دمشق ـ «القدس العربي»: تكاد تمتلئ بضحكات الأطفال صالة مسرح «القباني» الصغيرة القائمة في شارع فرعي من شارع 29 أيار وسط العاصمة دمشق، في ظهيرة اليوم الثاني من عروض «حكايات بعد الظهر» التي اشتغل نصّها المسرحي السوري محمد قارصلي وأخرجها الشاب عصام الراشد بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة، مسرح الطفل والعرائس.
عرض أشار القائمون عليه إلى أنّه مخصّص للأطفال دون سن المدرسة، أي أقل من ست سنوات، لكن هذا لم يمنع حقيقة من وجود شريحة عمريّة مختلفة من الأطفال الذين يبحث أهلهم عن أي شكل من أشكال الفرح الطبيعي المناسب للأطفال، وللمفارقة فإنّ العرض شبه المجاني أضرّ به وبالدرجة الأولى سوء الإعلان عنه، ولتسويق له فبقي جمهوره للأسف محصوراً في وسط اجتماعي يكاد يكون محدوداً، علماً بأن العرض قَدِمَ إلى دمشق بعد أن سبق وعُرِضَ على خشبة «المركز الثقافي العربي» في مصياف في ربيع هذا العام.
هل يعني هذا الدعم المعنوي بتسهيل نقل العرض من مصياف إلى دمشق، رغم صعوبات الحركة، أو المادي بخفض تكلفة الدخول للمشاهدين، غياب الرقابة التي كانت العائق الأوّل أمام أي تطوّر نوعي في العمل الثقافي والفكري في سوريا طوال عقود؟ على الرغم من أن كلمة وزارة الثقافة التي تتقدّم بروشور العرض ذكرت: «المسرح جزيرة للحرّية، فهو يتميّز عن باقي فنون العرض بأنّه يخوض تحدّياً مع كل ولادة جديدة».
يأخذ العرض شكل حكايات/ مشاهد ترويها «رندة» لشهبندر التجار المُستقيل من عمله والمُصاب بالاكتئاب حين تزوره في أحلامه. هنا يتأتّى التعقيد الأول في البُنية الدراميّة لنص مُقدّم للأطفال دون سن السادسة، ليس لأنّ الاطفال لا يدركون عالم الأحلام، لكنهم في ذاك السن يملكون إدراكاً مُغايراً لإدراكنا الذي استغرق مفكرون وعلماء سنوات طويلة في محاولات رسم تصوراته وفهمه. يُضاف إلى هذا مشهديّة العرض الفنيّة المبنيّة على ثلاثة مستويات أوّلها عالم المسرح الذي قوامه (هنا.. والآن) وهو عالم الشهبندر الملول كثير الكلام، وثانيها عالم أحلام «الشهبندر» الذي يتوزّع تصويره بين الخشبة وشاشة خيال الظل، التي هي ثالث المساحات، وهي دراميّاً مكان تجسيد الحكايات. تشكّل الحكايات الجزء المروي الذي يتوجب على الطفل المُشاهد أن يتنقل بينه كمحكي يُرسم أمامه على شاشة خيال الظل وبين عالم الخشبة بمستوييه سابقي الذكر. فنجد «الشهبندر» و»رندة» وحتى الحكيم «دبدوب» يتجوّلون على الخشبة وأمامهم على الشاشة الكبيرة يتصارع «أرنوب» المسكين الذي فقد منزله حين ضحك عليه «ثعلوب» المكار ودخل عليه مُحتلاً وطرد منه صاحبه الأصلي «أرنوب».
حكاية الحيوانات التي تقصّها حيناً «رندة» وحيناً «الشهبندر» من كتابه، هي حكايات تحيل المشاهد بشكل مباشر إلى عالم «كليلة ودُمنة» المليء بالحكمة على لسان حيوانات الغابة. حكايات تقص بلغة تنحو إلى الفصحى، ثقيلة نوعاً ما بالنسبة لطفل ما دون السادسة، ليس لأنّ هذا خاطئ، بقدر ما هو يعكس أزمة تعيشها اللغة العربية في كل مكان درجت فيه العاميّة ومداخلاتها البعيدة عن وزن الفصحى وفصاحتها. استخدام هذه اللغة لا يُقيم اغتراباً بين الطفل والعرض بقدر ما هو تمثّل لاغتراب طفولتنا- واغترابنا جميعاً ربما- عن لغتنا الأم، سؤال اللغة هذا لم يُناقش بعد وسيأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يفعل في ظل ارتباطه الجوهري بسؤال الهويّة الأكبر.
ندرة الفرح الشديد، ندرة اللعب وإمكانياته ومساحاته جعلت من العرض مساحةً للضحك، أو لأمل الضحك في الواقع، على الرغم من إشكاليات العرض العديدة، التي اتخذت رسوم الحيوانات على شاشة خيال الظل مسؤولية كبيرة فيها، إذ لا يجوز كشف السحر المسرحي، لا يجوز أن نرى الأيدي التي تحرّك الرسوم، لا يجوز ألا تتناسب المقاسات بين أشكال الحيوانات وبين المنزل على سبيل المثال، لا يجوز بناء منظور غير متوازن، والأهم لا يجوز أن نرى من يدخل ومن يخرج من خلف شاشة الظل إلى الخشبة، فللأطفال نقدّم سحراً ووهماً، يكفيهم ما اكتشفوه في سنيهم الصغيرة جداً من واقعية الحرب والسياسة والأسلحة العسكرية.
يارا بدر