وهران – (الأناضول) : عُرض ضمن الدورة العاشرة لمهرجان وهران الجزائري للفيلم العربي، فيلم “غدوة حيّ” (غداً حيّ)، للمخرج التونسي، لطفي عاشور، وهو يرصد واقع ويستشرف مستقبل المجتمع التونسي بعد الثورة، التي أطاحت بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي (1987- 2011.
الفيلم، من إنتاج عام 2017، وشارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بالمهرجان المقام بمدينة وهران (غرب) من 25 إلى 31 يوليو/ تموز الجاري، ويعالج قضايا عديدة متصلة بالمواطن التونسي، ومنها علاقته بجهازي الأمن والقضاء، المتهمين بالفساد، ودور الإعلام في كشف الحقائق، ومستقبل الشعب -ولاسيما الشباب – بعد الثورة.
تلك القضايا يجسدها المخرج، خلال 85 دقيقة، عبر أحداث تبدأ عام 2014، ثم يعود بها إلى ليلة 14 يناير/كانون ثان 2011 (ليلة الإطاحة بزين العابدين بن علي)، عندما تجتمع شخصيات الفيلم الرئيسية الثلاثة، وهم “عليسة” و”حسين” و”زينب” مصادفة في مظاهرة ضد “بن علي” استخدمت فيها الشرطة الغازات المسيلة للدموع.
ليلة 14 يناير
حكاية “الفيلم” تدور حول محاولة اغتصاب فتى عمره 15 عاما في تلك الليلة، وبعدها يلتقي الفتى بـ “زينب”، وهي صحفية، وصديقتها “عليسة” (أمها فرنسية)، أخصائية في تعليم لغة الإشارة لفاقدي السمع والعاجزين عن الكلام، وقد عادت من فرنسا وتحلم بالعيش في بلدها تونس حياة رغيدة بعد الثورة.وكان هذا الفتى قد ساعد “زينب” و”عسيلة” على الهرب ليلة 14 يناير، لكنه وقع بين يدي رجل أمن (والد زياد صديق زينب) حاول إغتصابه، غير أن “زينب” أنقذت الفتى في اللحظة الأخيرة، وأصابت رجل الأمن بجروح خطرة في رأسه أدت إلى عجزه عن الحركة.وبعد الأحداث التي شهدتها تونس، وعرفت بـ”ثورة الياسمين”، بدأت الشرطة تبحث عن الفتى لتأخذ بثأر رجل الأمن، إلا أنّ الفتى لقي حتفه في عملية تهريب قام بها ليؤمن رزقه هو وجدتّه الفقيرة في ظل تأخر الفتاتين عن مساعدته.
فساد وتهريب
في قالب تشويقي مثير يصوّر المخرج عاشور يوميات الصحفية والأخصائية، عبر مسار تحقيق قضائي، عام 2014، حول الحادث، حيث تسعيان إلى كشف ملابسات الواقعة، ما يمنحهما فرصة لإعادة ترتيب قرارات إتخذوها في حياتهما ومواقف يشوبها الصواب تارة والخطأ تارة أخرى.
ويرصد الفيلم المشاكل والعوائق التي واجهت الشابتين في الوصول إلى الحقيقة، سواء على مستوى القضاء وأجهزة أخرى، وكيف استفحل الفساد وتوسع نشاط التجارة الموازية (التهريب) والتطرف الديني.
وشارك في كتابة سيناريو “غدوة حي” كل من ناتاشا دوبونشار، وأنيسة داود، ولطفي عاشور، وهو من بطولة كل من دوريا عاشور، وأنيسة داود، وأشرف بن يوسف، وغازي زعباني، وآخرين.
اسم الفيلم، وفق أنيسة داود في تصريح صحفي سابق، يحمل رمزا معروفا في تونس، فالغدوة هي الغد والحي أي القادم، والمعني معا هو إن شاء الله نقوم بعمل ذلك غدا أو ربما نقوم بذلك، وقد تم حذف الألف واللام من المقولة لتصبح “غدوة حي”، وتعني أن ذلك سيحدث غدا بالتأكيد.
رسالة أمل
عن “غدوة حي” قال الممثل غازي زعباني، إن الفيلم “يحكي عن الثورة التونسية وما بعد الثورة “عدم فهم المواطن للثورة برز من خلال التحقيق القضائي الذي اعتمد في قصة العمل”.وأضاف زعباني، في تصريحات للأناضول، أن “الفيلم يمرر رسالة أمل، وهي ما جسده العنوان، رغم حدوث وقائع كثيرة في تونس”. وأضاف “اعتبر أن “مثل هذه الأحداث تشهدها أي ثورة في العالم، لكن الثورة التونسية تحتوي على الكثير من اللبس والقضايا التي لم يفهمها المواطن”.
ولفت الممثل التونسي إلى أن “ثورات الربيع العربي كما تسمى بدأت من تونس، لكن في العمل أراد المخرج تقديم رسائل متعددة، منها البحث عن الحقائق، ومنها حقيقة ما حدث وفك ألغاز 14 يناير، لاسيما وأنّ الثورة صنعها الشباب، الذين أشعلوا شرارتها الأولى”.
واندلعت الثورة التونسية، في 17 ديسمبر/ كانون أول 2010، تضامنا مع الشاب محمد البوعزيزي، الذي أضرم النار في جسده (لقى حتفه لاحقا)، إحتجاجا على مصادرة سلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد (وسط) عربة يبيع عليها خضروات وفاكهة، ثم تلقيه صفعة من شرطية.
أجواء مشحونة
ووفق الناقد السينمائي الجزائري، نبيل حاجي، فإن “غدوة حي” يمثل “تجربة مهمة، خاصة وأنّه أول أفلام لطفي عاشور الطويلة، واعتبر أن “الشيء المميز في العمل هو محاكاته للثورة التونسية، بحيث تمكن صاحبه أن يجعل الجمهور يعيش الأجواء المشحونة، التي شهدتها تونس ليلة التغير التاريخي في هذا البلد”. ومضى حاجي قائلا، في حديث مع الأناضول، إن “المخرج اشتغل جيدا على مستوى الشخصيات من خلال إدارتهم الجيدة وتعاطيهم المميز مع أدوار القصة المختلفة”.معتبرا أن النقطة الأخرى التي تحسب للفيلم هو تحكمه في أدوات التعبير السينمائي” لغته السينمائية كانت منسجمة مع طبيعة الموضوع، ورافق المخرج شخصياته جيدا في البحث عن الحقيقة المتعلقة بالثورة، فضلا على أنّ الفيلم ترك مساحة أمل رغم كل ما حدث سابقا في تونس عبر ثورة 14 يناير 2011″.
وختم الناقد الجزائري بأن “المخرج جعل نهاية الفيلم تحمل أملا وتطلعات نحو غد أفضل على صعيد الحرية والديمقراطية والعمل والعيش الكريم، رغم مختلف الإنكسارات. المخرج جعل من هذا الفيلم أنشودة أمل للتعبير عن انتصار الإنسان”.