قصّة الموارنة مع «الفدرالية» طريفة، قصة مسلمي لبنان مع «رهاب الفدرالية» كذلك.
في قصة الموارنة مع الفدرالية شيء من المساءلة المراهقة لبتلات الزهرة «يحبّني. لا يحبّني. يحبّني». وفيها شيء من الاستشعار بأنّ «الفدراليّة» سلاح مفحم أو رادع في مواجهة نزعات التغلّب سنية كانت أم شيعية. لكن «الفدراليّة» هي أيضاً المقولة التي أمض زعماء وساسة سنوات طويلة في التبرؤ منها، أو اتهام بعضهم بعضاً بإضمار الإعداد لها. لفترة طويلة على سبيل المثال، كانت «الفدرالية» ما يعيبه «العوني» على «القواتي»، والآن صار العماد ميشال عون يخيّر الناس بين انهاء الفراغ الرئاسي المتمادي منذ أكثر من عام بانتخابه رئيساً «مركزياً»، وبين اعتماد الصيغة الفدرالية.
صحيح أنّ «أيديولوجيين ريفيي النكهة» عُرِفوا تقليدياً بتبنيهم الثابت للمفهوم، لكن هذه «الفدراليّة التبشيريّة والخلاصيّة» ظلّت هامشيّة، قياساً على «فدرالية النوبات» التحذيرية والانذارية والاعتذارية والعزائية، ومنها «فدراليّة ما لم انتخب رئيساً» التي طرحها عون مؤخراً.
يأتي ذلك في الوقت الذي ينظّر فيه قسم غير يسير من الفكر السياسي بأنّ الصيغة التي تقوم عليها الدولة الطائفية هي بالأساس شكل من أشكال الفدرالية غير الجغرافية، بل قل «الفدرالية الشخصية»، حيث يمكن تصوّر الطوائف كفضاءات متجاورة نظرياً، ومشابهة بالتالي لولايات الدولة الاتحادية، مع فارق أنّها مختلطة، أو بالأحرى متداخلة، في الواقع المكانيّ العينيّ. ولو أخذنا بهذا القسم من الفكر السياسي حول نموذج الدولة اللبنانية لصارت «الفدرالية» التي يسارع اليها سياسيّ مسيحيّ مرة بداعي الخطر ومرة بسبب عدم تحقق الرغبة، بمثابة دعوة لاستكمال ما هو جزئي، وغير ممأسس كفاية، من فدرالية بالفعل قائمة.
لكن «الفدرالية الشخصية» غير الجغرافية غير قائمة في آخر الأمر الا فيما يتعلّق بقوانين الأحوال الشخصية والمحاكم الروحية، في حين أن التوزيع الطائفي، الدستوري المنصوص فيما يلي النواب والوزراء، والدستوري العرفي، فيما يلي الرئاسات الثلاث، والمشاركة المحاصصاتية فيما يلي الوظائف العامة (بل والاتحادات النقابية أيضاً)، لا يشبه «الفدرالية الشخصية» في شيء، بل هو نمط «مميز» من الدولة المركزية.
ليست الفدرالية اذاً شيئاً قائماً بشكل ناقص في الواقع اللبناني ويُراد إكماله، بل ربما نكون أمام أحد أعقد، وأصلب، نماذج الدولة المركزية في العالم العربي، وأكثرها ممانعة للانتقال نحو الفدرالية. فالمعترض الهيكلي على التحوّل الفدراليّ في لبنان ليس صغر حجمه (بلجيكا ليست هذا البلد الشاسع)، ولا الزجليات التعاشقية بين الطوائف، ولا صعوبة فرز الخارطة الفدرالية للبلد (هذه أبسط المسائل)، وانما الارتباط العضوي للنزاعات والتجاذبات بين الطوائف بجهاز الدولة المركزي.
ويمكن المجازفة بالقول بأنّه لو قدّر للنخب اللبنانية أن تعدل النظرة الى الدولة الطائفية كدولة ناقصة أو غير موجودة ويحتاج المرء لقطع الصحاري للعبور اليها، لأمكن هذه النخب التصالح أكثر مع ديناميات «التفاوض المُحاصِص»، «مرّر لي، أمرّر لك». ولا ضير في هكذا ديناميات، لو ضُبطت بأعراف صريحة، تحترم المهل الزمنية لتولّي المناصب والوظائف، وليس اعتبار «التفاوض على الحصص» وآليات التعطيل المتبادل الملازمة له ، مسألة غير مرهونة بأمد زمنيّ، أو مسألة لها اتجاه واحد دون آخر، فيعتبر فريق أنّ المكابرة على حقّه في المطالبة بما يراها حصّته مردودة، في حين يفعل الشيء نفسه حيال مطالب الآخرين بحجج «وطنية – حداثوية» باتت بالأحرى «فولكلورية».
عدم الحكم بسلبية معيارية على المحاصصة، وتكريس «الحدود الزمنية» للتجاذب والتفاوض حولها، يمكنه أن يأتي بمنفعة اصلاحية اذاً، بما يبقي على نموذج الدولة المركزية. وهذا يحتاج بدوره الى قناعة متبادلة بأنّه، باستثناء الحقوق الأساسية للإنسان، ليس هناك حقوق مكتسبة للطوائف، فالمطالبة بما تعتبره «حقّاً لك» في شغل منصب أو وظيفة، تصلح أن تكون حيلة بلاغية أو دعائية، لكن سقفها العملي الفعلي هو سقف «التداول» (أمرر لك، تمرّر لي) المضبوط بـ»عقد الحد الأدنى». وهذه نقطة عويصة في ظلّ تخمة «المظلوميّات» و»المحروميّات» لبنانياً ومشرقياً.
ليس صحيحاً اذاً أن لبنان يقوم على نظام «فدرالية شخصية» تتعدى قوانين الأحوال الشخصية، وهذا ما فهمه على طريقته المفكر الشيوعي الراحل مهدي عامل الذي تميّز بفهمه الدولة الطائفية كدولة مركزية وليس كدولة ملل مقفلة متجاورة في عقد النظام، لكن مهدي عامل، كأي ماركسيّ في نهاية الأمر، تعامل مع التوازنات الطائفية كحالات هيمنة كامنة أو مموّهة أو نافرة. فمن الصعب أن يفهم الماركسيّ ثقافة استصلاح التوازنات، التي مصدرها في آخر اليوم الفكر المحافظ الغربي، هذا الفكر الذي تؤدي هامشيته في البلدان العربية الى الكثير من القصور والفجاجة في التعامل مع مفهومي الحداثة والدولة ومندرجاتهما وتبعاتهما (لصالح طغيان الشعاراتية الاسلاموية أو الماركسية أو الليبرالوية).
في وضع بلد كلبنان، تظهر الحاجة الى هذا الفكر المحافظ، بنسب معتدلة منه، لاعادة التذكير بأن ما يعتبره كثيرون دولة ناقصة هو بالأحرى دولة زائدة عن حدّها، وينبغي تخفيفها (وتبديدها بعض الشيء بين الجماعات والمناطق)، وزيادة ديناميات المحاصصة، لكن تبعاً لتكريس احترام المهل الزمنية، واستبعاد المظلوميات والحرمانيات عن مساحة العرض والطلب الطائفيين، «خذ وهات».
فإن لم يكن ذلك ممكناً ما عاد بالمتّسع التهرّب من مناقشة متأنية لكيفية تجاوز نموذج الدولة المركزية نفسه، نحو فدرالية ما، لكن ذلك يستلزم وعياً بأنّ هذه الفدرالية غير موجودة عندنا بشكل ناقص ويراد فقط توسيعها لتجيء كاملة. لا، هناك نموذج دولة مركزي كامل ينبغي فرطه اذا ما أردنا التحويل الفدرالي.
وهنا، قد يكون مهماً التمييز بين «الروح الفدرالية» وبين «الطروح الفدرالية». هذه الروح الفدرالية مهم وجودها في أي بلد بصرف نظر عن مناسبة هذا البلد أو ذاك لـ»النظام الفدرالي»، فتولية المناطق والجماعات على نفسها، والمساهمة في عدم التركز السكاني في المدن وضواحيها، لا يتحقق فقط بالصيغ الادارية اللامركزية، انما بالروح الفدرالية أيضاً. تقدّم لنا أعمال المفكر الفرنسي بيار جوزيف برودون تصوراً عن هذه الروح، وبرودون أحد أهم رواد الفكر الاشتراكي والفوضوي في القرن التاسع عشر (والذي بقيت سمعته حسنة في اليمين المتطرف أيضاً، بحيث تشكّلت «حلقة برودون» عام 1911 لتجمع الملكيّ شارل موراس والنقابويّ جورج سوريل، الذي شكّلت أفكاره عقدة الوصل بين الماركسية والفاشية). بخلاف أنداد له داخل الحركة الاشتراكية، بقي برودون يربط العدالة الاجتماعية بالخصوصيات المناطقية والجماعتية، وبقيت «فدراليته» غير مختزلة في نماذج بعينها من «الدولة الفدرالية»، وتحديداً لأن الروح الفدرالية عنده بقيت شيئاً «مناقضاً» لمفهوم الدولة نفسها، وأحياناً، شيئاً «موازياً» لهذا المفهوم.
واذا كانت الفدرالية كمطلب سياسيّ لا تحضر في لبنان الا في صورة النوبات، كالحالة الراهنة، فإنّ «الروح الفدرالية»، هذه، موجودة بأشكال ثقافية ونفسية شتّى، منها طبعاً، شعور «المنحسر المسيحي»، المتصل جغرافياً ببعضه البعض، بكيانية «المنطقة الشرقية»، والشعور الدرزي بـ»الجبل»، والشعور الشيعي بـ»الضاحية»، هذا في حين يبقى التخيّل السنّي لماهية «بيروت» أكثر ابهاماً في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه في بيروت ما.
في مقابل هذه «الروح الفدرالية» المتفاوتة والنسبية، الثقافية وغير السياسية، والتي تتخلّف ثقافة النخب عنها بشكل عام، يأتي «رُهاب الفدرالية» الانفعالي في كل مرة، ضدّ أي صوت مسيحي «يناور بالفدرالية»، لتظهر كم أنّ الفجاجة «اللاطائفية» عقيمة في هذا البلد، وكم أنّ صيغ من قبيل «اتفاق الطائف ما زال ساري المفعول» هي صيغ أكل عليها الدهر وشرب، وتفسد أي نقاش حقيقي في هيكلية الأزمة، وقد يكون ميشال عون من غير قصده طبعاً، حرّك النقاش في الاتجاه الصحيح، عندما ارتجل التهديد بالفدرالية اذا ما حُرِم من الرئاسة بعد عام ونيف على افتتاح عهد الشغور.
٭ كاتب لبناني
وسام سعادة
للحقيقة ان لبنان لا يستطيع ان يعيش الا بجناحيه وتعايشه وهذا ما لاحظته بعد الحرب الاهلية وفتحت الحدود فاعتنق كل منا صديقه وصاحبه كاءخوة ابتعدوا مدة طويلة عن بعض لذلك فاءنا اقول كما الرءيس ميشال سليمان انها نزوات صبيانية من يصرح بهذا الكلام لانها تدل على رغبة في منفعة شخصية له ولحزبه العاءلية وليست لجميع المسيحيين الذين يعيشون في لبنان ولذاك فلن تتحقق هذا الرف=غبة المجنونة ولو جديرا بالرءاسة لكان حضر الى المجلس ولكنه يعلم انه لن ينجح لانه يريد ان يفرض نفسه بالقوة اما انا او الفوضى اليس يسمى جنونا وتعديا على الدستور وجميع النواب 0