وثائقي معركة الشدادي في سوريا: الكاميرا تخوض في الخطوط الحمراء

حجم الخط
0

باريس – «القدس العربي» : في رحلة شاقة، يواكب موفدو «فرانس 24» في عمل وثائقي (معركة الشدادي: اتحاد ضد الرعب)، حياة مقاتلين على جبهات مدينة الشدادي (جنوب الحسكة). لم تكن هذه الرحلة، محاولة لاكتشاف عوامل انتصار هؤلاء على تنظيم «داعش» فحسب، بل اكتشافهم هم أيضاً، بوجوههم وحركات أجسامهم، وأسلحتهم وطريقة استعراضهم لفكرة القتال في أشد المعارك شراسة مع تنظيم متطرف. إضافة إلى التوغل في حيوات المدنيين الذين بقوا في بيوتهم يعانون من سطوة المتطرفين وعذابات الحرب، وأولئك الذين ينتظرون على حواجز الأكراد والهاربين من «دولة الخلافة» في الرقة.
ويعدّ هذا الشريط على أهميته، توغلاً دقيقاً في مفاصل معركة شديدة الأهمية، وخوض في خطوط حمراء في مفهومها السياسي والأمني. حيث لهذه المدينة قيمة بارزة عند التنظيم لأنها تشكل عقدة مواصلات مهمة بين الرقة والموصل، وتقع ضمن منطقة غنية بالغاز والبترول. ونتابع في الفيلم (35 دقيقة) سير العملية بمحطاتها، وتفاصيلها منذ بداية المواجهات إلى نهايتها. فالجبهة التي تتبعتها القناة، عبر 3 من مراسليها الميدانيين (مايسة عواد، وروميو لانكلو ومحمد حسن)، تسيطر عليها اليوم قوات «سورية الديمقراطية»، وفي منطقة ذات غالبية كردية (روج آفا، كما يسميها الأكراد).
وفي مقابلة مع سمكو ديريك، وهو قائد معركة الشدادي، تأكيد على «تعدد المقاتلين»، فهم اضافة إلى النواة الكردية، يضمون افراداً من العرب والسريان. ويشير القائد الذي كان يحمل بين يديه، شاشة «آي باد»، من نوع «سامسونغ» على خط من خطوط المواجهة، إلى أن قواته هي الكفيلة ببناء سوريا يوماً ما. ويشرح للمراسلة خريطة تواجدهم عبر «اينفو غرافيك» تظهرها الشاشة، التي لا يتوقف دورها عند الاستعانة بالخرائط، بل هي تساعدهم على تحديد احداثيات وجودهم، وارسالها إلى الطيارين في قوات التحالف الدولية كي لا يتعرضوا للقصف عن طريق الخطأ. وهنا نكتشف حيثية دقيقة حول التعاون العسكري بين مقاتلي الأكراد وقوات التحالف الدولية، بالصوت والصورة، وليس فقط عبر البيانات الصحافية.
وترصد مايسة عواد، بشروح بسيطة، ترافقها الصور المنتقاة بعناية في العمل، أولى العمليات التي قامت بها هذه القوات ضد التنظيم في الشدادي، وهي عملية «غضب الخابور». وتلتقط عدسة المصور عمل فرقة كوموندوس (تضم عناصر أمريكية وبريطانية وفرنسية)، تعمل بسرية في الجبهة. هدفها تنسيق الضربات الجوية والحد من الاضرار الجانبية. ونشاهد في الشريط مقاتلي داعش، الذي قتلوا إثر تفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة أو نتيجة القصف الجوي. مثل نزهة بين الجثث. وننتقل إلى المدنيين الذين تظهرهم عدسات الكاميرا مبتهجين بحياتهم الجديدة بعد دحر التنظيم. يقول أحدهم إنهم فرحين بالتدخين، «الحمدلله صار فينا ندخن»، وهي جملة سيريالية تعقبها ابتسامات هؤلاء، بعد أن كان التنظيم يخنق يومياتهم بتطبيق تعاليم قاسية. «فلا ذقون ولا لحى» بعد اليوم.
ولا يكتفي الوثائقي بالمعارك. يوظفها فقط كرابط بين مكوناته، وتمهيد لمفاصله. تذهب بنا اللقطات إلى الحياة العادية للمدنيين في مناطق القامشلي. تتجول الكاميرا في أحد المقاهي الضاجة بالرواد. يحكي هؤلاء عن مآسي عائلاتهم في دير الزور المحاصرة. تلتقي عواد في مقابلاتها مع الرئيسة المشتركة للمشروع الفيدرالي للكرد، ثم بزعيم قبيلة الشمر في سوريا، الشيخ حميدي الدهام الجربا، الذي يؤكد لها أن الإسلام السياسي فشل، ولا قيمة ثابتة إلا للقبيلة. مشيراً إلى ان تحالفهم التاريخي مع الكرد هدفه «وحدة سوريا». لكنه لا يجاهر بأي عداء للنظام السوري، فهو على ما يقول، لا يملك «قدرة لمواجهة دولة». وهنا نقطة حساسة يتعامل معها معدّو الشريط بشيء من الذكاء. فلا يورطون الرجل الخمسيني الذي بدا مفرط الأريحية ومحاطا برجال مدججين بالسلاح وبمشايخ قبائل صغيرة منضوية تحت امرته. منتقلاً بين قصره الحجري الضخم، والمسجد الكبير الذي بقي المسلحين موزعون على اطرافه.
تركيبة الشريط، فيها شيء من الربط السريع، بعوامل المنطقة وتنوعها واستراتيجيها العميقة تاريخياً، ورصد مكثف لتفاصيل المعركة وهوامشها. فأبطال العمل ناس عاديون ايضاً، يعانون من الحرب وتضخمها في ثقوب حيواتهم. فهم يتنقلون من جبهة إلى أخرى. هاربون أو لاجئون مؤقتون في ديار كانت قبل الحرب مفتوحة لهم. واللقاء بمقاتلات كرديات لا بد من أن يكون في صلب العمل.
تقول إحدى المقاتلات إنها هنا من أجل حرية المرأة، فهي إشارة إلى أن التنظيم المتطرف يحدّ من حريات النساء في المناطق التي يسيطر عليها. أما الانتقال إلى أحد الحواجز الكردية، فهو بحد ذاته نقطة مفصلية أيضاً لفهم المعركة وتعقيداتها. فهنا نشاهد معضلة جديدة. عشرات المدنيين العرب ينتظرون أذوناً بالعبور إلى منطقة «روج آفا». يمنعهم مسلحون كرد من دخول قراهم، وذريعة هؤلاء إنهم يريدون التأكد من هوياتهم، أو إفراغ البيوت المهجورة من القنابل والألغام التي زرعها افراد التنظيم، قبل السماح لهؤلاء العرب بدخولها. وفيما يعبر آخرون، ممن تم «تفييش» اوراقهم، ينتظر كثر في خيم صغيرة موزعة بعشوائية، وهم يشكون بأصوات متعبة، من هذا الانتظار، فيما تصرخ إحدى النساء، أنها تفضل قتلها هنا على الحاجز على أن تعود إلى معقل التنظيم في الرقة.
وفي رحلة الشريط عبور إلى أحد أهم مصافي النفط التي يضع الكرد يدهم عليها. مصفاة «الجبسة»، التي راح «سرحند»، قائد ميداني كردي يشرح كيف استولى عليها الكرد، وأطاحوا بعناصر داعش. ثم يتجول بالمراسلين في غرف كان يعدّ فيها «داعش» متفجراته، وأيضاً، كما يقول سرحند، أسلحة كيماوية. متهماً النظام السوري بشراء النفط من التنظيم مقابل اعطائهم معدات مسلحة. وهو افتراض لم تجزم عواد في صدقيته. وهو ما يفترض أن لا يتبناه الوثائقي، الذي عرض في المقابل وثيقة وجدت في مكاتب التنظيم المندحر، تثبت أن موظفي المصفاة كانوا ما زالوا يقبضون روابتهم من دمشق.
تقول مايسة عواد في اتصال مع «القدس العربي»، إن الوثائقي أخذ وقتاً وجهداً طويلاً، استمر لأشهر، قبل دخول سوريا والبقاء فيها لأكثر من 18 يوماً، «الهاجس الأمني كان في أولوياتنا. كنا مضطرين إلى احتساب كل الثواني والدقائق، خوفاً على سلامتنا وسلامة من يرافقنا. فنحن كنا في قلب المعركة، ونتابعها يوماً بعد يوم. وننتقل من مكان إلى آخر»، وتضيف: إن «العمل الميداني، رغم صعوبته إلا أنه ممتع ايضاً. يوفر لك المجال لتعرف اكثر. خصوصاً أني صحافية لبنانية وكنت على تماس مباشر بالحدث السوري، ودخول هذا المكان كان بمثابة اشباع لمعرفة ناقصة عندي عن المجريات الدقيقة في خطوط تماس ذات حساسية عالية كما في الشدادي».
يشار إلى أن عواد، التحقت بـ «فرانس 24» منذ 4 سنوات، بعد أن عملت في صحافة بيروت المكتوبة لسنوات، تقول: الصحافة المكتوبة علمتني الكثير وجعلتني اعتمد منهجية واضحة في أي تقرير أعدّه. فالصورة على أهميتها طوعتها في النص، كي يكونا معاً يقدمان المعلومة الواضحة للمشاهد».

صهيب أيوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية