مفاجـآت وتسريبات ما قبل الانتخابات

حجم الخط
1

أعلنت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، في تصريحات أدلت بها في 22 فبراير 2018 في معهد السياسات في جامعة شيكاغو، أن اقتراح خطة السلام المعروفة بـ»صفقة القرن» بين الفلسطينيين وإسرائيل اكتملت تقريبا، وأكدت أن عددا من الوزراء كانوا خائفين من أن تطبق السماء على الأرض في حالة صدور إعلان الرئيس دونالد ترامب الخاص بالقدس، «لكن السماء مازالت في مكانها».
وفي اليوم التالي لتلك التصريحات أعلنت الولايات المتحدة عن البدء في إجراءات نقل السفارة إلى القدس، في خطوات تبدأ مرحلتها الأولى في مايو 2018، بالتزامن مع الذكرى السبعين لإعلان دولة إسرائيل، أو ذكرى النكبة في ما يخص الجانب الفلسطيني والعربي، وهو ما اعتبر تسريعا لخطوات النقل، التي أكد وزير الخارجية الأمريكي في فترة إعلان ترامب عنها في ديسمبر 2017 أنها تحتاج إلى 3 سنوات على الأقل. وعلى الرغم من تعدد الأسباب التي تطرح لتفسير قرار تسريع خطوات نقل السفارة، تظل في خلفية المشهد حقيقة أن «السماء مازالت في مكانها»، فلم يخسر أحد خارج الطرف الخاسر بالأساس، وهو الطرف الفلسطيني وفكرة الدولة الفلسطينية المستهدفة في ظل مسار التسوية.
في الواقع لم تمارس ضغوط حقيقية من الأطراف التي يفترض أن تعترض وتضغط بحكم مواقعها الرسمية، وما يرتبه التاريخ والجغرافيا والأمن القومي العربي، وكل المقولات الكبرى الخاصة بمحورية القضية ومكانتها والمسار المشترك، كما كان يفترض أو يتصور منها في سياق آخر يلزمها باستخدام الأوراق التي تملكها أو يفترض أنها تملكها. على العكس، ورغم الإعلان عن القرار في ديسمبر، والإعلان عن تسريع إجراءات تنفيذه في فبراير، يبدو أن الاهتمام الأساسي لمعظم الأطراف الأساسية، هو محاولة الحصول على القبول الأمريكي والاحتفاء بفرصة مقابلة ترامب، أيا كانت أجواء الواقع وطبيعة السياسات الأمريكية في المنطقة. وما المعارضة التي أعلنت بشكل رسمي إلا جزء من الانحناء في مواجهة العاصفة، خاصة في ظل التصريحات الأمريكية التي أكدت معرفة العديد من دول المنطقة بالقرار قبل إعلانه، وإعلان إسرائيل عن تقديرها للجهود الرسمية العربية في مواجهة الغضب المحتمل.
تعيدني مقولة هايلي المعبرة عن أثر ضعف رد الفعل وتمرير السياسات الصعبة إلى الداخل، فإن كان التنازل عن تيران وصنافير في السياق المصري قد تم ولم تنطبق السماء على الأرض، وإن كانت الأسعار في ارتفاع والصعوبات في ازدياد والعملة المحلية تراجعت، مع زيادة القروض وتركز الجهود على قص شريط جديد بمعدل يومي إن أمكن للتأكيد على صورة الزعيم، مع الإعلان عن كل مشروع جديد، فإن السماء مازالت في مكانها والأرض مازالت تعاني من ممارسات عديدة، وفي النهاية تمر السياسات المؤلمة بوصفها مؤلمة فعليا على المواطن والوطن، بدون أن يحدث ما يوقفها.
وربما يفسر هذا، مع اعتبارات أخرى، عدم اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيىسي كثيرا بما يقدمه في نهاية فترة حكمه، وبداية فترة حكم جديدة، وهو يعرف بشكل مؤكد أنه الحاكم، وأن المنافس الذي اختاره وشجعه على الترشح ضده شكلا – وفقا لتصريحات موسى مصطفى موسى نفسه – يدعمه موضوعيا، ويؤكد أن أسرته سوف تنتخب السيسي، ويرى أن الإعلام يتحيز لصالحه، متناسيا أن إجراء مقابلة معه لا تصل إلى حد تغطية أخبار الرئيس وزيارات الفجر المفترض أنها مفاجئة، وأحاديث المشاريع الكبرى والنجاحات التي لا تنتهي، والحرب التي تتجاوز في أهميتها حروب مصر السابقة، كما يقال، وتعقد اجتماعاتها بالزي العسكري في مكان ما تحت الأرض.
تتردد الأخبار عن ارتفاعات مقبلة في الأسعار، سواء بشكل مباشر أو عن طريق تخفيض آخر في الدعم، بشكل متسارع عن الخطط المعلنة سابقا، وزيادة معاناة البشر في سيناء، وفي الخلفية الحديث عن «صفقة القرن» ومخاطر ما يحدث في سيناء، في ظل لقاءات الغرف المغلقة التي قد يتم تسريبها في وقت ما في المستقبل، والسماء مازالت في مكانها.
وإن كانت قناة السويس الجديدة، قُدمت بوصفها أكبر وأهم من قيمة السد العالي، في تجاوز لقيمة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، فإن الحرب المفتوحة في سيناء تقدم بوصفها فرصة لتجسيد «أهل الشر» من جانب وتعظيم صورة البطل المحارب الذي يتجاوز الرئيس محمد أنور السادات.
يقدم السيىسي نفسه بوصفه ناصر، وبطل الحرب والسلام، وصاحب العبور الذي ساهم في عقد اتفاق قد يكون هو المسؤول عن أن تخسر مصر حقوقا في حقول الغاز في البحر المتوسط، وحقوقا في مياه النيل، وسيادتها عن تيران وصنافير، وكل ما يخص بيع الجنسية وخروج الآثار المصرية، بكميات تتجاوز المنطق وتتجاوز القانون أحيانا أخرى، بالنظر إلى الآثار التي يتم إخراجها، كما هو الوضع مع مجموعة توت عنخ أمون، التي يثار الكثير من الجدل حول قرار الموافقة على سفرها، بتأمين مالي لا يعبر عن قيمتها المادية ولا التاريخية بالطبع، وبشكل لا يمكن أن يقدم بوصفه دعما للسياحة، كما يقول الخطاب الرسمي. وفوق كل هذا يأتي الإعلان الإسرائيلي عن عقد صفقة لتصدير الغاز إلى مصر، الذي اعتبره نتنياهو يوم عيد لإسرائيل بشكل مفاجئ مثله مثل التنازل عن الجزر، ولقاء العقبة الذي تسربت أخباره من إسرائيل أيضا وغيرها، ولكن رغم كل هذا يخرج السيسي، معتمدا على أن آفة الحارة هي النسيان، ليؤكد خلال تفقد مركز خدمات المستثمرين بوزارة الاستثمار في 21 فبراير «أن مصر ليس لديها ما تخفيه، وما حدث هو أمر تعاقدي بين القطاع الخاص في مصر وإسرائيل، ولا دخل للحكومة المصرية فيه». وبالتجاوز عن فكرة إعلان الحكومة عن السماح لشركات القطاع الخاص باستيراد الغاز من الخارج قبل تلك الخطوات بفترة قصيرة، وعن حقيقة أن صفقة من تلك النوعية لن تمر بدون علم الحكومة، ولن تفاجأ بها، والإعلان قبلها عن اكتشاف أكبر حقل نفط من شأنه أن يغطي الاحتياجات المحلية، فإن القول بأن مصر – والمقصود هنا النظام الحاكم- «ليس لديها ما تخفيه» هو تناقض أساسي مع كل التسريبات التي تحيط بنا.
أما قوله «إحنا جبنا جون يا مصريين في موضوع الغاز.. والنهاردة مصر حطت رجلها على طريق أن تبقى مركز إقليمي للطاقة في المنطقة وبقالي 4 سنين بأحلم بالموضوع ده، وهذا ستكون له إيجابيات كبيرة جدا». فهو مجرد توضيح وتأكيد لحالة التناقض و»أشباه الدول». وبعيدا عن قدرة «الجون» في التعبير عن حدث بتلك القيمة، بما له من تداعيات استراتيجية ومعيشية في اللحظة والمستقبل، هل يفهم أن «الجون» نتاج القطاع الخاص أم النظام؟ وهل تم بشكل من القطاع الخاص بشكل مستقل وبتلك السرعة فعلا، رغم أنه حلمه على مدار 4 سنوات؟ وما هو الإنجاز الذي حققه النظام، إن كانت تلك المصانع الخاصة بتسييل الغاز – كما حاول من دافع عن الاتفاق القول- نتاجا لسنوات حكم مبارك؟ أما الحديث عن الإيجابيات فربما ترد عليها ذكرى إعلان مشروع الكفتة، ومشروع قناة السويس الذي تضخم ثم قلص إلى ترس في عجلة «دعم الروح المعنوية» للشعب المطحون، الذي كان من الأفضل له أن تضخ الأموال إلى مشاريع ملموسة، بدلا من ترس روح معنوية، وقبله وبعده أحاديث عن إنجازات مقبلة وانفراج مقبل لا يصل، ووعود بمدد زمنية لا تطرح للمحاسبة، وحزام يراد الاستمرار في شده حتى تفرد السجاجيد الحمراء وتقام المشاريع الكبرى، بدون حسابات ضرورة اللحظة وحدود القدرة وقيمة القروض وكيفية سدادها.
يضيف السيسي إلى تأكيده أنه «سعيد للغاية باهتمام المصريين ببلادهم وما يجري فيها من أحداث». ولا تعرف تحديدا ما مصدر السعادة في هذا، الطبيعي أن يهتم الناس بما يحدث، والأكثر أن يشارك الناس في ما يحدث، وفقا لآليات ديمقراطية تتيح لهم المعرفة والنقاش والمشاركة في الرأي بشكل مباشر أو عبر ممثليهم في المجالس النيابية المختلفة، وليس أن يثار الجدل كلما واجه الناس واقعا مفاجئا في مساء يوم خميس، أو عبر تسريبات من أطراف خارجية. الطبيعي أن كلمة «ما تتكلموش في الموضوع ده تاني» التي قالها السيسي على هامش قضية تيران وصنافير، ليست هي أصل الحكم ولا أساس النقاش في الدول، والطبيعي أن دور الإعلام لا يقتصر على تبني خطاب السلطة، وإلا انتشر الفساد وسوء استخدام القانون وغابت الحقيقة ومعها دولة القانون والمحاسبة، وأصبحت الدولة حلقات من تسريبات وردود فعل في انتظار تسريبات جديدة، في حين تتخذ القرارات الصعبة في الغرف المغلقة على حساب الوطن والمواطن الذي يطلب منه رغم كل هذا أن يذهب إلى صناديق الانتخاب، لتأكيد أنه تفويض، وأن كل ما حدث مقبول وطبيعي.
كاتبة مصرية

مفاجـآت وتسريبات ما قبل الانتخابات

عبير ياسين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Alaa Germany:

    منذ مجئ هذآ الكذاب وبلدنا تسرق أمآم أعيننا وشعبنا يهان ويعذب ويقتل وصنع حالة من الخوف لم نراها من قبل ..نسأل الله الهداية والنصر لشعبنا .

اشترك في قائمتنا البريدية