الناصرة – «القدس العربي»: تسببت الأحاديث عن تهدئة بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسرائيل، في جدل وتراشق واسع في أوساط الأخيرة، شملت وزراء مركزيين، فيما تحدث محللون إسرائيليون عن حاجتها لها سياسيا وعسكريا.
في منشور باللغة العربية توجه وزير الأمن الإسرائيلي لأهالي غزة أمس ، وقال بلغة تهديد مبطن تزامنا مع فتح معبر كرم أبو سالم «لديكم ما تخسرونه في حال تم الإخلال بالهدوء».
في المقابل وضمن معادلة «العصا والجزرة» الإسرائيلية والتي سبق واعتمدها الاحتلال في الضفة الغربية قال ليبرمان في منشوره على صفحته في الفيسبوك:» أميز بين قيادة حماس وبين أهالي غزة ولذلك قررت فتح معبر كرم أبو سالم وإعادة فتح رقعة الصيد في البحر بطول تسعة أميال والهدوء ينفع والعنف لا». وحاول ليبرمان تحريض أهالي غزة على قيادة حماس التي وصفها بأنها «تستخدم المدنيين لأهدافها هي وأريد تذكيركم بأنه حسب اتفاق أوسلو عمل 90 ألفا من القطاع داخل إسرائيل علاوة على عمال عملوا في مصانع المنطقة الصناعية في معبر بيت حانون. أرجو أن يتم استثمار الميزانيات الدولية المخصصة للقطاع لخدمتكم ورفاهيتكم، وهناك إمكانية لتحويل غزة إلى سنغافورة الشرق الأوسط وهذا جيد لكم ولإسرائيل وللمنطقة كلها».
الماء والكهرباء
وقال ليبرمان إن مقترحات التهدئة بعيدة الأمل ينبغي أن تشمل أولا تسوية الأسرى والمفقودين. وتابع مهددا وسط مزايدات إسرائيلية عليه «ولكن ليكن واضحا سنفعل كل شيء لضمان أمن الإسرائيليين، وفي حال توجهت حماس للعنف مجددا سنرد بقوة وقسوة أكثر من المرات السابقة». ورد عليه عدنان أبو حسنة الناطق بلسان وكالة الغوث في غزة بالقول لموقع « واينت « الإسرائيلي بالقول إن أهالي غزة لا يريدون سنغافورة ولا غيرها إنما يريدون حقوقا أساسية كماء الشرب والكهرباء التي تصلهم ثلاث ساعات فقط في اليوم. أهالي غزة يحرمون من مغادرتها والسفر لأي مكان نتيجة مصادرة حقهم الأساسي في الحركة». وتساءل هل يريدون سنغافورة ؟ وأضاف أن أهالي غزة يفكرون بأمور أساسية كأي بشر عاديين يرغبون بالعيش بهدوء وسكينة وإعالة أولادهم».
جائزة لحماس
وعقب إعلان ليبرمان عن « تسهيلات « لغزة هاجمه وزير التعليم رئيس حزب « البيت اليهودي « نفتالي بينيت وقال إن « تسهيلات ليبرمان لحماس « غلطة، لافتا أن حزبه سيصوت ضدها. كما قال إن التهدئة الآخذة بالتبلور بين إسرائيل وبين حماس على نار مصرية غير مقبولة عليه لأن الهدنة مؤقتة وستتيح لحماس التسلح ومضاعفة قدراتها تمهيدا للجولة العسكرية المقبلة والتهديد بصواريخ على كل أجزاء البلاد، وتمكينها من فتح حرب ضد إسرائيل في الوقت والظروف المريحة لها.
وتابع المتهم بخلط الأوراق وبمحاولة كسب نقاط شعبوية «هذه التهدئة ستؤدي في نهاية المطاف لفتح جبهتين خطيرتين شمالية وجنوبية في موعد يختاره العدو وعندئذ ستتحول حماس إلى حزب الله ثان. بعد 130 يوما من « الإرهاب « يحظر علينا منح حماس جائزة بدون أن يعيدوا أسرانا ومفقودينا. هكذا يتعلم « المخربون « أن « الإرهاب « عملية مجدية وستصاب قوة ردع إسرائيل بالعطب.
وأوضح أنه لا يدعو لاحتلال غزة إنما قدم مقترحات لمكافحة « الإرهاب « في غزة بدون إدخال قوات برية لها، وسط جباية ثمن باهظ من حماس والأجهزة المعنية لم تقبلها بعد لكننا سنواصل دفعها».
وهذه هي المرة الأولى التي يعترف بها وزير إسرائيلي عضو المجلس الأمني- السياسي المصغر بإجراء مفاوضات غير مباشرة مع حماس. وسارع ليبرمان للرد بصوته وصورته على بينيت، وقال إنه يسارع للمنابر الإعلامية مع شعارات فارغة تعبر عن « سياسة صغيرة» على حساب الجيش والمؤسسة الأمنية. من المفضل أن ينشغل وزير التعليم بمكافحة العنف المتصاعد داخل المدارس الإسرائيلية».
خضوع
كما تعرض ليبرمان لهجوم من قبل ليئة غولدين والدة الجندي الأسير هدار غولدين والتي تساءلت ماذا تلقينا مقابل السماح بعبور 730 شاحنة للقطاع ؟ واتهمت حكومة نتنياهو بالتنازل عن عائلتي الجنديين الأسيرين. وتابعت « بعد الاتفاق المخجل مع تركيا وزعيمها أردوغان تخضع إسرائيل لحركة حماس أيضا». وجدد رئيس حكومة الاحتلال ووزير أمنها الأسبق إيهود باراك حملته على حكومة نتنياهو، وقال إنها تتخبط وتمس بأمن إسرائيل من خلال اتفاق تهدئة مع حماس والتنازل عن حوار حقيقي مع السلطة الفلسطينية.
ويستدل من التحليلات الإسرائيلية أن إسرائيل السياسية والعسكرية كانت بحاجة إلى اتفاق التهدئة مع حركة حماس، في هذا التوقيت تحديدا، والذي يلقى قبولا من الحركة أيضا باعتبار أنه من المتوقع أن يتضمن تسهيلات في الحصار الخانق المفروض على القطاع، علاوة على أنه يكرس حركة حماس كلاعب مهم في ساحات محلية وإقليمية.
ويرى المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أمس أن كلا من إسرائيل وحركة حماس أقرب من أي مرحلة سابقة في الشهور الأخيرة إلى «تسوية صغيرة»، تهدئة مقابل تسهيلات في الحصار المفروض على قطاع غزة. وفي حال نجحت جهود الوساطة التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، والاستخبارات المصرية، فمن الممكن أن يسود الهدوء على حدود قطاع غزة لشهور، على الأقل، منوها أن ذلك يأتي فيما يدرس نتنياهو التوجه نحو الانتخابات، وذلك على خلفية الأزمة الائتلافية بسبب «قانون التجنيد»، إضافة إلى اعتبارات أخرى. وبالنتيجة فإن وقف إطلاق النار يتيح له إدارة المعركة الانتخابية بحيث لا يضطر للرد على الاتهامات بالتخلي عن منطقة الجنوب، وإبقائها عرضة للصواريخ والحرائق.
وبناء على هرئيل فإن الجانب السلبي للتفاهمات مع حركة حماس، بالنسبة لنتنياهو، هو أنه عمليا يجري مفاوضات مع حماس، وإنكاره ذلك لا يقنع أحدا، فهو يعرف بالضبط إلى أي عنوان يحمل الوسطاء أجوبته. وكان قد حصل ذلك في السابق، في ظل حكومة إيهود أولمرت، بعد الحرب العدوانية على قطاع غزة في 2008 و 2009 (الرصاص المصبوب)، وفي ظل حكومة نتنياهو عام 2012 (عمود السحاب) و2014 (الجرف الصامد). واعتبر ذلك نجاحا بالنسبة لحركة حماس التي «بدأت التصعيد على الحدود في المظاهرات التي بدأت في نهاية آذار/مارس»، ويتوقع أن تؤدي هذه التفاهمات إلى تخفيف الضغط الإسرائيلي على غزة.
يضاف إلى ذلك، حسب المحلل العسكري، فإنه يشير إلى إنجاز آخر لحماس، يكمن باعتبارها «شريكا مهما وشرعيا في الاتفاقيات الإقليمية وقد حققت ذلك عن طريق المقاومة العسكرية، بشكل مخالف تماما للخط الذي يتبناه المعسكر الفلسطيني الخصم، فتح والسلطة الفلسطينية».
ويضيف أن نتنياهو اختار على ما يبدو الخيار الأقل سوءا بالنسبة له، حيث أنه «من الممكن أن يتجنب قتل عشرات الجنود والمواطنين الإسرائيليين في مواجهة عسكرية واسعة في غزة في الشهور القريبة».
تفاهمات محدودة
ونظرا لأنه لم يضع لنفسه هدفا واضحا يمكن إنجازه خلال الهجوم على القطاع، فهو على استعداد لتلقي انتقادات من اليمين واليسار بسبب إظهار الضعف أمام « الإرهاب» حتى لا يجد نفسه في حرب لا يعرف كيف ومتى تنتهي، مرجحا أن الاتفاق بشأن الإسرائيليين المحتجزين في غزة سيظل صعبا على التنفيذ بسبب إصرار حماس على إطلاق سراح عشرات الأسرى الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم بعد الإفراج عنهم في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، في حين أن الشاباك لا يزال يعارض إطلاق سراحهم.
كما لفت إلى قضية أخرى لا تزال على جدول الأعمال وهي المصالحة الفلسطينية، مشيرا إلى معارضة السلطة الفلسطينية ومساهمتها في زيادة حدة التوتر في قطاع غزة بسبب العقوبات التي اتخذتها ضد غزة. في المقابل يخلص إلى أنه في حال إنجاز الاتفاق مع حركة حماس، فإن إسرائيل تكسب الوقت لاستكمال الحاجز الذي تبنيه تحت الأرض على طول الحدود مع قطاع غزة لمواجهة الأنفاق الهجومية، والذي ينتهي العمل فيه نهاية عام 2019. كما تظل، بالنسبة لإسرائيل، قضية القوة العسكرية لحركة حماس عالقة، حيث تربط إسرائيل بين إعادة إعمار غزة وبين نزع أسلحة حماس. ويبدو أن ذلك لن يتحقق في هذه الجولة، خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية ليست على استعداد لدفع الثمن في حال اللجوء إلى عملية عسكرية ضد القطاع لو قررت مواصلة رفض التفاهمات.