انتحاريو بروكسل وباريس جزء من خطة لإدارة التوحش… والسيطرة على مسلمي أوروبا

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: السؤال الملح بعد هجمات الثلاثاء في مدينة بروكسل يدور حول العنف الذي بات أمراً طبيعياً في الحالة الأوروبية. فدول القارة خاصة الاتحاد الأوروبي تواجه تحديات نابعة من تداعيات الحرب الأهلية في سوريا والمتمثلة باللاجئين الذين يتدفقون على حدودها وبالعنف الإرهابي الذي يمثله اليوم تنظيم «الدولة» خاصة بعد سلسلة عملياته في باريس وأوروبا.
وفي ضوء التقارير التي أشارت لوجود حوالي 400 ناشط جهادي متدرب على العمليات الإرهابية وينتظر الأوامر من قسم العمليات الخارجية في التنظيم فالسؤال يظل عما يخبئه الجهاديون لأوروبا، فهل عليها أن تواجه ما وصفته مجلة «إيكونوميست» في عددها الأخير «الحالة الطبيعية الجديدة».

المنطقة الرمادية

وفي محاولة للإجابة يطرح الانثروبولوجي الأمريكي – الفرنسي سكوت أتران، مدير المركز الوطني للأبحاث العلمية في باريس تحليلاً نابعاً من رؤية التنظيم لنفسه وخطته لتدمير أوروبا، فهل لدى القارة خطة لتدميره؟
وقال إن هجمات بروكسل هي جزء من ضربات فعالة تهدف لإثارة الفوضى في أوروبا وبالتالي «إلغاء المنطقة الرمادية» كما جاء في افتتاحية مجلة «دابق» في بداية العام الماضي.
وتعني المجلة بالمنطقة الرمادية أو تلك التي يختلط فيها الواقع بالخيال وهي المنطقة التي يحتلها معظم المسلمين بين الخير والشر. وبعبارات أخرى تلك المنطقة بين الخلافة والكفر والتي «حققتها غزوة نيويورك المباركة».
واقتبست الإفتتاحية كلمات زعيم القاعدة أسامة بن لادن الذي يرى تنظيم «الدولة» نفسه وارثاً حقيقياً لأفكاره «العالم منقسم اليوم، وقد قال بوش الحقيقة «إما أنكم معنا أو أنكم إرهابيون»، ويعني بن لادن هنا الصليبيين الغربيين.
و»قد حان الوقت لحدث آخر لتقسيم العالم وتدمير المنطقة الرمادية». ويعلق أتران أن الفكرة هي ملء الفراغ في أي مكان تحصل فيه الفوضى كما في منطقة الساحل والصحراء وخلق فوضى يمكن للتنظيم ملئها كما يفعل الآن في أوروبا.
وحسب الكاتب فترحيب أوروبا باللاجئين السوريين الفارين من فوضى الحرب الأهلية سيكون رداً أوروبياً ناجحاً على استراتيجية الإنقسام، فيما سيكون الرفض الشامل لاستقبال اللاجئين استراتيجية فشل.
ويذكر أتران في مقالته التي نشرها موقع «دايلي بيست» أن كلاً من المرشح الجمهوري المحتمل تيد كروز الذي يريد من الشرطة أن تراقب الأحياء الأمريكية المسلمة قبل أن يصل إليها التشدد والمرشح الآخر دونالد ترامب الداعي لمنع اللاجئين السوريين من دخول أمريكا ينهلان من «كتاب قوانين لعبة تنظيم الدولة».
وأشار الكاتب إلى مجموعة من المسلمات التي وردت في افتتاحية «دابق» المخصصة لـ «المنطقة الرمادية» و»إدارة التوحش» (2004) وهو الكتاب المقرر على كل مسؤول ورئيس وأمير في التنظيم.
ومن هذه المسلمات «نوع الهجمات واضرب الأهداف اللينة – مناطق السياح، المطاعم وأماكن الترفيه، ومناسبات الرياضة وغير ذلك. وهي مناطق لا يمكن حمايتها» و»بدد إمكانيات الكفار وجففها لأكبر درجة ممكنة بشكل تضعف ثقة الناس بحكومتهم وقدرتها على توفير الأمن أو الخدمات الأساسية» و»حث الجماهير على السفر للمناطق التي نديرها من خلال تدمير «المنطقة الرمادية» بين المؤمن الحقيقي والكافر والتي يحتلها معظم الناس اليوم بمن فيهم المسلمون» و»استخدم ما يطلق عليها بـ «الهجمات الإرهابية» لمساعدة المسلمين على اكتشاف كراهية غير المسلمين لهم وأنهم يريدون الإضرار بكل من يمارس الدين، وإظهار أن السلام لن يعود على المسلمين إلا بالأذى» و»استخدم وسائل التواصل الإجتماعي من أجل إلهام المتعاطفين مع العنف في الخارج. وأوصل لهم الرسالة التالية: افعل ما تستطيع بكل ما تملك وأينما كنت وحيثما استطعت».
وبناء على هذه المسلمات/ المبادئ يقول أتران «أشك في أن داعش لا يخطط لهجمات منسقة عبر عدد من الدول الأوروبية لتدعيم جهود محو المنطقة الرمادية ولصرف نظر الأتباع المحتملين عن جهود الإحتواء التي يتعرض لها التنظيم في كل من العراق وسوريا.
وعلى خلاف تنظيم القاعدة الذي نفذ أشخاص استلهموا فكرته وأيديولوجيته عمليات في أوروبا وأماكن أخرى وبدون أوامر من قيادته المركزية فإن تنظيم «الدولة» يستطيع وعن بعد التحكم وإلهام الآخرين بفكرة يوتيوبية عن الخلافة، وهي فكرة رفضها بن لادن طالما ظلت الولايات المتحدة قوية وقادرة على احتوائها بطريقة أو بأخرى.
واستطاع تنظيم «الدولة» اختراق أحياء المهاجرين وركب على ظهور أبنائها. كما ولعب على ملل المجتمعات الغربية التي لم تشهد حرباً أو كفاحاً حول القيم منذ 70 عاماً واستغل الشباب.
واستطاع التنظيم تحقيق كل هذا من خلال العنف المذهل الذي يجربه أتباعه الأجانب ويكسرون القيود الشخصية والإنسانية. ففي غياب بديل عاطفي ومهم يقول الكثيرون ممن ينضمون لتنظيم «الدولة»، «من الأفضل أن تنتهي المعاناة القائمة على أمل الحصول على شيء احسن مهما كلف الأمر من رعب ومعاناة».
ويعبر هذا الموقف عن عقلية قيامية – آخروية فمن أجل إنقاذ العالم علينا تدميره أولا وتأجيل الأمل للحياة الأخرى. ويرى أتران أن هذا يعبر عن قوة أفكار منافية للعقل ولكنها أصبحت حقيقة واقعة. ومن هنا فالعمل العسكري لإضعاف وتدمير تنظيم «الدولة» في معاقله وبشكل أساسي بدون نشر قوات عسكرية كبيرة شرط ضروري لهزيمته مع أن تحقيق الشرط أصعب مما يقدمه لنا الساسة والقادة العسكريون.
وحتى لو تحقق هذا فلن يكون كافياً لمنع خسارتنا الجيل القادم. ويعتقد الكاتب أن الأمل الوحيد لمواجهة إغراء «داعش» وشلته على المدى البعيد لن يأتي إلا من مبادرات دولية يقودها ناشطون مسلحون ببديل قائم على التعبيرات المثالية والمغامرة والإستعراض والأشكال المجيدة لبناء السلام.

الهدف المقبل

وحتى يتحقق هذا فسيظل تنظيم «الدولة» يفتش عن هدفه المقبل وهو ما تساءل عنه روبن سيمكوكس من مؤسسة التراث الأمريكية. ففي مقال نشره موقع «فورين أفيرز» جاء فيه أن هجمات بروكسل الأخيرة تظهر ان قدرة التنظيم على توجيه ضربات في قلب أوروبا لا تزال قوية.
ويشير إلى أن بلجيكا تظل مركزاً غير محتمل لنمو الخطر الإرهابي. فرعم صغر حجمها وكونها أمة مسالمة إلا أن صلتها بالتشدد المسلح قديمة وقائمة.
ففي التسعينيات من القرن الماضي وجدت أسلحة وذخائر طريقها من محتالين جهاديين في بروكسل إلى الجماعة الإسلامية للدعوة والقتال الجزائرية. وطوال العقد الأخير من القرن العشرين سافرت قلة من المواطنين البلجيكيين للمشاركة في عدد من النزاعات المسلحة بمن فيها الشيشان.
وشهدت بلجيكا في مرحلة ما بعد 9/11 سلسلة من المحاكمات الإرهابية قادت إلى إدانة 22 إسلامياً منهم نزار طرابلسي، لاعب الكرة التونسي المحترف والذي انضم لتنظيم القاعدة وخطط للقيام بهجمات ضد قاعدة عسكرية تابعة للناتو. وضمت أيضا طارق المعروفي المرتبط بعملية اغتيال القيادي العسكري الأفغاني أحمد شاه مسعود.
وفي الفترة الأخيرة وبعد تطور الحرب في سوريا سافر إلى هناك ما بين 5.000 ـ 6.000 متطوع أوروبي منهم 553 بلجيكياً، وهو ما يجعل نسبة المشاركين من البلد الأعلى بالنسبة لعدد السكان من بين كل الدول الأوروبية.
وفي الوقت الذي اعترف فيه وزير العدل البلجيكي أن بلاده تعاني من «مشكلة مقاتلين أجانب» قامت المحاكم بمحاكمة عدد من الذين رتبوا رحلات المقاتلين ومولوها في شباط/فبراير 2015.
وتقدر تقارير عدد الذين عادوا من سوريا بحوالي المئة. ولكن يجب وضع المشكلة في السياق، فالجهادي العائد من سوريا يستفيد من حرية الحركة في منطقة «الشينغين» ولهذا فالعائد إلى ألمانيا أو فرنسا يمثل تهديداً على بلجيكا بالطريقة نفسها التي يمثلها الذي ولد ونشأ فيها. فالتهديد واسع على القارة وهناك حوالي 2.000 مقاتل عادوا إلى بلادهم. ورغم كل هذا فقد عبر البعض عن دهشتهم من اختيار بلجيكا كموقع للضربة الأخيرة. فهي ليست محورية في الحرب الدولية التي تقودها واشنطن ضد التنظيم، بالمستوى نفسه الذي تلعبه فرنسا وبريطانيا.
لكن بلجيكا تظل محورية في استراتيجية الإرهابيين للقيام بعمليات تهدف إلى إلهام وجذب متطوعين جدد إلى «الخلافة». فبعد كل هذا كانت بروكسل أول مدينة أوروبية تعاني من هجوم نفذه عائد من سوريا ضد متحف يهودي. وقتل مهدي نموش أربعة في أيار/مايو 2014.
وكانت بلجيكا أيضا مركز التخطيط لأول هجوم كبير في أوروبا عندما قامت خلية «فيرفييرز» شرق البلاد بإدخال جهاديين من سوريا وتسليحهم بأسلحة ثقيلة وبنادق إي كي -47 وحملتهم بمتفجرات وأجهزة لاسلكية وكاميرات.
وحسب المدعي العام الفيدرالي فقد كانت الخلية تخطط لهجمات ضخمة. وأحبطت الشرطة الخطط حيث كانت تلاحق أفرادها وقتلت اثنين واعتقلت واحداً. وكان عبدالحميد أباعود الذي يعتبر قائد مجموعة باريس على صلة بمهدي نموش وخلية «فيرفييرز».
كما أن معظم المشاركين في العملية الأخيرة وباريس وخلية فيرفييرز كانت لهم صلات بحي مولنبيك الفقير في مدينة بروكسل. ومن لم يولد في الحي من الإرهابيين قضى وقتاً فيه كما في حالة أيوب الخزاني الذي حاول تفجير قطار سريع بين بلجيكا وفرنسا. وبعد هجمات باريس اختبأ في الحي صلاح عبد السلام الذي يحمل الجنسية الفرنسية وعاش قريباً من عائلته التي تسكن فيه.
ورغم اعتقاله ومقتل أباعود في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 إلا أن مشكلة مولنبيك تظل قائمة فهي مرتبطة بالحدود المفتوحة والتعددية الثقافية واندماج القادمين الجدد كما يرى سيمكوكس. وفي الوقت الذي استقبلت فيه القارة مليون لاجئ ومهاجر اقتصادي العام الماضي فحلول مشكلة التشدد طويلة وتحتاج إلى أجيال.
وعلى المدى القريب يجب العمل على تفكيك خلايا تنظيم «الدولة» الذي استطاع بناء خلايا في المدن الأوروبية. وضرب التنظيم عدداً من المدن الأوروبية.
وهاجم فرنسا مرات عدة وكذا بلجيكا والدنمارك. وأحبطت محاولات أخرى في النمسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا. ورغم نجاح المؤسسات الأمنية في مرحلة ما بعد هجمات إيلول/سبتمبر 2001 إلا أن الهجمات التي ينجح التنظيم بتدبيرها أو يقوم بها متعاطفون معه في تزايد مستمر. وكل ما فعله القادة الأوروبيون لمواجهة الخطر هو التأكيد على أهمية التشارك في المعلومات الأمنية.
ولم ينتبهوا للأمور الأخرى التي يراهن عليها الإرهابيون وهي مظاهر القلق حول إندماج المسلمين في داخل القارة وغياب الهوية الوطنية والحدود المفتوحة. وعدم قدرة المؤسسات الأمنية على مواجهة التحديات التي أصبحت فوق طاقتها. ويقوم التنظيم والحالة هذه بشن حرب للسيطرة على مسلمي أوروبا ويقدم لهم خياراً بين العيش في دار الكفر أو «الخلافة». وهو رهان سيخسره التنظيم إلا أن حمام الدم المستمر يجب أن يجعل المسؤولين الأوروبيين يشعرون بالقلق.

الوضع الجديد

ولهذا ترى مجلة «إيكونوميست» أن الدرس المهم من تفجيرات بروكسل ليس في قدرة التنظيم على توجيه ضربات قوية في قلب أوروبا بل الوضع الجديد الذي يجب أن تعيشه المدن الكبيرة في كل من أوروبا وأمريكا، فقد صار عليها أن تعتاد على حملة طويلة من الإرهاب تستهدف الجميع.
وقالت المجلة إن «صمود» تنظيم «الدولة» سيكون محلاً للقلق، خاصة أن هجمات بروكسل جاءت بعد أيام من اعتقال صلاح عبد السلام الذي وجد متعاطفين مستعدين على ما يبدو لتأييد أسلوبه وإن لم يكونوا هم على استعداد لتلويث أيديهم في دماء مواطنيهم.
وأضافت أن التنظيم يتمتع بدعم وخبرة ومجندين، فبالرغم من وجود 18 جهادياً في 6 بلدان أوروبية في السجن بشبهة المشاركة في هجمات باريس إلا أن التنظيم استطاع توفير ما يكفي للقيام بعملية منسقة معقدة تحت أنف السلطات في بروكسل وربما خلال فترة إنذار بسيطة.
وترى أن التهديد ليس على وشك التلاشي فبعض من سيتحولون إلى إرهابيين سيتم تجنيدهم محلياً. وقد غادر أوروبا آلاف الشباب والشابات للإلتحاق بما يسمى «الخلافة» في سوريا والعراق وتلقوا تدريبات عسكرية، مما يزيد فرص وقوع هجمات جديدة. وتتساءل عن الرد الواجب على الحكومات الغربية فعله؟ وتقول إن نقطة البداية يجب أن تكون الوعي بأن هدف الإرهابيين هو الحصول على رد فعل مبالغ فيه.
فهم يفرحون عندما يدعو سياسيون مثل دونالد ترامب لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وعندما يقول زعماء أوروبا الشرقية إنهم سيقبلون المسيحيين فقط من بين اللاجئين السوريين.
وعندما تقارن مارين لوبان، رئيسة الجبهة الموطنية في فرنسا بين صلاة المسلمين في الشوارع والاحتلال النازي، فإن هذا التعصب يساعد على تحويل الساخطين من المسلمين إلى متطرفين ومن ثم إلى انتحاريين.
ويفرح تنظيم «الدولة» عندما يرى الدول الغربية تقف حداداً على عشرات الناس الذين يموتون في الغرب ولا يعيرون اهتماماً لوفاة مئات المسلمين الذين سقطوا جراء القنابل في بيروت وتركيا ومأساة الملايين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين والذين يعانون من الحرب الأهلية السورية.
وعليه فيجب أن تركز السياسة على فصل المتطرفين بدلاً من دفع التيار العام إلى أحضانهم. وتدعو المجلة إلى تطمين الناس العاديين بأن الحكومة تعمل على حمايتهم.
وقد يعتقد بعض السياسيين أن التخوف العام من الموت في هجوم إرهابي ليس منطقياً. وقد قال باراك أوباما في مقابلة مع» ذا أتلانتك» أنه يحب تذكير موظفيه بأن عدداً أكبر من الأمريكان يموتون من السقوط داخل حماماتهم ممن يموتون بسبب الإرهاب.
ولكن الإرهاب يختلف عن وفاة الحوادث أو حتى القتل العشوائي، فرد الفعل الشعبي القوي على الإرهاب نابع عن شعور بأن الحكومة غير قادرة على الوفاء بمسؤوليتها وحمايتهم من العدو. فالخوف الذي يولده الإرهاب ليس وهماً إحصائياً ولكنه شعور بأن أناساً لا يتوقفون عند حد ينظمون مؤامرة ضد الدولة.
وعندما يطلب من الحكومات تقديم التطمينات بدون رد فعل مبالغ فيه فإن تلك الحكومات تعاني. ففرنسا التي عانت من بشدة من هجومين لا تزال تعيش في حالة طوارئ تسمح للشرطة أن تفتش البيوت دون أمر من المحكمة وفرض الإقامة الجبرية على المشتبه بهم. ولا يزال الرئيس فرانسوا أولاند ورئيس وزرائه يصرحان بأن فرنسا في حالة حرب.
وقد يكون الكلام القوي وتعليق الحقوق العادية مفهوما بعد الهجمات في تشرين الثاني/نوفمبر، ولكن مفعوله الآن أصبح عكسياً. وتعتقد المجلة ان تحقيق السلام في الشرق الأوسط هو الحماية الأفضل، إلا أنه وللأسف حلم بعيد المنال.
ورغم ما تم تحقيقه من تقدم في الحرب ضد تنظيم «الدولة» إلا أن القضاء عليه يحتاج إلى قوات برية في العراق وسوريا. وهذا يعني استمرار وصول الإرهابيين إلى أوروبا.
وعلى العموم فالغرب لديه متطرفين من نوع آخر ممن يندفعون بشكل ذاتي نحو التطرف. وعلى الشرطة والمخابرات التعامل معهم من المراقبة إلى عملية مكافحة التشدد واختراق الشبكات الجهادية ومؤيديها.
ورغم التحسن في نقل المعلومات بين الأجهزة المختلفة إلا أن قوانين الخصوصية تعرقل مشاركة المعطيات. ويجب تحسين أساليب الشرطة والسجون لمنع تحول المجرمين العاديين إلى متطرفين. كما ويجب إنهاء العزلة الاقتصادية والثقافية للأحياء مثل مولنبيك.

دولة راعية للإرهاب

ولعل أهم ما تطرحه هجمات بروكسل هي أن تنظيم «الدولة» ليس منظمة عادية كـ «القاعدة» بل «دولة راعية للإرهاب» بحسب توصيف أودري كيرت كونين الباحثة في مجال الإرهاب في جامعة جورح ميسون. ففي مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» ناقشت أن ما يفرق عنف القاعدة عن عنف تنظيم «الدولة» هي أن عناصر الجماعة الأولى كانوا في معظمهم من حملة الجوازات الشرق أوسطية أما «الدولة» فقد استثمرت كثيراً في المقاتلين الأوروبيين.
فهجمات بروكسل الاخيرة هي من تنفيذ مواطنين أوروبيين. وبالإضافة إلى هذا فهناك عمليات غير مباشرة نفذها متعاطفون أو جماعات مرتبطة ولاء به في استراليا وكندا والولايات المتحدة.
وهذا بخلاف «القاعدة» التي سيطرت على الجماعات الموالية لها. ولهذا ترى الباحثة أن تهديد التنظيم يشبه تهديد الدول الراعية للإرهاب مثل إيران وسوريا وليبيا والإتحاد السوفييتي السابق في سنوات السبعيينات والثمانينيات من القرن الماضي حيث وفرت للجماعات التي دعمتها المصادر والمعلومات الأمنية والخدمات اللوجيستية.
وترى أن الجماعات المدعومة من الدول عادة ما تكون خطيرة. وتنظيم «الدولة» ليس استثناء بسبب سيطرته على مناطق في سوريا والعراق ومشاركة ضباط سابقين في نظام صدام حسين في عملياته. وتتساءل عن الطريقة التي يجب أن يرد فيها الغرب عليه. مشيرة إلى عمليات مكافحة الإرهاب- تحليل المعلومات ومواجهة التمويل ومكافحة التشدد وعمليات القوات الخاصة والغارات الجوية.
وكذلك جمع الأدلة والتحقيق مع المعتقلين مثل صلاح عبد السلام. ويحتاج البلجيكيون بالتحديد لتقوية قواتهم الأمنية. ولكن مكافحة الإرهاب لن تنجح مع تنظيم لديه أكثر من 30.000 مقاتل ويسيطر على أجزاء من سوريا والعراق وليبيا.
ولم يتجاوز عدد مقاتلي «القاعدة» الأجانب المئة عنصر. وعليه يجب أن يكون في جوهر مكافحة التنظيم حرمانه من مناطقه الآمنة.
ويمكن للولايات المتحدة المساعدة. فبعد 9/11 أنفقت 1.6 تريليون دولار على حملة «الحرب على الإرهاب» وبنت أكثر من 263 منظمة جديدة وقديمة للإستخبارات.
وهذه أنشئت لمواجهة حركات إرهابية كلاسيكية. وعليه فلن تنجح مع حركة تشبه دولة إلا إذا دمجت ضمن استراتيجية شاملة تشتمل على كم واسع من الخيارات العسكرية والإنسانية واللوجيستية.

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية