إسطنبول- إحسان الفقيه:
يصر مسؤولون أمريكيون وفق معطيات قد تكون بحوزتهم على أن إقامة علاقات طبيعية بين السعودية وإسرائيل أمر حتمي بعد اتفاق الإمارات وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما في 13 أغسطس/ آب.
ويعتقد جاريد كوشنر المستشار في البيت الأبيض، والمكلف من الرئيس الأمريكي بمبادرة السلام في الشرق الأوسط (صفقة القرن) أن الرياض وتل أبيب ستفعلان أشياء عظيمة معا، وستصب في صالح اقتصاد ودفاع المملكة، وستساهم في الحد من قوة إيران في المنطقة.
وفي حديث له مع إحدى المجلات الأمريكية في 26 أغسطس/ آب، تحدث كوشنر عن أن اتفاقا مماثلا بين إسرائيل ودول الخليج الأخرى، بما فيها السعودية هو أمر حتمي، وأضاف أن السؤال يبقى عن الإطار الزمني للقيام بذلك.
ولم يصدر عن السعودية أي موقف رسمي حتى بعد أيام من إعلان اتفاق الإمارات وإسرائيل على التطبيع وترحيب رسمي من دول عدة بالمنطقة، مثل البحرين وسلطنة عمان والأردن ومصر، مقابل انتقادات من السلطة الفلسطينية المعنية بالسلام أولا، ودول أخرى مثل الجزائر والمغرب وتونس وغيرها من الدول التي أكدت على حقوق الشعب الفلسطيني دون أن توجه انتقادات مباشرة للإمارات.
ومنذ إعلان الاتفاق، عقد مجلس الوزراء السعودي اجتماعين في 19 و25 أغسطس/ آب، تطرق إلى قضايا إقليمية عدة، منها ما يتعلق باليمن وليبيا وغيرهما، دون التطرق إلى الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.
لكن وزير الخارجية السعودي أعلن من برلين في 19 أغسطس/ آب خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني، أن بلاده لن تطبع العلاقات مع إسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني شامل على أساس المعايير التي حددتها المبادرة العربية للسلام عام 2002 وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر عربية، لم تذكرها بالاسم، قولها إنه “من غير المتوقع أن توقع السعودية رسميا على اتفاق مع إسرائيل في هذه المرحلة، لكن هناك احتمالات لتعاون بين البلدين بعد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي”.
وتتحدث تقارير غربية وأخرى إسرائيلية عن تعاون سعودي إسرائيلي غير معلن على الرغم من عدم وجود علاقات رسمية بين البلدين.
وتشير تقارير غربية كذلك إلى وجود نوع من العلاقات غير المعلنة بين السعودية وإسرائيل تعززت في السنوات الأخيرة بعد تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد الذي يُنظر إليه على أنه الحاكم الفعلي للمملكة، وذلك في سياق الشراكة الاستراتيجية في مواجهة التهديدات الإيرانية بالمنطقة.
وفي تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبر قناة “سكاي نيوز” الإماراتية، تحدث أن هناك دولا عديدة ستوقع اتفاقيات سلام معنا في المستقبل، دون أن يذكرها بالاسم.
وفي مناسبات عدة، كشف نتنياهو عن لقاءات عديدة جمعته بزعماء عرب ومسلمين لم يتم الإعلان عنها، مؤكدا أن هؤلاء يتحدثون إليه بأن مصلحتهم الحقيقية تكمن في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وتعتقد الولايات المتحدة أن الموقف الإماراتي والإسرائيلي يتطابق إلى حد ما مع الموقف السعودي من التهديدات الإيرانية للأمن والاستقرار في المنطقة.
كما ترى أن هناك حاجة لتنسيق أكبر بين الدول الأربع في مواجهة تلك التهديدات، حيث سبق أن دخلت إسرائيل بشكل مباشر في عملية “الحارس” لحماية الملاحة في الخليج بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة دول أوروبية وأخرى عربية منها السعودية والإمارات والبحرين.
وتتشارك بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مخاوفها مع إسرائيل بشأن التهديدات الإيرانية لأمن واستقرار المنطقة والتهديدات المماثلة لإسرائيل التي طالما هددت إيران بإزالتها من الوجود.
وكانت الإمارات وإسرائيل قد أعلنتا في 13 أغسطس/ آب عن إقامة علاقات رسمية كاملة كجزء من اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة، في مقابل تعليق مؤقت وليس وقف أو إلغاء لخطة الضم الإسرائيلية لأراض عربية في الضفة الغربية وغور الأردن، وهي الخطة “المجمدة” أصلا قبل توقيع الاتفاق بعد ردود فعل رافضة لها من عدد من الدول الكبرى ومن الأمم المتحدة.
ويمثل الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ثالث اتفاق توقعه إسرائيل مع دولة عربية بعد اتفاقيات “كامب ديفيد” مع مصر عام 1979 ووادي عربة مع الأردن عام 1994.
وتواصل الإدارة الأمريكية جهودها مع دول عربية عدة مثل البحرين وسلطنة عمان والسودان لتوقيع اتفاقيات مماثلة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وفي أكثر من مناسبة، صرح نتنياهو أن بلاده تعمل على تسيير رحلات جوية مباشرة بين تل أبيب وأبو ظبي يمكن لها أن تحلق فوق الأجواء السعودية.
ولم يصدر عن السعودية أي تعليق على تصريحات نتنياهو التي تتعارض مع قرار سعودي بمنع تحليق الطائرات التي تكون وجهتها من أو إلى إسرائيل فوق الأجواء السعودية.
لكن وسائل إعلامية إسرائيلية تحدثت، في 30 أغسطس/ آب، أن السعودية وافقت على مرور طائرة إسرائيلية عبر أجوائها تقلُّ وفدا إسرائيليا كان مقررا له أن يتوجه إلى الإمارات في اليوم التالي، دون أي تعليق من الجهات السعودية.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين يؤكدون بشكل قاطع أن اتفاقية التطبيع مع الإمارات لن تلزم إسرائيل بوقف مشروع ضم الأراضي الفلسطينية، لكنْ مسؤولين إماراتيين يحاولون تسويغ اتفاقية التطبيع بأنها من أجل وقف مشروع الضم.
ولم تعلق السعودية رسميا على دعاوى الإمارات بوقف ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن وسائل الإعلام السعودية ومعظم الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي الذين يعكسون إلى حد ما الموقف السياسي السعودي، أشادوا بالتصريحات الإماراتية التي تدعي أنها جمدت أو أوقفت عملية الضم دون أن يباركوا التطبيع بشكل مباشر.
ولم تواجه الخطوة الإماراتية أي انتقادات في وسائل الإعلام المملوكة أو الممولة من السعودية، ما يعكس ضمنا حقيقة الموقف السعودي غير المعلن من التطبيع مع إسرائيل على الرغم من أنه أجهض المبادرة العربية للسلام، وأنه كما يصرح مسؤولون إسرائيليون قد فتح الباب أمام دول عربية عدة لتحذو حذو الإمارات.
ورسميا، يرى المسؤولون السعوديون أن أي إجراءات إسرائيلية أحادية لضم الأراضي الفلسطينية من شأنها أن تقوض حل الدولتين في إطار المبادرة العربية للسلام، في ذات الوقت الذي لم يوجه أي مسؤول سعودي انتقادا مباشرا أو غير مباشر للاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية.
وعلى العكس من ذلك يمكن أن يُفهم أن هناك مباركة ضمنية للخطوة الإماراتية في قراءة لتصريحات وزير الخارجية السعودي في 19 أغسطس/ آب من برلين بألمانيا، حيث انتقد “المواقف الإسرائيلية أحادية الجانب التي تعرقل عملية السلام” في سياق الحديث عن الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية.
كما أعرب عن دعم المملكة لـ”أي جهود من أجل دعم عملية السلام”، وهي الجهود التي فسرها محللون بأنها وقف أو تجميد ضم الأراضي، كما صرح بذلك مسؤولون إماراتيون.
إلى جانب ذلك، اعتبر وزير الإعلام السعودي السابق عادل الطريفي اتفاقية التطبيع أنها “قرار تاريخي”.
ويميل مراقبون إلى القول بأن اتفاقية التطبيع تتعارض بشكل كامل مع مبادرة السلام العربية التي ما تزال السعودية تتمسك بها كأساس لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل.
وتنص مبادرة السلام، التي طرحها العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز وتبنتها قمة بيروت العربية قبل 18 عاما، على اعتراف الدول العربية بدولة إسرائيل وإقامة علاقات طبيعية معها بعد توقيع اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين من دول الشتات، لكن إسرائيل رفضت المبادرة.
ومن بين الدول التي وقعت على المبادرة، دولة الإمارات التي أبرمت، مؤخرا، اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، دون أن يتحقق شرط المبادرة بإقامة دولة فلسطينية وفق نصوص المبادرة.
ومن المرجح أن تواصل السعودية التمسك رسميا بمبادرة السلام العربية وعدم توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل بوجود الملك سلمان بن عبد العزيز، لكن ذلك من المحتمل أن يتغير بعد غيابه لسبب أو لآخر واستلام ولي العهد محمد بن سلمان، الحليف الأقرب لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
(الأناضول)