لم يكن لعام 2013 من معنى قابل للفهم، عربيا، سوى ما اجترّه اجترارا، في نسخة أردأ وأخطر، من بلايا عام 2012 ورزاياه. كان عاما توضيحيا في عبثه النكد، تفصيليا في خبطه الفوضوي. لم يترك 2013 للعرب، خاصة في بلدان الثورات الشعبية، هامشا لعدم الفهم. بل إنه فسر ووضح، وأفاض في بعض الحالات في شرح، ما أعلن عنه 2012 أو أرهص إليه.
ذلك أن 2012 قد كان عام الرجوع إلى الجادة والمثابة إلى الرشد والعودة إلى السنن الحميدة، بعد ضلالات عام 2011 الذي أوقد جذوة الأمل في إمكانية الانعتاق من العبودية والالتحاق بركب الإنسانية. لا نقول ركب الديمقراطية أو الحرية أو الليبرالية، بل ركب الإنسانية. فقد كانت الإنسانية كلها تقريبا في واد، ونحن لوحدنا في واد. وفجأة، بدون سابق إشعار، انبجست ينابيع الإمكان بعد أزل من الانحباس. فبدا أن 2011 كان عام انتهاء مقولة الاستثناء العربي أو انتفائها لأننا رأينا كيف أثبتت الشعوب العربية أنها عادية كسائر الشعوب. لا تحب الطغيان ولا شغف لها بالظلم والاضطهاد.
رأينا كيف أن الشعوب العربية تحب العيش الكريم والرأس المرفوع، ولا تسعد بالخوف وما يشيعه من ثقافة النفاق. فهي ترى كل يوم كيف أن أبناء البلاد الأخرى قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا وحفظتهم دولهم أحرارا، رغم أنهم محرومون من نعمة الزعيم الأوحد والقائد الضرورة ‘العلامة الفهامة الطيارة النفاثة المدفعية الثقيلة’، كما يقول الشاعر الراحل الطاهر الهمامي، صاحب ديوان ‘طلعت الشمس كالخبزة’ وأحد رموز تيار ‘في غير العمودي والحر’ الذي كان من مظاهر السخط على الأوضاع في تونس الستينيات والسبعينيات، ومع ذلك وجد مجالا على أعمدة ‘الفكر’، مجلة رجل الدولة المثقف الراحل محمد مزالي وصديق عمره الأستاذ البشير بن سلامة.
ولكن إذا كان 2011 عام انتفاء الاستثناء العربي على مستوى الشعوب، فإن عام 2012 كان عام استئناف التسلطية العربية على مستوى النخب. على أن الأمر لم يحسم فعلا إلا بعد أن أتى 2013 ‘مصدقا لما بين يديه’، حسب التعبير القرآني، أي مؤكدا لما سبقه، من آيات الإمعان في الخراب. أتى العام المنقضي ليضع النقاط على الحروف: ليس لكم، أيها المواطنون الواقعيون، خيار إلا بين القميص الأفغاني والحذاء العسكري. إما دولة الحقيقة أو ‘الدولة العميقة’. الاستبداد الجديد أو الاستبداد المعهود. الرداءة الإسلاموية المخيفة أو الرداءة النظامية الأليفة. فبماذا أجاب الحس الشعبي المتفنن في تفاصيل الشأن اليومي تدبّرا وتدبيرا؟ قال: بما أنه كلما مات ملك عاش ملك، وذلك منذ كانت الدنيا وأمها، وبما أن حجج الانقلاب تبدو أوضح وأرجح من ذرائع الانتخاب، فإن الحاصل أن الرداءتين سيان.
ولكن الذي حصل فعلا هو أن الحس الشعبي قد ثاب، تحت تأثير الإقناع العسكري والبلاغة المدججة، إلى مألوف رداءة تملكه الندم على أنه حدث النفس يوما بخيانتها واستراق النظر إلى سواها.
ذلك هو العام المنقضي. إنه عام القطيعة النهائية مع آمال 2011. عام ‘الانقلاب الدائم’، حسب عبارة ميتران الشهيرة، على إمكان اللحاق بركب الإنسانية. إنه بداية عهد مديد من تعهد الخراب الشعبي بالخراب الرسمي. عهد من الرداءة الملحمية أسست له هذه النخب الصبيانية التي لا منجز لها إلا في ممارسة العدم السياسي.
نرجو الله ان يكون العام الجديد افضل للامةالعربية
كما عودتنا سيدي مالك-تنقش-حسب التعبير التونسي ومن نقشاتك مايلي*ليس لكم خيار الا بين القميص الأفغاني والحذاء العسكري*أراح الله تونس من الاثنين.
شكرا يا صديقي مالك
على مثل هذاا التحليل النافذ إلي عمق المسار في أعوام ما بعد الثورة وقد تداعى الحلم بعيد نتائج الانتخابات …قبضت على لحظة كشف أزالت القناع وتعرى الواقع المر..الكالح ..الأسود…قبل الاغتيالات الشنيعة ..و الرهيبة وما بعدها ..وبالفعل تبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض .ومع ذلك استمتعت بالكتابة الصحافية الشاعرية التي كنت دوما تمارسها
من منطلق ما ذكر في مستهل الفقرة الثالثة من هذا المقال يتراءى للعالم أن الأمة العربية هي ماضية في إصلاح ذاتها بذاتها. والغرب أعجز من أن يشحن ” صبيانه ” في تعطيل حركة التغيير و ” دزهم ” وحشرهم بالمال لصالحه. لقد ولى وانقضى زمن التبعية وعلى الغرب أن يخضع للعرب فإن لم يكن اليوم فغدا. فرداءة الحكم لها
الشعوب بالمرصاد رغم ” تكركير ” هذه الأخير أي الشعوب العربية.