سيكولوجية استخدام الفيسبوك: مشروع للتواصل الاجتماعي يتهدده خطر الهوس والإدمان والعزلة

حجم الخط
1

لندن – «القدس العربي»:  عندما أسس مارك زوكربيرغ مشروعه الجامعي، الذي أصبح الآن يعرف بفيسبوك، كان هدفه جعل جامعة هارفارد أكثر انفتاحاً من خلال إتاحة الفرصة للطلاب في التواصل والتفاعل مع بعضهم. وإنطلاقاً من هذا الهدف فقد استمد الموقع اسمه، في بداية الأمر، من فكرة دليل الصور الذي تقدمه كليات الولايات المتحدة إلى أعضاء هيئة التدريس والطلبة الجدد، والذي يتضمن وصفًا للطلاب كوسيلة للتعرف إليهم. وتطورت فكرة المشروع الذي انطلق عام 2004 لتشمل ما يعرف بفيس ماش الذي يقدم صور الطلبة ويتيح لهم التصويت بناء على جاذبية صاحب أو صاحبة الصورة فيستطيع الطلاب من خلاله تقدير وترتيب أكثر الأشخاص شعبية في جامعة هارفارد، حسب الباحث الأمريكي ديفيد كيركباتريك (2010).
وعلى الرغم من أن عضوية الموقع كانت مقتصرة، في بداية الأمر، على طلبة جامعة هارفارد، إلا أنها شملت بعد ذلك الكليات والجامعات الأخرى في الولايات المتحدة، ثم اتسعت دائرة الموقع لتشمل أي طالب جامعي، ثم طلاب المدارس الثانوية، وأخيرًا  أي شخص يسعى للتواصل.
وبذلك أصبح هدف زوكربيرغ بعد أعوام قليلة من تطبيقه للمشروع، يمارس على نطاق عالمي، جاعلاً الموقع أحد أكبر مواقع التواصل الإجتماعي في العالم، ومستقطباً، بعد عشر سنوات من تأسيسه،  أكثر من مليار مشترك. إلا أن هدف التواصل تطور مع تطور التطبيقات والخدمات التي منحها زوكربيرغ للمستخدمين والتي أصبح الموقع بموجبها ليس فقط منبرا للتواصل بل عالماً افتراضياً يعبر من خلاله المستخدمون عن احتياجاتهم الإنسانية ورغباتهم الاجتماعية وأفكارهم السياسية وتفاصيل حياتهم اليومية والشخصية.

حالات مرضية ونفسية

وفي حين أن التفاعل عبر الفيسبوك يمكن أن يكون له نتائج إيجابية فإن العواقب السلبية أصبحت، هي أيضا، نتيجة ممكنة للتواصل المباشر المفرط وتبادل المعلومات التفصيلية. ووفقا  للدراسات، فإن استخدام الفيسبوك لساعات طويلة يؤثر سلباً على طريقة التفاعل مع الآخرين، والطريقة التي ننظر بها لأنفسنا، الأمر الذي يسبب، في كثير من الأحيان، حالات مرضية ونفسية مثل الإدمان، الوحدة، الكآبة، والهوس، بالإضافة إلى مشكال اجتماعية مثل انتهاك الخصوصية، وتنامي ما يسمى بـظاهرة الخرس الاجتماعي.
أثبتت الدراسات أن معظم مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يميلون إلى تقديم هوياتهم الرقمية بطريقة مختلفة عما هي عليه في الواقع. ويقول الدكتور إريك غريغوري، المدير التنفيذي لمركز بحوث علم النفس الإعلامي لـ «القدس العربي» إن «هذا التفاوت سببه أننا في العالم الافتراضي نسعى لتقديم صورة مثالية عن حياتنا للعالم الخارجي. ‘فالمستخدمون عادة ما يسعون إلى  إبراز صورة عن الحياة التي يأملون بها، حياة مليئة بالمرح والنشاط، والأصدقاء، والإنجازات. ولذلك فإنه ليس من الضروري أن تعكس هذه الصورة، في أغلب الأحيان، حقيقة الواقع الذي يعيشونه». وقد أظهرت دراسات في علم النفس أن أولئك الذين يقضون معظم أوقاتهم على الفيسبوك غالبا ما يعانون من مزاج سيء. والسبب هو أنهم يمارسون، دون إدراكهم، ما يسمى بـ «المقارنة الصعودية»، التي ينظرون من خلالها  لحياة الآخرين على أنها مثالية خلافاً لحياتهم في الواقع. وإننا، بذلك، غالبا ما نحتاج للتعامل مع هذا «التنافر المعرفي» عن طريق القيام بالمقارنات التي تشعرنا بالإحباط. وفي تأكيد على هذه النظرية  وجدت دراسة ستانفورد لقسم علم النفس الاجتماعي أن الناس عادة ما تفرط في تقدير سعادة الآخرين. وانطلقت الدراسة بعد أن وجد الباحثون ان أحد طلاب الدراسات العليا لاحظ أن أصدقاءه الذين ينشرون أخبارا وصورا سعيدة عن حياته  في الفيسبوك يعربون في الواقع عن مشاعر الحسد الاجتماعي.
من جانبه يقول الدكتور روبي  لودفيغ الطبيب النفسي في مدينة نيويورك الذي يعاني مرضاه من القلق وعدم الراحة نتيجة استخدامهم للفيسبوك: «المسألة تكمن في توفر الكثير من المعلومات التي يمكن أن تخلق للناس، ولا سيما النساء العازبات، شعورا بالكآبة. فالمرأة العازبة حتماً لاتريد أن ترى رسائل غرامية من زوجة صديقها السابق أو صورا لأطفالهما على الفيسبوك». ويقول برنارد لوسكن المدير التنفيذي  لجمعية لوسكن العالمية لعلم النفس الإعلامي  لـ «القدس العربي» أن هناك العديد من الأسباب التي تدفع مستخدمي فيسبوك للتصرف بشكل مختلف على الفيسبوك. فالكبت، والرغبة في السيطرة وإثارة الانتباه هي من ضمن العوامل التي قد تدفع الشخص لتقديم نفسه بشكل مختلف من وراء الشاشة. الكثير منا يريد أن يبدو أكثر ذكاء، أكثر جاذبية، أكثر تسامحا، أكثر ميلا إلى المغامرة، أكثر نجاحا، وأكثر شعبية. مواقع التواصل الاجتماعي تعطينا منبراً لتقديم أنفسنا في شكل مختلف، وأفضل في بعض الأحيان، يقول لوسكن. ثم يستدرك: ومع ذلك فإن البحث عن نتيجة بشأن ما إذا كان «معظم» الناس يتصرفون بشكل مختلف عما يفعلون في «الحياة الحقيقية» يبقى غير حاسم. والسبب أن الفيسبوك أصبح جزءا من واقع الحياة.
أصابعي تمت برمجتها

بدأ تداول مصطلح الإدمان على الإنترنت أولا عن طريق الباحث كيمبرلي يونغ في المؤتمر السنوي لجمعية علم النفس الأمريكية عام 1996 ليصبح بعد ذلك ظاهرة متنامية، حتى بات يدرج على لائحة أنواع أخرى من الإدمان مثل إدمان المخدرات، والتسوق، والكحول، ولعب القمار. فعندما يكون الشخص غير متصل بفيسبوك، يراوده شعور بالنقص والملل والعزلة، وهذه هي بعض المؤشرات الرئيسية للاستخدام غير المنضبط  للفيسبوك، بحسب العلماء. وفي دراسة أجراها باحثون في جامعة وينشستر البريطانية، طلب من عشرة طلاب اعترفوا بإدمانهم استخدام الفيسبوك التوقف عن استخدام حساباتهم لمدة أربعة أسابيع. وذكر كثيرون منهم أنهم شعروا، بعد إنتهاء المدة، بما وصفوه بـ «الانعزال عن العالم». وقالت إحدى المشاركات من مدينة يوركشاير: «الفيسبوك كان ينظم حياتي. شعرت أني منعزلة تماما عن العالم». وقال مشترك آخر: «شعرت بوحدة فظيعة. ويبدو أن أصابعي تمت برمجتها للبحث عن تطبيق الفيسبوك في كل مرة كنت أمسك فيها هاتفي».
ولكن الدكتور ديفيد جايلز، الخبير في علم النفس الإجتماعي والذي قاد الدراسة، يقول إن الاستخدام المكثف للشبكات الاجتماعية لا يمثل، بالضرورة، خطراً على المستخدمين.
«هناك من يعتقد أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يشكل خطرا ولكن معظم ممن يسمون بمدمني الفيسبوك، هم، في الحقيقة، يقومون بنشاط اجتماعي ضروري ومفيد. من جهة أخرى، هدفت دراسة باسم أرين كاربنسكي عام 2010 للتعرف على أثر استخدام موقع فيسبوك على التحصيل الدراسي لدى طلبة الجامعات، وقد طبقت الدراسة علـى 219  طالباً جامعياً. وأظهرت النتائج أن الدرجات التي يحصل عليها طلاب الجامعات المـدمنون على شبكة الانترنت وتصفح موقع فيسبوك أدنى بكثير من تلك التي يحصل عليها نظراؤهم الذين لا يستخدمون هذا الموقع، كما أظهرت النتائج أنه كلما ازداد الوقت الذي يمضيه الطالب الجامعي في تصفح هذا الموقـع تـدنت درجاتـه فـي الامتحانات.
وبينت النتائج أن 79٪ من الطلاب الجامعيين الذين شملتهم الدراسة اعترفوا بأن إدمانهم على موقع فيسبوك أثرّ سلبياً على تحصيلهم الدراسي، وذلك بحسب دراسة أعدها الدكتور حسين عوض تحت عنوان أثر مواقع التواصل الاجتماعي في تنمية المسؤولية المجتمعية لدى الشباب.

”اللايك” مؤشر للشعبية

○ حصلت الصورة التي نشرتها منذ ساعتين على الفيسبوك على خمسين لايك –  رقم لا بأس به مبدئياً، لا بد أنه سيتعدى المئة مع نهاية اليوم.
○ لقد حذفت البوست الذي نشرته منذ ساعة، لأنه لم يسجل أي تعليق أو حتى إعجاب.

○لا اضغط لايك على أي من صور وأخبار هذه الصديقة، لإنها لم تعجب، يوماً، بأي من الأشياء التي أنشرها.

○ هذا الشخص متعجرف جداً، يحصل على الآف اللايكات، إلا أنه لا يبــدي إعجابه أو تعليقه على بوستات الآخرين، باستثناء بعض الأشخاص المقربين إليه.
هذه بعض الإجابات التي سجلها بعض مستخدمي موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك حول تقييمهم لتفاعل اصدقائهم مع ما ينشرونه على حسابهم الشخصي. ولا بد أن أشخاصا كثرا من مستخدمي فيسبوك يتبعون هذا المنطق في التعامل مع المتابعين في صفحتهم الخاصة. وتظهر الأبحاث أن اندفاع المستخدمين للتحقق من كل إعجاب جديد أو كل تعليق إيجابي مرتبط بشكل مباشر بنشاط المكافأة في الدماغ. فعندما يتعامل مستخدم الفيسبوك مع مجموع المتابعين على أنه، إلى حد ما، مؤشر لشعبيته يدخل في لعبة الحصول على المزيد والمزيد من المعجبين، سعياً منه للحفاظ على هذه الشعبية.
ويقول الدكتور غريغوري لـ «القدس العربي» إن نظام «اللايك» هو شكل آخر من أشكال المنافسة والتحقق من الطريقة التي يرونها بها الآخرون. نحن نميل إلى كسب المزيد من القوة والقدرات، والجاذبية. وخدمة اللايك في الفيسبوك أصبحت أحد المنابر التي تتيح لنا فرصة تحقيق ذلك.
وفي المجال نفسه، يقول لوسكن: ”خلقنا نحن معشر البشر اجتماعيين، من هنا تأتي تسمية مواقع التواصل الاجتماعي. وخدمة «اللايك» هي جزء من سلوكنا المعروف باسم «الاتفاق الاجتماعي». الناس تبدو أكثر راحة في الأماكن العامة عندما يؤيد الآخرون تصرفاتهم وكذلك الأمر في عالم الفيسبوك. فلنأخذ مثال ساحة الرقص. عندما تبدأ الموسيقى تكون ساحة الرقص فارغة حتى يتجرأ أول زوجين في التوجه نحوها. بعد ذلك، سينضم، تدريجياً، الكثير من الناس. وكذلك الأمر بالنسبة للمستخدم الذي يضغط «لايك» على تعليق معين، إنه وسيلة سهلة وطريقة مختصرة للتعبيرعن اتفاقنا مع الأفكار التي يعرب عنها آخرون، وتتيح أيضا للمستخدم فرصة إظهار رأيه دون بذل الكثير من الجهد. أما للمتلقي، فالإعجاب يعني المصادقة أو الموافقة والاهتمام. وكلما تلقى عددا أكبر من المتابعين زادت ثقته بنفسه وشعبيته.

شراء متابعين وهميين

يقال إن المال لا يمكنه شراء الحب. ولكن، ما هو مؤكد، أن المال يستطيع شراء المعجبين والمتابعين في العالم الافتراضي. فالإرتفاع الهائل في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كان له أثر كبير في دخول المشاهير والشركات التجارية في سباق عالمي بهدف تسجيل أكبرعدد من المتابعين والمعجبين. فالكثير من الفنانين والشركات التجارية يسعون لجذب المتابعين بهدف تحقيق مكاسب مالية ونفوذ مهنية كبيرة، الأمر الذي يدفع الكثير منهم لشراء متابعين وهميين.
وقد وجدت دراسة لأسوشيتد برس أن المتابعات الوهمية تتزايد في السوق العالمية وإنه، وفقاً للسجلات والدراسات، فإن شركات عديدة تجني الملايين من الدولارات عن طريق خـــداع وسائل الإعلام الاجتماعية.
أما بالنسبة للفيسبوك، فقد بين تقرير حديث أن ما يقدر بـ 14.1 مليون من أصل 1.18 مليار من الحسابات هي حسابات مزورة، مما يسيء للشركة التي بنيت على مبدأ أن المستخدمين هم ناس حقيقيون. وينكر معظم النجوم أنهم يشترون متابعين على «تويتر» و«فيسبوك» و«انستغرام» وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن أرقام المتابعين تعكسنجوميتهم، ويحتفلون بكل مليون جديد يسجلونه.

ريما شري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول موساليم . المغرب:

    لكل عصر ” إدماناته ” الخاصة به .
    واللهم الإدمان على القرائة والكتابة وعلى التواصل ، ولا الإدمان على ” أشياء أخرى،معرفوة مخاطرها ).
    الزوجة ( أو الحبيبة ) هي من تدفع ثمن( باهض ) إدمان الرجل على المواقع ….اللي هوّ يزرها .
    وأنا أتستئل عن سبب إدماني – أنا – على موقع القدس العربي ..؟.وكيف التخلص منه ؟.

اشترك في قائمتنا البريدية