التوظيف الإسرائيلي لهجمات داعش الأوروبية

حجم الخط
0

بينما ينشغل العالم بأسره بملاحقة تنظيم «داعش» وذئابه المنفردة التي باتت تجوب أصقاع القارة الأوروبية، بحثاً عن أهداف حيوية تضرب فيها من دون غاية ولا هدف سوى إثبات الذات والحضور والانتقام، كما يقولون، من الغرب الكافر والحانق على دولتهم المزعومة، يستثمر كيان الاحتلال في هذا التنظيم ذي الصنيعة المخابراتية لتوجيه سموم سهامه إلى القضية الفلسطينية وأهلها.
بعد الضربات العميقة التي تعرض لها «داعش»، والخطر الوجودي الذي أصبح يستشرفه، في معْقِليه العراقي والسوري، يجد نفسه مدفوعا أكثر نحو إثبات الحضور والفاعلية، بعمليات قليلة الكلفة، وواسعة الأثر إعلاميا. بعمليات متفرقة غير متوقعة في الهدف وفي الوسيلة ومسرح الجريمة، حتى فلسطين وبالذات غزة التي يواجه أهلها حصارا ومعاناة مزمنة.
تتوسط هذه الاعتداءات (الداعشية) مناخاً عالمياً يتزايد فيه النزوع العنصري، ومشاعر الكراهية، في اتجاه نكوصي، يتجاهل عقْم تلك التوجهات، تاريخيا، بل نتائجها المدمرة، على صعيد الأرواح البشرية والخسائر الحضارية والمادية. كما النازيون الجدد والعنصريون في الولايات المتحدة، التي هزت اعتداءاتهم وشعاراتهم البناء الاجتماعي الأمريكي، وكشفت عن الخلل في رؤية الرئيس، دونالد ترامب، الذي لم يظهِر التنديد الذي تستحقه الحركة الخطيرة في ردة فعله الأولى، ولم ينج رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من المطب، عندما تأخر (بعد صمت أيام) في التنديد بالتوجهات اللاسامية والنازية الصارخة التي تخللتْ أحداث شارلوتسفيل؛ ليظهر بمظهر من يعطي الأولوية لعلاقته باليمين المتطرف الأمريكي أكثر من مسؤوليته بشأن «الشعب اليهودي»؛ ما يعزز القول بوجود أزمة ما في المستوى السياسي في العالم .
أتاحت الهجمات الإرهابية التي يتورط بها مسلمون في الغرب لدعوات حاخامات يهود تخويف اليهود المقيمين في الغرب؛ والترويج لأفكار معادية للمسلمين وللفلسطينيين تحديداً، كما فعل مائير بار الحاخام الرئيسي لليهود في برشلونة، الذي شجع المواطنين اليهود على مغادرة إسبانيا التي وصفها بأنها محور الإرهاب الإسلامي في أوروبا، ودعا يهود إسبانيا إلى الانتقال إلى «إسرائيل» وشراء عقارات فيها. لا ضمانة لوقف تلك الأعمال اليائسة التي تبقى ممكنة، في الغرب، وفي بلاد العرب والمسلمين؛ لأن الوسائل تتعدد، والسيطرة الأمنية لا يمكن أن تكون مطلقة دائما، لكن الاستثمار الإسرائيلي في هذه الأعمال الإجرامية يظل مثار تساؤل عن سر التكتم عن المدبر الحقيقي لهذه الهجمات.
منذ اندلاع انتفاضة الفلسطينيين ضد الاحتلال بمسمى «انتفاضة السكاكين» ومن ثم انتشار عملية الدهس بالسيارات، وكيان الاحتلال مصاب بالدهشة والذهول إزاء اللامبالاة الغربية والأوروبية تحديداً في إدانة ما يسميه «الإرهاب الفلسطيني»، فكان التعاطف المطلوب من القارة العجوز غير كاف من وجهة نظر كيان الاحتلال، فلم يجد وسيلة لدفع العالم إلى التعاطف معه أولاً، وتجريم المقاومة الفلسطينية بثوبها الجديد تالياً، سوى تدبير وتسهيل العمليات الإرهابية ضد المدنيين في أوروبا، وإلصاقها بالشماعة الداعشية لتأمين تعاطف أوروبي ودولي لاحقاً مع عمليات المقاومة الفلسطينية لجنوده وقطعان مستوطنيه على الأرض المحتلة في فلسطين. ليست عملية التسهيل اللوجستي وحدها ما يقوم الاحتلال باستغلالها، بل إن الأسلوب الذي تعتمده عناصر التنظيم من خلال أسلوب الذئاب المنفردة والتشابه في الوسائل «الطعن بالسكاكين» و»الدهس بالسيارات» محاولة إسرائيلية مكشوفة وواضحة لإنشاء مقارنة واضحة بين عمليات تنظيم «داعش» وعمليات المقاومة الفلسطينية.
قد يقال إن هذا التشابه قد يكون محض صدفة يحاول من خلالها تنظيم «داعش» كسب التأييد الإسلامي والعربي لعملياته الإجرامية ضد الأوروبيين الذين غزوه في عقر «دولته» المزعومة، لكن ما يؤكد أن السياق الأول هو المرجح (استغلال كيان الاحتلال لعمليات داعش لإدانة المقاومة الفلسطينية)، ما تؤول إليه العمليات الأوروبية دوماً من قتل العنصر المنفذ وعدم اعتقاله، في محاولة لطمس معالم الحقيقة ووأد التحقيقات، هو المدبر الحقيقي لها وهو كيان الاحتلال، في رغبة من الحكومات الأوروبية لعدم الدخول في مواجهة مع كيان الاحتلال، والكشف عن أصابعه في هذه العمليات، واتهامه لاحقاً بمعاداة السامية.
ما كان تنظيم «داعش» أن ينجح في عملياته الإرهابية لولا وقوف جهاز مخابرات قوي وراء تسهيل عملياته لوجستياً، كالموساد، وما القضاء على المنفذين دوماً سوى إشارة إلى رغبة الحكومات الأوروبية إلى التكتم على عمليات الاختراق الأمني الإسرائيلي لها، وعدم مواجهة من يعد المساس به أو توجيه الاتهام إليه صراحة عملية قد تفوق فداحتها عمليات الطعن أو الدهس نفسها!
كاتب وباحث فلسطيني

التوظيف الإسرائيلي لهجمات داعش الأوروبية

هشام منور

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية