عمان-«القدس العربي»: إختصر عضو البرلمان والسياسي الأردني المخضرم عبد الهادي المجالي المسافة الفاصلة بين الوهم والواقع عندما بادر لمخاطبة الملك عبدلله الثاني بالإشارة إلى ان «التكتلات» البرلمانية ما زالت دون مستوى الطموح ولا يمكن الرهان عليها في الوقت الحالي.
اللافت جدا في مداخلة المجالي أنها شملت كما قال لـ «القدس العربي» كتلة الجبهة الوطنية التي يترأسها هو شخصيا حيث تقدم بهذه الملاحظة في اللقاء الملكي الحواري مع كتلته ملامسا بخبرة وذكاء مشروع القصر الملكي المعلن بتطور مؤسسية ومنهجية مجلس النواب على أساس التكتل.
عضو الكتلة نفسها النائب محمد البرايسة وفي اللقاء ذاته ألمح لتصور مماثل موحيا بأن على القصر الا يتوقع الكثير من «كتل البرلمان» ويقدم التوجيهات الملكية بدون إرهاق الملك بخطابات لا معنى لها لإن»الواقع صعب ومعقد» كما شرح البرايسة.
ليس سرا في عمان أن مؤسسة القصر تدعم وتسند تجربة التكتل من باب تنظيم العمل البرلماني ومأسسته في خطوة يعتقد على نطاق واسع بانها ينبغي ان تسبق الخطوة التالية للمشاورات البرلمانية في تشكيل الحكومة والمتمثلة في مشروع ملكي قديم لم تتوفر الظروف لإنفاذه بعدز وهو تشكيل «وزارة أغلبية» وتجربة تبادل سلطة على النمط الغربي وحكومة ظل في البرلمان.
ذلك «صعب جدا» بدون عمل حزبي وتعددية وتنمية حزبية- قال رئيس البرلمان الأسبق سعد هايل السرور لـ «القدس العربي»- وهو يشير الى ان التطور في التعددية الحزبية لابد له ان يسبق بقية الآليات.
هذه المفارقة إنتبه لها عضو كتلة «وطن» النائب والمحامي محمد حجوج وأخرون خلال مناقشات الكواليس التي تحاول التوصل مع الحكومة والقصر لأفضل صيغة ممكنة لقانون «إنتخاب جديد».
تبين لجميع الفرقاء أن عملية التنمية السياسية بدأت بإتجاهات عكسية لأن تطوير آليات الإنتخاب أمر ليس منطقيا قبل تطوير قانون الأحزاب والإنتقال في التجربة الحزبية في البلاد إلى آفاق مستجدة.
لسبب أو لآخر بدأت التجربة عكسية في إطار النخبة الأردنية، الأمر الذي أعاق ويعيق برأي حجوج إمكانات تطوير العملية الديمقراطية برمتها.
في وقت متاخر إكتشفت المؤسسة السياسية في البلاد أن الإنشغال في قانون الإنتخاب مع بقاء قانون الأحزاب مرتهنا للهاجس الأمني سيقود إلى الفراغ بصرف النظر عن أهمية وحيوية وجدوى اي قانون عصري للإنتخابات.
هذا الإكتشاف عرقل نسبيا إتجاه حكومة النسور للعمل على ملف قانون الإنتخاب خصوصا وان المسار السياسي في البلاد عموما متلازم بالعادة مع الإيقاعات الإقليمية وان القناعة متكرسة في ذهنية النخب البيروقراطية بان الإصلاح السياسي غير ممكن قبل حسم الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي يثير عاصفة من جدل «المكونات» في المشهد الداخلي.
تم تجريب ذلك بتطوير آلية «القائمة الوطنية» في الإنتخابات الأخيرة التي خصص لها 27 مقعدا حصلت أحزاب مرخصة على أقل من ربعها عمليا وبدعم مباشر من عمليات التلاعب خلف الستارة.
وحصد أشخاص ينتمون إلى مدرسة «الأمية الحزبية» ولاعلاقة لهم إطلاقا بالأحزاب غالبية بقية مقاعد القائمة «الوطنية» حتى تشكل المجلس من 150 نائبا يشكل كل منهم مدرسة حزبية مستقلة بحد ذاتها كما قال السرور.
الأمية الحزبية تسيطر بشكل واضح على إيقاع المجلس النيابي بالتحالف مع النفوذ القبلي والثقل العشائري وهو وضع يرهق القرار السياسي ويحول نظام العلاقة بين البرلمان والحكومة إلى نظام غير مسيس ومهتم فقط بالمزايا والخدمات حتى باتت الحكومة نفسها «تشتاق» وتعزف على وتر الحنين لنواب الأحزاب المنهجيين وفقا لملاحظة هادفة تقدم بها وزير المياه المسيس حازم الناصر في أحد الإجتماعات مع رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور.
إنحسار الموجة الحزبية تماما وعدم وجود آفاق لإنضاج تجربة حزبية بسبب هواجس الخوف من الإخوان المسلمين هو الذي يعطل ويعرقل كل ملفات الإصلاح والتنمية السياسية لدرجة أن وزراء في الحكومة يواصلون إظهار الحنين حتى للنائب الإسلامي المخضرم الشيخ حمزة منصور.
وعندما أبلغت «القدس العربي» الشيخ منصور بذلك علق قائلا»…هذه خياراتهم» في الوقت الذي يؤكد فيه الرجل الثاني في تنظيم «الإخوان المسلمين» الشيخ زكي بني إرشيد ان الإصلاح في البلاد أقرب إلى لعبة حيث لا توجد مؤشرات على إصلاحات حقيقية وجذرية.
إسقاط هذه الحسابات المعقدة ممكن بالتوازي مع ملف «الكتل» البرلمانية فهي بإعتراف المجالي «غير ناضجة» وإنفعالية.
وفي رأي الحجوج «كانت وما زالت هلامية» وبإقرار غالبية النواب فردية الطابع بدليل أن بعض النواب يتنقلون بين الكتل بين الحين والآخر لأسباب شخصية أو غير سياسية.
لدى رئيس المجلس عاطف طراونة طموح بان تتمأسس الكتل وفقا لمأسسة مجلس النواب نفسه والرجل كما فهمت «القدس العربي» يطمح في الإنتقال بالعمل التشريعي والرقابي إلى مستويات برامجية لم تعبر عنها عمليا بعد إلا مبادرة الشراكة التي ينتـــقد الســـرور الحـــكومة لأنها تتجاهلها رغم خلوها التام من الإعتــبارات الفردية والمصالح الضيقة.
لكن في كل الأحوال يخفق الإطار الكتلوي في البرلمان في فرض إيقاع منظم على عمله بسبب حسابات إنتخابات رئاسة النواب أيضا والتي ترتكز على الطموح الشخصي والأهواء الفردية والمناكفات بدليل ان ثمانية نواب على الأقل يعلنون بشكل مبكر انهم بصدد ترشيح أنفسهم لرئاسة المجلس عشية التحضير للدورة العادية المقبلة قبل نهاية العام الحالي.
بسام البدارين