انتقادات لمسلسل «باب الحارة» بسبب مغالطات تاريخية وطائفية

حجم الخط
0

اسطنبول ـ من محمد الحسين: أثار المسلسل السوري الشهير «باب الحارة» في جزئه التاسع، الذي تنتجه قناة «أم بي سي» ويعرض عليها وعلى محطات عربية عدة في الموسم الرمضاني الجاري، موجة انتقادات واسعة، حمّلت القائمين عليه مسؤولية تشويه تاريخ دمشق.
فعدا عن المغالطات التاريخية لتصوير تلك الحقبة التاريخية، التي يجسدها المسلسل بين أواخر عشرينيات القرن الماضي وحتى الثلاثينيات منه، يأتي هذا الجزء ليقدم رسائل مبطنة أخرى حملت الطابع الطائفي والسياسي.
ومنها كما يرى الصحافي السوري محمد البارودي محاولة ترسيخ فكرة أن العائلات الدمشقية الأصيلة هم من «الطائفة الشيعية»، عبر ذكر شخصيات المسلسل أسماء حارات وشوارع، كحارة الجورة، وشارع الأمين، وأسواق» البزورية والدقاقين»، والجميع من أبناء دمشق يعرفون أن هذه المناطق تقطنها أغلبية «شيعية».
ويؤيد البارودي، في تصريح خاص لـ «القدس العربي»، وجهة نظره هذه عبر استشهاده أيضاً بعبارات يرددها أبطال «باب الحارة»، ومنهم عباس النوري بشخصية «أبو عصام» بقوله «صلى الله عليه وعلى آله وسلم»، وأهازيج أخرى يرددها الأطفال في العيد، للدمشقيين حساسية رمزية تجاهها، وهذا ما قد يتماشى مع ظاهرة «التشيّع» في دمشق والتي تقف وراءها إيران.
وبالعودة للمغالطات التاريخية واستمرار القائمين على المسلسل بتشويه تاريخ دمشق وتصوير المجتمع الشامي على أنه جاهل وغير متعلم، يؤكد الصحافي وهو حفيد فخري البارودي، من أبرز سياسييّ دمشق وأدبائها في تلك الحقبة وتوفي عام 1966، أنه على العكس تماماً في الفترة التي يجسدها المسلسل كانت هناك تكتلات سياسية ومنتديات ثقافية وصحف كثيرة.
ويردف أنه في عام 1933 عمل جده فخري البارودي وخليل مردم بيك وتوفيق قباني، والد الشاعر نزار قباني، وعبد الرحمن الشهبندر وآخرون، عمَّلوا على إحداث «رابطة مثقفي دمشق»، ومن بين ما كانوا يسعون لإلغائه هو موضوع «الزعامات وعضوات الحارة»، الذين كانوا يتحكمون بمصير الحارات. كما أسست في تلك الفترة جمعية «الفرنك» لتمويل معرض دمشق الدولي، والذي انطلقت النسخة الأولى منه عام 1943.
كما يلفت البارودي إلى إدخال تاريخي آخر، خاطئ ومسيس، في الجزء التاسع، يتمثل بالمطالبة بعودة «لواء اسكندرون»، حيث يؤكد أنها غير صحيحة تاريخياً، وقد تكون حدثت ما بعد السبعينيات، وأن القائمين على المسلسل، الذي يصوّر في دمشق، هدفهم إيصال رسائل سياسية مبطنة ضد «تركيا» التي تدعم المعارضة السورية، ولجذب عاطفة الجمهور.
بدوره يقول الكاتب والروائي السوري د. موسى رحوم عباس في تصريح خاص لـ»القدس العربي»: «بعيداً عن نظرية المؤامرة فإن القائمين على المسلسل يمتلكون مطبخاً صحافياً مشبوهاً، لا يُخفي مواقفه المناهضة لتوجهات الشعب السوري، فدمشق بالنسبة لهؤلاء غير دمشق لأهلها وأحفادهم، ولذلك فإن البعد السياسي موجود وبقوة فيه، حيث أن النظام يرى دمشق الأموية كضيعة على مقاس ذهنيته المتخلفة الموتورة، فيها السجون والمعتقلات، دون علماء ولا أدباء ولا تنوع ولا أحزاب ولا تداول للسلطة».
وكتب عباس في صفحته على «فيسبوك» أمثلة من تاريخ دمشق في تلك الحقبة، حيث أنه في عام 1930 انتخب الدمشقي محمد العابد رئيساً للجمهورية كأول رئيس يفوز بالانتخابات الحرة مسقطاً صبحي بركات مرشح الفرنسيين، وهو يحمل شهادتي دكتوراة، في الهندسة المدنية والقانون الدولي، ويتقن خمس لغات، وذلك بعد إقرار أول دستور سوري في العام ذاته».
ويضيف «كما أن دمشق عرفت ظاهرة الصالونات الأدبية منذ فترة مبكرة من القرن العشرين، وقد أسست زهراء العابد، زوجة الرئيس محمد العابد، صالوناً أدبياً في منزلها بداية عام 1930، فلا أظنها شاركت في نميمة وتفاهات حريم باب الحارة»، على حد تعبير الروائي السوري.
ويردف «من المحزن أن تظهر دمشق وأبناؤها تحت رحمة «الحلاق» الذي يعالج المرضى في عمل فني يفترض أن يكون سورياً، في حين أن معهد الطب انطلق باللغة التركية في دمشق عام 1903، ثم انضم إلى «الجامعة السورية» عام 1919، وتقول المصادر إن أول دفعة من الأطباء الرسميين تخرجت 1930، وكانت أول طبيبة سورية هي «لوريس ماهر»، وقد تجاوز عدد العيادات الطبية في دمشق لوحدها آنذاك 400 عيادة، بين عامة واختصاصية».
ويرى الكاتب موسى رحوم عباس أن الإضافات التي حملها الجزء الجديد من «باب الحارة» في إبراز دور المرأة بالعمل في المحاماة والتمريض والتدريس وغيرها، ما هي إلا نوع من «الميك آب» لوجه قبيح لا أكثر، وجاءت انتقادات سابقة عن تهميش دور المرأة في الأجزاء الماضية، ويؤكد أن «الأسرة السورية عموماً، والشامية خصوصاً، هي متعلمة و»منفتحة».
ويشدد عباس في ختام حديثه لـ»القدس العربي» على أن للمثقف السوري دورا هاما في رفض هذا التشويه ومحاربته، وليس التصفيق له، وتاريخ دمشق ملك للذاكرة الجمعية، ونحن شركاء فيها، ويعرب عن أسفه لعدم وجود هذا الدور، الذي يعزوه «إما للخوف أو للمنفعة».

انتقادات لمسلسل «باب الحارة» بسبب مغالطات تاريخية وطائفية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية