ما يجعل من «داعش» طفرة مفاجئة ليس ظهورها الشبحي ووحشيتها الخارقة فقط، وإنما كذلك هيمنة أنماط تفكير «موضوعية» في مجال االثقافي والسياسي، قد تحسن شرح ما هو واقع، لكنها لا تملك أدوات ولغة لاستيعاب ظهور فاعلين وذاتيات جديدة. الأمر يتعلق بضيق أفق تفكيرنا، وليس فقط بغرابة هذا الكائن الجديد.
تقول المقاربة المهيمنة في تفكيرنا إن «داعش» وليدة شروط «موضوعية»، اجتماعية واقتصادية وسياسية وديمغرافية…، ونتكلم على تزايد سكاني وعلى استبداد سياسي وإفقار اقتصادي، وانسداد تاريخي. ويجري لفت النظر إلى أن ظواهر مقاربة لـ»داعش» تنتشر في بيئات محطمة. هذا مؤكد. لكن «الشروط الموضوعية» لا تنتج من تلقائها ذاتيات سياسية. هنا قفزة لا تستطيع القيام بها أية «معرفة علمية» و»موضوعية»، وإن كانت مؤهلة جيدا لإلقاء أضواء على الإطار العام للظاهرة وصعودها. الواقع أن هذه المقاربة تعطي الانطباع بأنه إذا توفرت الشروط الموضوعية تتولد الظاهرة تلقائيا، وسيتولد معها فاعلوها. هذا ليس غير مقنع فقط، وإنما هو سحري أيضا.
في القطب الآخر للتفكير هناك نظرية مشهورة جدا وشائعة جدا، نظرية المؤامرة. هنا «داعش» مصنوعة مخبريا في إيران، أو على يدي النظام الأسدي، أو أنها صناعة أمريكية. قد تكون مواد التصنيع محلية، لكن «البرنامج» و»الروح» بثها الصانع القدير في صنيعته. لا شيء يفاجئ نظرية المؤامرة، فهي تعرف تفسير كل شيء.
ولعل هذه النظرية، وهي تحول الفاعلين إلى خالقين من عدم، ردٌ على النظريات الاجتماعية «الموضوعية» التي تنكر وجود الفاعلين أو تردهم إلى حاملين سلبيين لبنيات سابقة عليهم. وقد تكون ظهرت كنتاج جانبي للعلمنة، وصعود الموضوعية والعلموية، وظهور العلوم الاجتماعية.
لكن تطورت في الإنسانيات في بضعة العقود الأخيرة مناهج ومقاربات تعنى بدور الفاعلين، بعد أن كانت هيمنت المقاربة البنيوية والوظيفية الطاردة للفاعل، والماركسية شبه الطاردة له. الظواهر الاجتماعية والسياسية، مثل ظهور داعش في مثالنا، نتاج لبشر في شروط محددة، لكنهم مشكّلون أيضا للظروف ومبادرون، ويعملون على توجيه الأوضاع المتاحة في كل وقت بما بناسبهم. ولديهم في كل وضع تقريبا هوامش مناورة وحرية، وقلما يكونون مضطرين كليا لفعل ما ما فعلوا تحديدا وحصرا.
يمتنع ونحن نفكر في ظهور وصعود «داعش» مثلا أن نتغافل عن شبكات سلفية قوية، إقليمية ومحلية، ومعولمة، تجمع بين عقيدة متشددة، وبين أقنية اتصال وتنظيم لا تكاد الدولة، أية دولة، تنجح في مراقبتها، الانترنت وغرف المحادثة، وبالتأكيد مواقع وصفحات تواصل وتنسيق مغلقة، ثم المال الوفير من شبكات خليجية تجمع بين تحجر الفكر وبين النموذج الفكري والسياسي المجرد جدا حتى في مجتمعاتها هي، ومن باب أولى في مجتمع أكثر تعقيدا كالمجتمع السوري. السلفية عقيدة طاعة في تلك البلدان (ربما تختلط الطاعة هناك بالتقية وبالحساب العقلاني لموازين القوى)، لكنها هنا عقيدة تمرد مطلق، وإن يكن منتجا لطاعته المطلقة حين يسيطر. مثال السلفيين مبرأ كليا من أي بعد تحرري أو إنساني، إن من حيث أصوله التاريخية (تعرض أبرز ملهميه لتجارب قاسية، جعلتهم شخصيات قاسية متشددة)، أو من حيث البيئات الاجتماعية المصدرة له. وهو منفصل عن أي إطار ثقافي حي، ما يجعله عقيدة عابرة للثقافات والمجتمعات، وعولمية بيسر، على ما يفيد أوليفيه روا في «الجهل المقدس».
عن هذا المزيج من العقيدة والمال والاتصال- التنظيم، وظروف سياسية معلومة («حلف مقدس» من الأميركيين والسعوديين والمصريين والباكستانيين… حارب السوفييت في أفغانستان، واستورد مقاتلين من بلدان عربية، جرى تصديرهم بعد ذلك تحت اسم «الأفغان العرب») كانت تولدت قوة تخمير عالمية، «القاعدة». وعبر تاريخ قصير، لكنه مليء بوقائع مشهدية لا تسقط من الذاكرة، صارت «القاعدة» لقطاع من الشباب في مجتمعات المسلمين الحالية مثالا بطوليا شديد الإغراء، وفرصة لحياة كبيرة، ملحمية، وهذا في مجتمعات بأكملها تعيش أجيالها حياة صغيرة، ينخرها الفساد والتخاذل والتفاهة والذل. هذا البعد الرمزي الأسطوري مهم فيما نرى في ولادة الحركات الإيديولوجية والسياسية الكبيرة عموما. وهو بالغ الأهمية في بلدان تعاني من فراغ شديد في المشروع والمشروعية، والفكرة الجاذبة، ولا يجد أكثر سكانها معنى لحياتهم.
وفي سوريا، سهّل من صعود هذا الفاعل أن هناك خطوط تفاعل وعمل كانت مفتوحة بين أجهزة النظام وبين مجموعات جهادية، محلية وعربية، كان يتدبر أمر إرسالها إلى العراق مرة، وإلى لبنان مرة، ويعتقل مجموعاتها مرة، ويطلق سراحها مرة (مما هو ليس من عادة النظام السوري حتى بخصوص سجناء رأي سلميين). النظام يلعب بهم ومعهم، لكنهم هم أيضا يلعبون. هو يمكر، هم يعرفون ذلك، وهم يمكرون أيضا، والله خير الماكرين.
وفي هذه الأثناء بني في المختبر العراقي الجسر الذي سيقود من «القاعدة» إلى «داعش»: «دولة العراق الإسلامية»، وقد ولدت في الظلام من تلاقح قاعدة أبو مصعب الزرقاوي والبعثية العراقية المهزومة.
ولعل هناك عاملا مساعدا بصورة خاصة على حدوث الطفرة الغولية، يتمثل في درجة متقدمة من تشوش المدارك وحيرة النفوس، ومن الشعور بالضآلة وهوان الشأن، في بيئات الطفرة. في سوريا درجة متقدمة من الضياع والغربة في البيئات المسلمة السنية، المنحدرة من أحياء وبلدات وأرياف متدهورة، وتشهدا تكاثرا سكانيا كبيرا. وهي تعاني أكثر من غيرها في البلد من الشعور بالدونية ومن فقدان المراجع الموثوقة، ولديها، تاليا، الطلب الأقوى على اليقين والثقة بالنفس، ولا تجد عرضا مواتيا لهما في غير صيغ الدين المتشددة. الديانة السلفية المبسطة، وبتصرفها عقيدة الولاء والبراء المانوية التي تشبع الطلب على الهوية والتمايز، وكذلك مفهوم العزة الإسلامي ذي المنشأ الحربي والامبراطوري، توفر لجمهور معزول ومحتقر فرصة للثقة بالنفس، ولتهدئة ما في أغوار النفس من انفعالات ورغبات وأشواق.
في المحصلة، لدينا «داعش» وما يشبهها لأن هناك من ناضل من أجلها، وإن في شروط مواتية. «داعش» في المحصلة مزيج من التنظيم السلفي الجهادي، العنيف والسري، ومن البعثية العراقية المهزومة، ومن السنية السورية المشتتة الكيان والوجهة. هذا الغول وليد العنف والكراهية والظلام والخوف والمهانة.
هذه الخطوط العريضة أقل من أن تجيب على السؤال عن كيف ظهرت «داعش». لكن لعلها تكفي للقول إن «داعش» طفرة، وإننا نحتاج إلى طفرة في التفكير لنستوعب تخلّق هذا الوحش.
ياسين الحاج صالح
داعش أصبحت معروفة منذ سنتين،فما بالكم في ان معظم الأنظمة العربية أسوأ من داعش،وهذا مستمر منذ عشرات السنين من قتل وسجن وحرمان وتدمير الاوطان والاستعانة بالأجنبي ،وغض الطرف عن اسراءيل بما تعيث به خرابا وقتلا وهدم البيوت وغير ذالك ،والآن تدنيس الأقصى وهم يتفرجون،ماذا يريد حكام العرب من شعوبهم ،القعدة،داعش وما وراء داعش،الخطاء هو خطاء الأنظمة المخذولة والمهزومة،
تحليل موضوعي ومعمق لفهم ظاهرة داعش نحنوا بحاجة فعلية لدراسات معمقة من هذا النوع لفهم غرالة وتعقيد المشهد الذي نعيشه هذه الايام.
لاول مرة اقرأ محاولة موضوعية لفهم هذه الحركة بعيدا عن الوصفات الجاهزة التي تقدمها لنا نظرية المؤامرة
صحيحٌ كل الصحَّة، يا أخ ياسين، أن:
تنظيم «داعش» في المحصلة مزيج من التنظيم السلفي الجهادي، العنيف والسري، ومن البعثية العراقية المهزومة، ومن السنية السورية المشتتة الكيان والوجهة.
ولكن مما هو أكثرُ صحَّةً، من منظور أشدَّ خطورةً أيضًا، أن:
تنظيم «داعش»، بوصفه مزيجًا كهذا، لم يظهر على أرض الواقع بهذا الزخم الفجائي المرعب إلا بالتمويل الجادّ والحاسم والمصيري من قبل جهات سعودية وخليجية “متأمركة”، في المقام الأول، جهات باذخة في الثراء والعيش ما دون-الحيواني، وخصوصًا عندما استشعرت هذه الجهات خطر المدّ الشعبي الثوري الذي سيقتلها من جذورها عاجلاً أو آجلاً، من طرف، وخطر المدّ الإيراني (الشيعي) الذي اتّبع، منذ البداية، سياسة التطفُّل ما دون-الحيواني كذلك على أي شكل من أشكال النضال ضد الاحتلال الخارجي والثورة على الاستبداد الداخلي، من طرف آخر.
ثانيا وقد جزات التعليق املا ان لا يحذف منه شيء لان ما كتبته شائك :
* ليس صحيحا ان الفكر السلفي شر مطلق وان الناس المهمشة المنبوذة الشاعرةبالدونية والاقصاء هي من تتبناه اعتقد ان تحليلك لكيمياء التفاف السوريين حول السلفية الجهادية وهم المسلمون التقليديون بل والمحرومون لفترة طويلة من ممارسة ( حرياتهم الشعائرية بسبب اجراءات النظام القمعي ضد كل ما هو ديني بعد ثورة حماة ) جانب الصواب من حيث التالي :
اولا قيادات الحركة السلفية واجهت قمعا شرسا من قبل السلطات المستبدة في السجون وهذا يعني ان هذه الفكرة لا تمثل فكر الطاعة كما وصفتها الا في طبقة (علماء الدين الحكوميين وهم هنا طبقة كاملة من مثقفين وعلماء دين وصحفيي السلطة ) ولهذا نجد ان اول من حاربها هي السلطات المستبدة واول من حاربتهم السلفية الجهادية هي انظمة الاستبداد وهذا يعني بشكل لا لبس فيه انه ليس فكر الطاعة كما يصور مقالك ابدا فمن تخرج من السجن لانه محتج شرس هو انسان مقاوم للظلم بغض النظر عن بنيته الفكرية وفي حالة معارض عقائدي فانه لا يمكن ان يقوم بما يتناقض مع فكره الديني ( الطاعة ) وحتى سلفية الخليج هي سلفية معارضة جدا للانظمة الملكية .
* ثانيا : ليس صحيحا ان التفاف السوريين حول السلفية الجهادية مرده امال المجد العظيم والخروج من احتقار الذات والتهميش والدونية هذا تحليل مريض جدا – مع الاحترام الكبير لك-بل سببه ان الذين اثبتوا حضورهم على مشهدية ارهاب الدولة واستطاعوا ردعها وضحوا باخلاص -نمط العمليات الاستشهادية ضد شبيحة النظام ومقرات استخباراته الباستيلية -مع الاعتذار من الباستيل ونصروا المستضعفين كانوا سلفيين يجمعهم مع مسلمي سوريا التقليديين الاسلام ولا يوجد اي شعب في العالم لديه ماض عريق سواء كانت دولته الحالية ناجحة او فاشلة يقصي تاريخه بل ان التاريخ هو ملهم كبير لكل شعوب الارض ومصدر للتعبئة وهذه ليست خصوصية سلفية او سورية .
ثالثا : لا اتفق معك على ان السلفية شر مطلق وبعيدة عن الانسانية هذا تعميم يفتقرالى دراسة الحركات السلفية واثرها والفرق بينها (ويدعشها تدعيشا جمعيا ) فمثلا جبهة النصرة ليست داعش لا فكرا ولا ممارسة ولا سلوكا وهي مع هذا سلفية الوجهة -مع الانتباه ان لدي نقدا كبيرا على السلفية واصوليا ايضا وحضاريا – فهذه الجبهة منسجمة مع دين الشعب السوري مقاومة ومعتدلة في حق الاقليات وقوية عسكريا لماذا اذن نشخصها على انها مرض ونصنفها على انها داعش خطا التشخيص هذا يخدم ارهاب الدولة السورية في شيطنة المعارضة يحولنا الى ببغاوات تعيد شيطنة السلفيين من وراء النظامين السوري والايراني وهم شريحة لهم حق في اتخاذ معتقداتهم ولهم دور ايجابي -وليس عميلا في تحرير افغانستان ( حالة استغلوا فيها الحرب الباردة ولم يتحولوا الى عملاء (سعوديين ) لكنهم طبقوا معتقداتهم وانتمائهم لامتهم وكانوا نموذجا جيدا في كسر الاحتلال الروسي والامريكي فلماذا علينا ان نخفض من شانهم ولصالح من حتى لو اختلفنا معهم احيانا قد نكتب ضد فكرة ما لاننا نراها خطا ولكن يجب ان ننتبه ان بعض العلمانيين لم يتحرروا من طائفيتهم وانهم كتبوا ضدالفكرة السلفية بوصفها ( بنية النظام السعودي ) وليس لانهم ضد الفكر الديني وجاءت كتابتهم ضد هذه الفكرة من حيثلا يعلمونبل ان و بعضهم يعلم ويقصد في اطار سعي طهران لتقويض النظام السعودي متناسين ان ايران نفسها دولة تقوم على طاعة الولي الفقيه نائب المهدي المعصوم وتقترف ابشع الجرائم باسمه فلماذا نركز النقد على جهة واحدة ونترك الاخرى تفضل بقبول احترامي
داعش ليست الا نتيجة انحطاط ثقافي وافلاس حضاري للمجتمعات العربية الاسلامية
قيادات داعش مخترقة استخباريا من النظامين السوري والايراني وسيجهدانلابعاد التهمة عنها وهي تدير مخطط تقسيمي واضح المعالم لكل من يقرا الاحداث وفي يده خريطة واستعمال التوحش وتصديره تخصص النظامالسوري كماتفضل الكاتب فالنظام السوري من افج عنها وعن غيرها مثل فتح الاسلام ووردها الى العراق اثناء الحرب الامريكية كلنانعرف ذللك انا اؤمن بشدة بنظرية المؤامرة في موضوع داعش لان اداءها لا تخطئه العين