يجيب أبناؤها… لماذا أخفق الحراك الثوري السوري في السويداء؟

حجم الخط
0

السويداء ـ «القدس العربي»: «لا أبحث عن أعذار ولن أتحملها» بهذه الكلمات بدأ المعارض السوري جبر الشوفي حديثه لـ»القدس العربي» مجيباً عن سؤال «مفتوح»، لماذا أخفق الحراك الثوري في السويداء؟
يقول «واقع الثورة السورية وواقع المعارضة ومختلف العوامل التي جعلت الأكثرية الاجتماعية من دروز السويداء متحفظين على الثورة وقواها أو موالين للنظام».
هذه العوامل بحسب الشوفي هي «عدم نضج العوامل الموضوعية والذاتية للثورة، فالطابعان العفوي والريفي الغالبان عليها منذ البداية، نحوا بها إلى حصرها بالأكثرية الاجتماعية السنية المحتقنة بثارات مختزنة منذ الستينات والثمانينات وبالشحن المذهبي ضد سلطة ذات طابع فئوي علوي».
يستطرد «هذه المواجهات ذات الطابع الطائفي طفت على الوعي السياسي في القاع المجتمعي لكل الطوائف غير السنية، اقتصر حراكها على النخب السياسية والشبابية التي لا خيار لها إلا أن تقف مع شعبها بغض النظر عن مدى إيمانها بإمكانية الانتصار».
ينقل لنا الصحافي فخر الدين فياض «مشاهداته» عن واقع «السويداء» وواقع جارتها «حوران» في ربيع العام 2012، يقول فياض «رغم الدم والقتل والترويع والخراب التي تملأ العديد من المدن والقرى في درعا، فإنهم ينظرون بعين وطنية مدنية إلى التنوع الديني والطائفي والعرقي في سوريا، لا مشكلة مع جيرانهم الدروز مثلاً». وينقل عن أهالي المحافظة الجار قولهم «أهلنا وجيراننا، نتمنى أن يهبّ الجبل لمساندة الثورة، لكننا نجد لهم العذر، نعرف أن النظام يتشبث بالأقليات الآن، ويضع ثقله في مناطقهم حتى لا تفلت تلك المدن من يده، يريد لكذبته الطائفية أن يصدقها أحد».
ويرى أن حوران ـ في تلك الفترة ـ ساحة ناضجة للثورة وأن ثمة تجذيراً وأصالة في الفعل الثوري «لا تراجع … حتى إسقاط النظام». هكذا كان المشهد في مطالع العام 2012، لكن التعبير عن المشهد الحالي من قبل المعارض السوري «الدرزي» الآخر «فارس الشوفي» يبدو مختلفاً، إذ يقول لـ»القدس العربي» هذه الثورة تكلفتها عالية جداً لكنها كشفت المستور وكشفت أنه لم يكن في سوريا دولة أو هوية وطنية بل كان استقرار بالحذاء العسكري وتعايش كاذب».
ويشرح «فارس الشوفي» مقدمات النتيجة التي خلص إليها والأسباب التي أدت لإخفاق الحراك الثوري: «لم يخفق (الحراك) في محافظة السويداء عندما كانت الثورة سلمية بل على العكس كان ناشطاً بشكل جيد، ويضيف «حقيقة الأمر أن الحراك الثوري أخفق على المستوى الوطني بعد أن دخل السلاح ودخلت المنظمات الجهادية القاعدية والسلفية المدعومة من الخليج والتنظيمات التابعة لإيران أيضاً وبعد أن تم تدويل الصراع وتم خلق المعارضة التابعة لكل دول العالم».
ويستطرد قائلاً: «باختصار شديد الأسلمة خربت الثورة وخربت العمل الوطني وفككت البلد وغيبت الثقة لأن الأمور أصبحت رمادية فالشعب السوري لم يثر من أجل الجهاد في سبيل الله بل ثار من أجل تغيير نظام الاستبداد الأسدي بهدف الوصول إلى الحرية».
يذهب «فارس الشوفي» أبعد للحديث عن العمق «الديني» للموضوع، موضحاً: «محافظة السويداء يمكن أن تثور لقضية وطنية لكن من أجل قضية جهاد لا يمكن أن تثور لأن الدروز لا يملكون ديناً تبشيرياً ولا يوجد لديهم أصلاً فكرة الجنة والاستشهاد في سبيل الله».
«الدكتورة نجاة عبد الصمد» وقبل أن توضح الأسباب التي جعلت «السويداء» على ما هي عليه الآن تقول: «يدرك أهالي السويداء أن النظام لن يحميهم إذا تعرضوا إلى خطر لا يعتبره خطراً عليه، وقد يبيعهم حين تفترق المصالح. وأن أبناءهم المجندين في الجيش العربي السوري لم يكونوا إلا وقوداً لحروبه».
تتحدث عن طبيعة المخاوف التي يتوجسها أهل السويداء: «مخاوفهم تأتي أولاً من غموض المخططات العالمية التي تحاك للمنطقة ككل، من تلويحٍ بالتقسيم، وبوادر لتجزئة الوطن الواحد، والدروز لا يعولون على حمايةٍ مزعومةٍ من أميركا أو الاتحاد الأوروبيّ (أو حتى إسرائيل أو غيرها) ممن يتشدّقون بحماية الأقليات» وتضيف أن هناك تخوفاً من «بيانات القوى الإسلامية المتطرفة دينياً التي تعلن الجهاد على جميع من تعتبرهم مرتدّين عن الإسلام وفق معاييرها، وهناك أيضاً مخاوف نابعة من فهم طبيعة النظام الذي يضحّي بأيٍ كان في سبيل بقائه».
مرة أخرى يعيدنا الصحافي «فخر الدين فياض» إلى الأجواء التي كانت مسيطرة على المدينة في آذار من العام 2012 «على بعد كيلومترات قليلة منها تدخل إلى محافظة السويداء، وتشعر للوهلة الأولى أنك انتقلت من دولة إلى دولة أخرى، لا يصادفك أي مظهر من مظاهر الثورة ولولا الحواجز الأمنية صور وتماثيل الرئيس وأبيه، الخوف من المخابرات ما زال حاضراً في الحياة اليومية، بالإضافة للشبيحة الذين ينتشرون في الساحات العامة وليس من الصعب تمييزهم، فئة في أسفل السلم الاجتماعي، هامشية…».
ويضيف «في السويداء لم تتشكل حاضنة اجتماعية للثورة بسبب الخوف من القمع الهمجي الذي مارسه النظام (منذ اللحظات الأولى) وأراد بذلك إيصال رسالة إلى جميع فئات الشعب السوري «مصيركم القتل إن فكرتم في تقليد تونس ومصر!!» ويبدو أن الرسالة وصلت إلى أقليات المجتمع السوري، الدينية والمذهبية والعرقية، وحتى أقلياته الطبقية «تجار حلب ودمشق على سبيل المثال»، والدروز تلقوا الرسالة جيداً آنذاك، «تمسّكوا» بالنظام خوفاً من آلة قتل لا يردعها معيار إنساني أو وطني وربما أرادوا التغيير بدون دفع الثمن».
بينما ترى الصحافية مزن مرشد أن «خوف الدروز الوحيد هو أسلمة الثورة، الدروز يعتبرون أنفسهم مظلومين من الجميع وأن لا ناقة لهم ولا جمل عند أحد، بينما تسعى كل الوجوه الدرزية إلى تجميل المسألة وتحاول أن تضفي عليها لبوسات الاقلية والنظام الممسك …».
وتستطرد مرشد «لدى الدروز إحساس بوحدتهم وعزلتهم فهم بدون ضهر أو داعم، لا أحد يقف في وجه النظام إذا أراد إبادتهم ولا أحد يدافع عنهم في وجه أسلمة مسفرة تكفرهم وتبيح دمهم» وتتابع «كانوا وما زالوا مهمشين حتى الأقلية التي التحقت بركب الثورة مبكراً ومن أيامها الأولى لم تجد لها مكاناً رصيناً ولا رأياً مسموعاً في صفوف المعارضة، ومن حمل السلاح وانضم إلى الجيش الحر لم يعط له الأمان الكافي للقتال جنباً إلى جنب مع إخوانهم».
في هذا السياق يقول المعارض جبر الشوفي «لم يتوفر أي دعم لتسليح من انشقوا أو أبدوا استعدادهم لحمل السلاح من شباب المحافظة على قلتهم، فتجمدت وتراجعت بعد أن نضبت مواردها وفككت تشكيلاتها، رغم أن ظاهرة المرحوم خلدون زين الدين بالاشتراك مع شباب محافظة درعا، كانت فرصة مثالية للدفع بتشكيلات مشتركة شبيهة ومدروسة، بدلاً من دفعه إلى التسرّع في المواجهة مع النظام والقضاء عليه وعلى الظاهرة من أصلها».
أسباب أخرى يضيفها ولكنها ذات طبيعة اجتماعية اقتصادية «السويداء ضعيفة الكثافة السكانية وكثير من شبابها يبحثون عن رزقهم خارج سوريا، ومن بقوا في المحافظة معظمهم من العاملين في الخدمات والوظائف تحت أنظار السلطة الضاغطة وضمن تدبيراتها وإدارتها، لذا وجدنا وفرة في أعداد المعارضة السياسية من أبناء المحافظة في الخارج».
وفي هذا السياق تقول د. نجاة عبد الصمد «النخبة المتعلمة والمثقفة من محامين ومهندسين وأطباء ومعلمين قد انخرطت في الثورة منذ أيامها الأولى، فإن الشريحة العظمى من الناس ظلّتْ على حيادها اقتداءً بموقف مشيخة العقل التي دأبت على إحقاق صلاحياتها عبر حكومتها». لكنها تشير في الوقت نفسه إلى أن نظام الأسد الأب تعامل بطريقة خاصة جداً وبذكاء مع المحافظة وأورث هذه الطريقة لابنه، وتقوم على قاعدة «احرص على استرضاء أبناء هذه المحافظة، واحرص على إبقائهم فقراء أو مكبلين بقيود الكفاف. وليظلّوا مربوطين بعقالك!»
وتستطرد «نصف الشباب المقيم في السويداء متطوع في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وهذه الفئة بالذات تدافع عن لقمة عيشها في وظيفتها الحكومية، والنصف الآخر إما في المغترب وإما عاطلٌ فعلياً عن العمل، فقد سارع النظام إلى تشكيل جيش الدفاع الوطني الذي استقطب كل العاطلين ومنح هؤلاء رواتب شهرية وسلّحهم وأطلق يدهم كمخبرين على الثائرين والصامتين».
«السلاح، الأسلمة، وحماية الأقليات» مفاهيم استثمر فيها النظام منذ الأيام الأولى للثورة، ولكنها رغم ذلك لم تمنع من سماهم الصحافي فخر الدين فياض بـ «الأنبياء الصغار» ويعني بهم الشباب الذين خرجوا في السويداء خلال المرحلة الأولى من الثورة ومن ثم هربوا من السويداء بحثاً عن التظاهر، يقول فياض «الأنبياء الصغار الذين ثاروا على النظام وعلى المجتمع الموالي جهلاً وخوفاً، ثاروا على حراك الوجاهات المريضة أيضاً، هؤلاء هم مستقبل السويداء وجزء من مستقبل البلاد عموماً: أنبياء حرية وكرامة سينتصرون، رغم «ظلم ذوي القربى» ورغم «كهنة المعارضة»… وحراك الحسابات… والتحسبات».

حسين الزعبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية