في أجواء صباحية فخمة في استوديو «صباح الخير يا عرب»، من «أم بي سي»، تتحدث ضيفة البرنامج في حوار مع المذيعة مخاطبة جمهورها العربي من أقصى قرية في الغرب الموريتاني إلى أقصى معمورة في رأس الخيمة وما بينهما من قرى ومسكونات نائية تتابع البرنامج في صعيد مصر أو جنوب الأردن أو في درعا وضواحي الخرطوم أو من غزة في فواصل ما بين قصف وحصار، فتتحدث الضيفة التي تخصصت في تصميم الأحذية، فتقول بلسان عربي ذي عوج شديد بالنص مخاطبة كل هؤلاء بمن فيهم نساء حارتي البسيطة الوادعة حيث تسكن أمي:
(كانوا هاند ميد وكل قطعة سبريتيد والفكرة إنو الميكسنج بين الأكسسريز عن الفابريك بس ما عندي تارغيت معين بالأعمال، ولازم كل صبية يكون إلها ستايلها الخاص. وأنا أول مرة بعمل كوليكشن للشوز، وتصميم الشوز كومبليتيلي ديفرنت عن ديزاين الملابس»!
هذا مقتطف من درر السيدة نيفين، التي تحدثت لكل الجماهير العربية عن موهبتها بتصميم «الصرامي» الحديثة، وقد قيل لي إن «أم عصام» همست بخجل تسأل جارتها «أم سعيد» عن معنى وتفسير كلمة «أول مرة»، فالباقي كله مفهوم تقريبا، لكن «أم سعيد» بدورها ارتاحت أن كل صبية لها «ستايلها» الخاص، وقد استعصى عليها للحظة معنى «ستايل» وهي في عين ذاتها صبية، لكنها توكلت على الله ونقعت كيلو رز ليكتمل المعنى في قرارة نفسها.
هذه فقرة يفترض أنها موجهة للجمهور العربي على اتساعه، وهذا يجعلني أتساءل إن كان القائمون على برنامج بحجم «صباح الخير يا عرب»، في غيبوبة عن واقع الخريطة العربية أم أن الأمر محسوم في ثقافة نخبوية متعالية وحسب.
قناة هي بلحية ذكورية
هربت من نخبوية «صباح الخير يا عرب»، التي تزداد جرعتها يوما بعد يوم، إلى قنوات أخرى لعلي أجد فيها ما يرضي الخاطر، وقد كسرته تلك العجرفة المتعالية، فتوقفت عند قناة اسمها «هي» ورجل بلحية خلف مكتب و»لاب توب» ماركة أبل بتفاحته المقضومة، وخلفية ديكور شاشة عديمة الذوق مكتوب عليها «كله سر»، الرجل بلحية وصلعة خفيفة كان صامتا يلعب بلوحة مفاتيح «اللاب توب» يلف الاستوديو، فانتهزتها فرصة لأبحث فورا وبسرعة في جعبة «العم غوغل» عن قناة «هي» لأجد أن تعريفها هو قناة المرأة العربية!! فنظرت الى الرجل ذي اللحية مرة أخرى وانتظرت حديثه ليتبين أنه النسخة الأحدث من دجالي العصر، ومشعوذي البيضة والحجر، ممن يتنبأون ويضربون الرمل، لكن هذه المرة على نسخة ماك أصلية، وبطريقة الديجيتال يستطلع الرجل ذو اللحية طالع المتصلين وكاي تضليل واستهبال يتم تغليفه بالمقدس فيتجرعه المتلقي بسهولة، يتحدث يوسف فتوني الرجل ذو اللحية وقد أحاطت به على الشاشة أرقام الهواتف للتواصل معه، فيقول وقد احتد على مشاهدة لم يسعفها الاتصال جيدا، فيقول إنه خبير بالعرافة التلفزيونية منذ عام 2007، وإن مشاهديه بالآلاف وفي تزايد مستمر، وأن التحدي الجديد في برنامجه، هو أنه يعطي المشاهد المتصل معلومات أكيدة، فيتنبأ بصحته ويعطيه العلاج حسب القرآن والسنة/ وضرب لنا مثلا «ونسي عـقله» بأكـل القـرع الـذي يشـفي من كـل الترهـلات الجـلدية!!
أما وقد استمعنا إليه، وأنعم الله على الكوكب بهذا النطاسي الديجيتالي الفلكي، فلنقفل المستشفيات ولتغلق كليات الطب أبوابها ولا عزاء للأطباء.
انتهى برنامجه باتصالات متقطعة لم تنجح في التواصل معه، لتبث القناة بعدها كليبا شعريا رديئا لشعر أكثر رداءة بصوت «غرندايزر» نفسه.
يبدو أن قناة المرأة العربية ممعنة في إهانة المرأة العربية أكثر بتجميعها كل فاشلي العالم، فتبث فشلهم على الهواء ونتلقاه نحن ضمن حرية فضاء غير مسؤولة.
«أخبار وحوار» في التلفزيون الأردني
لكن، هنالك أمل على ما يبدو في هذا الفضاء العربي، وبعد كثير من النقد القاسي الذي كنا نوجهه للتلفزيون الأردني، أجدني ملزما بالإنصاف للحديث عن هذا التحسن الملحوظ في مستوى المحتوى على الشاشة الرسمية، وقد تابعنا في صباح مبكر من يوم الثلاثاء حلقة من برنامج «أخبار وحوار» للمقدم التلفزيوني عمر العزام، حيث يقوم بعرض أخبار محلية أردنية ويلقيها بطريقة لا تخلو من رشاقة وبصمة شخصية تكسر رتابتها ويستضيف صحافيا أو صحافية للتعليق على كل خبر، وهذا بلا شك يتطلب إعدادا جيدا من المضيف والضيف على حد سواء.
هذه القراءة في الأخبار، التي عادة ما نمر عليها دون اهتمام، تعطي بعدا جديدا لها وقد نفض البرنامج عنها تلك الحدة الرسمية في تحريرها، لتصبح خبرا يفهمه المتلقي أكثر بلا ملل.
إعلامي أردني يقيم في بروكسل
مالك العثامنة
الإعلام العربي ترك قضايا الأُمة ليحتكر قضايا الشعوذة والدجل على المُشاهد العربي المُحبط من كل شيئ
أصبحت الخزعبلات هي الأمل الوحيد للشعوب العربية المقهورة
ولا حول ولا قوة الا بالله
بعد قراءتي لمقالك هذا الصباح استاذ مالك العثامنة , انتابتني حالة من الغبطة والفرح والسرور , انك اطلعتنا على نموذج مما تقدمه بعض المحطات والفضائيات الناطقة بالعربية؟! وهذا المستوى الهابط من المهنية والاستخفاف بفهم المشاهد؟ من حيث ايصال المراد ( الثقيل الدم ) ؟!!
هذه المحطات تُقَيّمَ نفسها انها من الفضائيات الرائدة في التوجه والطرح !!
العتب اخي مالك ليس على ما تقدمه هذه الفضائيات , العتب ..كل العتب على من يشاهدها؟؟ !! ويقضى ساعات امام شاشانها دون افادة تذكر , انطلاقًا من هنا , يجب فحص المشاهدين تحت مجهر قدرة الاستيعاب , وبمرقاب تقريب الفهم , لعلهم يفقهون ما يشاهدون ؟؟!
انا لا اعمم, ولكن ابكي واضحك على ما وصل اليه بعضٌ من ابناء امتي والسلام
حسبنا الله ونعم الوكيل