات مثل city University فى لندن
      وغيرها من الجامعات عدد الطلاب المسلمين اكثر من ٥٠٪‏ من عدد الطلاب
      لقد أقمت فى انجلترا اكثر من عشرة سنوات وتعلمت بها وعملت بها
      ويكفى ان فى مطاراتها مكان للصلاة للمسلمين
      عكس كل المطارات فى الدول المسلمة لا يوجد بها الى مكان للصلاة للمسلمين
      وتذكر ان عمدة لندن مسلم
      وليس معنى ذالك ان البريطانيين ملائكة
      ولكن هو به نسبة عالية من الشعب متحضر

  3. يقول حسين/لندن:

    جيرمي كوربين وفي خطابه الأخير المثير ربط بين عملية مانشستر وغيرها من العمليات (الارهابيه) بالسياسه الخارجيه المتبعه من قبل الحكومات البريطانيه المتعاقبه،،بل أنه ربط بشكل مباشر مستخدما كلمه حروب بريطانيا الخارجيه،،ولأنه أنسان شريف لا أتوقع له الوصول إلى سده الحكم أبدا..
    السياسه الغربيه تحمل جزء وجزء جدا كبير من أسباب انتشار وعولمه الإرهاب،ومنابع الإرهاب ،،
    سياسه الغرب تجاه اسرائيل…دعم الانقلابات العسكريه والاعتراف بها،،دعم أنظمه حكم دكتاتوريه ،،أشعال الحروب في معظم الدول العربيه كما العراق،،سوريا اليمن ليبيا ،،هذه أسباب حقيقيه وراء استهداف الإرهاب مانشستر وباريس ولندن وغيرها،،
    البعض ليس له هم سوى أنتهاز أي فرصه للطعن في الإسلام والمسلمين،،
    الله المستعان

  4. يقول سها لندن:

    وضعت يدك عالجرح
    فعلا الغني ليس ارهابيا والتأكيد انه الان بدأت سوريا بعدما جار عليها الزمان يعتبرونها مكان وبؤرة للارهاب مع العلم انها لم تكن كذلك من قبل
    لماذا
    لأنهم لا يريدون مهاجرين منها وطالبي لجوء

اشترك في قائمتنا البريدية