الجزائر: صراعات الخلافة تتقاذفها أقدام صانعي القرار وحديث عن انتخابات مبكرة

حجم الخط
19

الجزائر ـ «القدس العربي»: عاد الحديث مجددا وبقوة هذه المرة عن صراعات داخل منظومة الحكم في الجزائر على مشارف خريف يقال إنه سيكون ساخنا أكثر من الصيف الماضي، فالمؤشرات لا تبعث على الارتياح، ومن المواطن البسيط إلى أكبر مسؤول الجميع يتحدث أو يخشى من وقوع انفجار، فالأزمة الاقتصادية بدأت ترخي ثقلها على جيب المواطن البسيط، والحكومة لم تجد أسهل من اللجوء إلى رفع الضرائب لتحصيل قليل من المداخيل الإضافية، دون التفكير في البدء بنفسها، بينما يبقى الرئيس غائبا عن الساحة السياسية، ويخاطب شعبه برسائل وبيانات، يشكك الكثيرون أن يكون هو من كتبها أو حتى اطلع عليها، في وقت ترد فيه معلومات من القمة بطريقة غير مباشرة وغير رسمية تبعث على القلق أكثر ممن تدفع على الاطمئنان.

الهدوء الذي يسبق العاصفة

الوضع الذي تعيشه الجزائر يشبهه الكثير من المراقبين بذلك الذي عاشته البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 1988، آنذاك انفجرت الأوضاع في أول انتفاضة شعبية، انتهت بعد ذلك إلى تغيير طبيعة النظام أو شكله، دون تغيير النظام في حد ذاته الذي تأقلم وتعايش مع التعددية الحزبية التي أفرزتها تلك الانتفاضة الشعبية، التي ما زال كثيرون ممن عايشوها يعتقدون ويؤكدون أنها كانت مفتعلة من النظام أو من بعض عصبه المتصارعة فيما بينها، لكن الوضع اليوم أكثر تعقيدا، والأرقام المجهولة في معادلة النظام الجزائري أكثر من الأرقام المعلومة، وصراعات القصر وتحالفاته تبدو صعبة الفك والفهم، بل وأحيانا مبنية على متغيرات كثيرة والثوابت أضحت قليلة.
العارفون بتاريخ النظام الجزائري وطبيعته يؤكدون أنه دائما كان يسير بمنطق الصراعات والتحالفات في آن واحد، وهي السمة التي ما زالت مستمرة حتى الآن، مع فارق ليس بالبسيط وهو أن الصراعات أصبحت تخرج إلى العلن جزئيا، والمظاهر التي كان النظام يحافظ ويحرص عليها أصبح يدوس عليها، فالكثير من الصراعات حسمت بالقوة وبالسلاح وبالتصفيات الجسدية، لكن مع الحفاظ على المظاهر وعلى الشكل، بدليل أن الانقلاب العسكري ضد الرئيس أحمد بن بلة في 19 حزيران/يونيو 1965 سمي تصحيحا ثوريا، ولما دفع الرئيس الشاذلي بن جديد في كانون الثاني/يناير إلى التخلي عن الحكم سمي ذلك استقالة، ولما ضغط على الرئيس اليامين زروال واستقال في تشرين الأول/أكتوبر 1998 سمي ذلك تقليصا للولاية الرئاسية، مع أن الأمر كان استقالة كاملة الأركان، وتقليص الولاية الرئاسية حالة غير منصوص عليها في الدستور بالمرة، وحتى لما وقع انشقاق داخل المؤسسة العسكرية بشأن انتخابات الرئاسة لسنة 2004 بين مساند للرئيس بوتفليقة الذي ترشح لولاية ثانية وبين علي بن فليس منافسه ورئيس حكومته السابق، لم يطلق على هذا الصراع أي كلام، وعولج بطريقة صامتة، فبعد أن وضعت الانتخابات الرئاسية أوزارها، وفاز بوتفليقة بولاية ثانية، غادر مجموعة من الجنرالات والعقداء مناصبهم طوعا أو كراهية بسبب وقوفهم ضد ترشح بوتفليقة، وفي مقدمة هؤلاء الفريق محمد العماري قائد أركان الجيش قائد الحربة ضد بوتفليقة والجنرال ابراهيم فضيل شريف القائد السابق للناحية العسكرية الأولى.

صراعات في ساحة القصر

لكن صراعات الحكم أخذت في الفترة الأخيرة من حكم الرئيس بوتفليقة طابعا أكثر فظاظة، فمنذ عودة الرئيس بوتفليقة من رحلة العلاج الباريسية التي دامت أكثر من ثمانين يوما في 2013، اندلعت حرب خفية في الكواليس ضد جهاز المخابرات وضد رؤوسه وعدد من قياداته، ورغم أن البعض ما زال يؤمن بأن هذه مجرد مسرحية جديدة توزع فيها الأدوار، إلا أن الشواهد والمؤشرات القائمة تقول العكس، ولا أحد ينكر أن ما سمي بإعادة هيكلة جهاز المخابرات أضعفته ونزعت منه الكثير من الصلاحيات، وبترت مديريات بأكملها ألحقت بقيادة الأركان، والجميع لا يستطيع أن ينكر أن جهاز المخابرات الذي كان يهيمن على الكثير من القطاعات ولو بظله فقد الشيء الأهم، وهو الهيبة التي كان يتمتع بها، فاسم الجنرال توفيق الذي اشتهر به الفريق محمد مدين الذي لم يكن يذكر ولو على سبيل الثناء أو الإطراء عليه، أصبح يتداول بشكل مبتذل على لسان الجميع، منذ أن فتح عمار سعداني زعيم الأغلبية النار عليه محملا إياه مسؤولية فشل جهازه في تسيير الكثير من الملفات الأمنية، بل واتهمه بمعارضة الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة، وتلفيق تهم فساد لرجاله.
الصراع الذي هدأ نسبيا بعد الانتخابات الرئاسية، التي يؤكد الكثير من المراقبين أن تدخل قوى غربية حسم نتيجتها لصالح بوتفليقة، عاد ليطل برأسه من جديد بعد أشهر من هذه الانتخابات، فالوضع في البلاد يسير من سيء إلى أسوأ، وأغلبية الطبقة السياسية وحتى عموم المواطنين مقتنعين أن الحل لا يمكن أن يأتي إلا من داخل النظام نفسه، بل ومن جهاز المخابرات ومن الفريق توفيق نفسه، على اعتبار أن هذا الأخير يتحمل وبنسبة كبيرة مسؤولية جلب بوتفليقة وفرضه رئيسا سنة 1990، والجهاز الذي يديره هو المؤسسة الوحيدة القادرة على وضع حد للنزول إلى الهاوية الذي تعيشه البلاد، والذي ينذر بكارثة حقيقية.
في الوقت الذي اشتدت فيه حرارة الصيف الماضي، بدأ الكلام في الكواليس عن أن الأمور قد تتحرك مع الخريف، وأن الضغوط متواصلة على الرئيس بوتفليقة حتى يرمي المنشفة وينظم انتخابات مبكرة في ربيع 2016 على أقصى تقدير، وفي الوقت الذي عاد فيه الحديث عن انتخابات مبكرة، طفت إلى السطح قضية الجنرال حسان مجددا، بعد أن تناقلت صحف ومواقع إخبارية خبر اعتقاله وإيداعه السجن العسكري بالبليدة، والجنرال حسان واسمه الحقيقي عبد القادر آيت عرابي واحد من أبرز قادة المؤسسة العسكرية في السنوات الماضية، وكان مسؤولا عن وحدة مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات، الذي كان له الدور الأبرز في هزيمة الجماعات الإرهابية، الجنرال حسان أحيل إلى التقاعد بعد عودة الرئيس بوتفليقة من رحلته العلاجية الباريسية، في إطار سلسلة إقالات مست قيادات في المخابرات، ويعتبر الجنرال حسان من المقربين إلى الفريق محمد مدين.
لما تمت إقالته راجت إشاعات عن توقيف الجنرال حسان وتوجيه تهم إليه، لكن لم يظهر أي شيء إلى العلن، وبقي حسان في بيته كأي عسكري متقاعد أو يكاد، لكن قضيته عادت مجددا قبل أكثر من أسبوعين، إذ تم إلقاء القبض عليه، ووضع في السجن دون أن يتم سماعه من طرف قاضي التحقيق، ودون أن توجه إليه أية تهمة رسمية، بحسب محاميه، الذي يندد بما سماه التوقيف التعسفي لموكله، في حين ذكرت تقارير إعلامية أن حسان متهم بحيازة أسلحة حربية، والتحضير لانقلاب عسكري، في حين أن الأمر يتعلق بعملية قامت بها فرقة تابعة للجنرال حسان لاسترجاع أسلحة كانت جماعة إرهابية تود إدخالها إلى الجزائر عن طريق ليبيا، ولكن العملية التي كانت سرية لم يطلع عليها كل قيادات المؤسسة العسكرية، ليتم توقيف الفرقة في حاجز عسكري عندما كانت عائدة إلى العاصمة بتلك الأسلحة، لكن بعد تدخل الفريق مدين الذي كان على علم بالعملية تم إطلاق سراح الفرقة التي أرسلها الجنرال حسان، الذي اعتقد أن القضية انتهت عند هذا الحد، لكنها عادت إلى الواجهة على خلفية عودة الكلام على صراعات الرئاسة والمخابرات.
في الوقت ذاته أعلن عن تنحية الفريق أحمد بوسطيلة قائد الدرك الوطني، دون أن يتم الإعلان عن ذلك بشكل رسمي في وقت أول، تماما مثلما كان عليه الحال بالنسبة لسلسلة الإقالات التي شهدتها المؤسسة العسكرية منذ شهر يوليو/ تموز الماضي، إذ تمت إقالة كل من قائد الحرس الجمهوري وقائد الحرس الرئاسي وقائد الأمن الداخلي، دون أن يتم الإعلان عن ذلك في بيان رسمي، بل الغريب أن البيانات التي جاءت بعد ذلك تحدثت عن تنصيب مسؤولين جدد لهذه الأجهزة، دون الحديث عن الذين تمت إقالتهم.
الحديث الآن في الجزائر عن صراع سينتهي، بحسب بعض المراقبين بالاتفاق حول مرحلة انتقالية، التي يبدو مولود حمروش رئيس الحكومة الأسبق الأكثر استعدادا لها، هذا الأخير يرى أنه لا وجود لصراعات داخل نظام الحكم، وأن ما يتم يتداوله بشأن الصراع بين الرئاسة والمخابرات لا أساس له، نفس الكلام قاله عمار غول وزير السياحة ورئيس حزب تجمع أمل الجزائر، غول الذي كان محسوبا نوعا ما على الجهاز، وتحول إلى أحد رجالات بوتفليقة، قال إنه لا يوجد أي صراع بين بوتفليقة وبين قائد الأركان القايد صالح وبين الفريق توفيق، مؤكدا على أنه ما زال يلعب الكرة مع توفيق عدة مرات في الأسبوع!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول توفيق الجزائر:

    السلام عليكم :
    “الوضع في البلاد يسير من سيء إلى أسوأ، وأغلبية الطبقة السياسية وحتى عموم المواطنين مقتنعين أن الحل لا يمكن أن يأتي إلا من داخل النظام نفسه، بل ومن جهاز المخابرات ومن الفريق توفيق نفسه، على اعتبار أن هذا الأخير يتحمل وبنسبة كبيرة مسؤولية جلب بوتفليقة وفرضه رئيسا سنة 1990، والجهاز الذي يديره هو المؤسسة الوحيدة القادرة على وضع حد للنزول إلى الهاوية الذي تعيشه البلاد، والذي ينذر بكارثة حقيقية.”
    إذا فهذا الجهاز، هو المؤسسة الوحيدة القادرة على إعادة الدولة للسكة المستقيمة. أسألك يا هذا ، في أي بلد تعيش؟
    ما نعلمه نحن سكان هذا البلد، أن هذا الجهاز هو سبب كل المصائب التي تعيشها الجزائر،
    من توقيف للمسار الإنتخابي
    لإختلاق جماعات مسلحة عاثت في الأرض فسادا
    لإختراق جماعات أخرى و إدخالها في متاهات و اغتيال لأعضائها
    لإختطاف أكثر من 20 ألف مفقود
    لإغتيال أكثر من 200 ألف شهيد
    لإدخال أنفها في التجارة الخارجية و ما يعني ذلك من حصول على عمولات و رشاوي
    لتسييرها المباشر للجرائد و القنوات التلفزية
    و حتى لرشوة رجال سياسة أجانب حتى يغضوا الطرف عن ما يحدث في الجزائر و اسألوا فريديريكو مايورو كلود شيسون عن ذلك.

    لهذا كله، فالشعب الجزائري قد يرى بوتفليقة، بالرغم من كل السرقات و النهب المنظم الذي يمارس في حكمه، ضررا مؤكدا لكنه أرحم بكثير من الجنة التي يعدنا بها المجرم توفيق و المتواطؤون مع من أشكال الجنرال حسان.

  2. يقول نورىuk:

    الداهية “بوتفليقة” يصفي جنرالات التسعينات واحد تلو الاخر بوسطيلة قائد الدرك الوطنى و محمد مدين قائد المخابرات المعروف باسم توفيق يبعثون الى التقاعد ويصبحون من الماضي

  3. يقول يوسفي:

    الاخ مروان يتكلم حين يكون الموضوع يخص المغرب

    1. يقول مروان الجزائر:

      ارفع رأسك..وسترانى..تحياتى لك

  4. يقول نونوDZ:

    الله المستعان لاحول ولاقوة الا بالله العلى العظيم

  5. يقول جزائري:

    افتخر كجزائري وافتخر بالجيش الوطني الشعبى و افتخر بمواقف الدولة الجزائرية

  6. يقول تركية:

    كل يوم نشاهد روبورتاجات من التلفزيون الغير حكومي في الجزائر يقدم لنا أروع المشاهد من كل الأقاليم الجزائرية لقد تمتعنا برؤية مدن يصل تعداد سكانها الى العشرة الاف من ما ولا واد لان لا ماء كلهم يشترون قطرة في الأسبوع يحملها بائع ما غير قابل للشرب حتى وهذا منذ الازل ليست مشكله عابرة الناس تبكي وتنوح من كل الجهات تسكن الخرب من تراب لا طرق ولا ماء ثم يأتي من يقول لك انه فخور بالمافيا الحركية التي تحكمه مصيبة هذه الجزائر حسب ما نرى من الروبورتاجات هذه يمكن تصنيفها في نفس الخانة كالكونغو زايير تماما ماساة ما بعدها ماساه

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية