بسمة الحسيني: «العمل للأمل» اكتشفت مواهب حقيقية

حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: التعبير من خلال الفنون هو جزء من علاج بات معتمداً خلال الأزمات الفردية أو العامة التي تلمّ بالبشر، والمراهقين منهم على وجه الخصوص. فهؤلاء يعجزون عن فهم التبدلات الدراماتكية التي تطرأ على حياتهم. «العمل للأمل» مؤسسة تعمل منذ سنة 2015 مع النازحين من سوريا إلى لبنان، وتستهدف شريحة منهم من خلال برامجها المتعددة. نتائج هذا النشاط برزت في مهرجان «أوان» الذي ختمت به «العمل للأمل» العام 2017.
«القدس العربي» التقت مديرة «العمل للأمل» بسمة الحسيني وكان هذا الحوار:
○ نشأت «العمل للأمل» في خضم أزمات الشعب السوري، فما هو عدد الذين طالهم نشاطكم؟
• منذ الإنطلاقة وصلنا لحدود 10 و15 ألف شخص حضروا أنشطة أو كانت لهم مشاركة بشكل أو بآخر. وطال النشاط المباشر وعلى مدى طويل عدداً وصل لـ400 شخص.
○ لماذا التركيز على العمل الفني؟ وما هو دوره في شحن النفوس بالحيوية خلال الأزمات؟
• نحن مؤسسة تعمل في الثقافة والفنون. نؤمن بأن الفن يمد الناس بقوة كبيرة، لكنه مغفل جداً في برامج التنمية والإغاثة لدى المنظمات الدولية. من يعانون من ظروف حرب، وعنف أو تهديد وتهجير يعيشون تفككاً في النسيج الاجتماعي، وعدم قدرتهم تفسير ما حدث. نعمل مع شريحة عمرية تبدأ من 12 سنة، وهؤلاء يعانون من عدم فهم ما الذي حدث، وعدم القدرة على التعامل معه، ويتحول هذا بالتدريج لنوع من الانعزال والغضب المكتوم. يمنح الفن هؤلاء أدوات التعبير عن عدم الفهم هذا، وبشكل يؤدي لتعاطف الآخرين. ويتيح قدرة التعبير عن مشاعر غير الغضب والحزن، كما الاحساس بالجمال، البهجة وغيرها. وبالتالي يسهل التواصل مع هؤلاء. وهذا ما يؤسس لعلاقة بين الطرف الذي اعتاد أنه ضحية ويعامل على هذا الأساس، والطرف الثاني المتعاطف أو اللامبالي ويمتلك امكانات محدودة في مساعدة الضحية. وعندها يكون لمن يحتاج المساعدة قدرة مساعدة الطرف الثاني. الشخص الضحية الذي أنظر لحاجته للمساعدة العينية أو المعنوية بإمكانه أن يصور فيلما، وأن يعزف الموسيقى، وبالتالي يمكنه أن يمنحني ما ليس عندي.
○ كيف للبشر أن يعبروا عن مهاراتهم ومواهبهم وهم لا ينعمون بأي نوع من الاستقرار؟
• تبدو المسألة صعبة، وواقعياً هي أسهل من التخيل. عندما بدأنا العمل اكتشفنا أن اللاجئين ومن لديهم ظروف صعبة، والمهمشون اجتماعياً لديهم تعطش للإنخراط في الفن وللأسباب التي سبق ذكرها. جميعنا يرغب في أن يكون في موقع قوة وعطاء، وهذا ما يؤمنه هذا الموقع. طبعاً نواجه مصاعب عملية نظراً لتنقل الناس من مكان لآخر. ونأخذ بالاعتبار القدرة المادية المنعدمة، لهذا نؤمن المواصلات للجميع، فكلفة الانتقال في لبنان والأردن عالية. وحدث أن بعض طلابنا حصلوا على الهجرة، واثنين منهم استقروا في نيوزيلندا. فشلنا في متابعتهم لبعد المسافة وفرق التوقيت. معظم الموجودين معنا منذ بدأنا سنة 2015 مثـــابرين، ونحــاول التأقلم مع الضغوط التي يعيشون فيها.
○ هل تمكنتم من اكتشاف مواهب مميزة بين النازحين؟ وكيف تتم متابعتها؟
• نجري اختبارات قبول صعبة نسبياً في مختلف المجالات التي نعلمها من موسيقى، وفيديو ومسرح، ونقبل من لديهم مواهب أولية من أذن موسيقية، وخيال بصري قوي وقدرة سرد قصة. لهذا الأعداد غير كبيرة، وتلزم الدراسة الحضور ثلاثة أيام في الأسبوع وبمجهود كبير. ومن يستمرون هم فنانون حقيقيون ويتعاطون مع الدراسة بجدية. في الرسم والموسيقى هناك عدد كبير من المواهب اللافتة جداً سواء عازفين أو مغنين. في أيلول/سبتمبر الماضي تخرجت أول دفعة من العازفين وعددهم 24، بينهم 18 من المواهب المهمة. وتستعد مدرسة الفيديو لتخريج أول دفعة آخر الشهر وهم 20 طالبة وطالباً. وتضم مدرسة الفيديو طلاباً يصل عمر بعضهم لـ25 سنة ونتوقع احتراف بعضهم في أي من مجالات صناعة السينما.
○ ما هي قوافل المساعدة التي تنظمونها على مستوى عربي؟ أي من العرب يتعاونون فيها؟
• قوافل الإغاثة الثقافية أول نشاط لنا. وهي الخطوة الأولى لنا في أي موقع عمل جديد لنقل العراق أو السودان. تتألف تلك القافلة من فنانين محترفين متطوعين لديهم خبرة العمل مع المجتمع، ونختارهم بعد مقابلات. نحاول استكشاف قدراتهم في التعامل مع من يمرون في ظروف نفسية خاصة. تطوع لأسبوعين دون أجر. تعاونا مع خيرة الفنانين من الدول العربية. تتألف قافلة الإغاثة الثقافية من حوالي 15 متطوعة ومتطوعا. تراكم لدينا عبر السنوات عدد كبير من المتطوعين، أكثرهم من تونس ومصر. ومتطوعين من المغرب، والسودان، والسعودية، والعراق، والأردن، وفلسطين، ولبنان وسوريا. البيئة التي تستهدفها القافلة تُقبل استثناءات أو شروط. فنحن نحتاج لأن نفهم المجتمع المستهدف، ويحتاج بدوره لأن يتعرّف علينا. آخر قافلة نُظمت في تموز/يوليو الماضي إلى عكار ـ لبنان حث اشتغلنا مع سبعة مخيمات، ركزنا على الغناء، والتصوير الفوتوغرافي، والفيديو، والمسرح والدمى. وهذه السنة بدأنا متابعة ما بعد القافلة، إذ أن التقييم أفضى إلى ضرورة القيام بدورة في التصوير الفوتوغرافي والفيديو.
○ المسرح جزء من العمل الذي تقومون به، كيف لك وصف التعبير من خلال المسرح لمن يعيش في خيمة؟
• فريقنا المسرحي الذي تدرب عبر السنوات يتكون من 14 شابا وفتاة، ومؤخراً قدم عرضاً من اخراج كريستال خضر والنص للكاتب سعدالله ونوس. جال العرض في أماكن متعددة من لبنان، وتم اختياره من قبل لجنة تحكيم للمشاركة في مهرجان أدنبرة للفنون العربية. مصاعب الحصول على تأشيرات وتصاريح العودة إلى لبنان حال دون السفر.
○ هل يُقبل الأطفال والشباب على المسرح والفنون لأنها أتت إليهم فقط أم هي حاجة كانت تنتظر فرصة مناسبة؟
• أكيد وكما في أي مجتمع هي حاجة تنتظر فرصة مناسبة. ثمة اعتقاد خاطئ بأن الفن مرغوب لدى الطبقات المتوسطة وما فوق. وأن هؤلاء يرسلون أبناءهم إلى الكونسرفتوار، ولهذا يجب أن يكونوا في منزل ولهم دخلهم الثابت. في الواقع أن كافة البشر لهم ذات الاحتياجات سواء لهم قدرة على تلبيتها أم لا. لأبناء الطبيب أو المهندس ذات احتياجات لاجئ يعيش في خيمة. وإن كان الطعام والشراب شرطا من شروط الحياة، فالفن شرط من شروط ممارستها. الفن ضروري للمجتمع كمساحة آمنة ينمي الخيال والنقد. والعمل الفني المهم يبقى كنزاً للبشرية.
○ تقدمون منحاً لدراسة الفنون، كم طالت من الطلاب وأين يدرسون؟
• للأسف نحن قدمنا فقط خمس منح للدراسة الجامعية في لبنان، وبعضها جزئي. واجهنا صعوبة في ايجاد تمويلها. المنح الخمس مولها المجلس الثقافي البريطاني الذي تغيرت أولوياته، ولم نتمكن من مواصلة البرنامج في العام الماضي. الطلاب يدرسون في الجامعة اللبنانية، تخرّج اثنان منهم والآخرون هذا العام.
○ كيف وبأي هدف وصل نشاطكم إلى ألمانيا؟
• نعمل على مستويين. مستوى مجتمعات اللاجئين والمشردين والمهمشين. والمستوى الثاني هو الحوار والنقاش وفتح آفاق معرفية ونظرية مع فنانين، ومع منظمات أخرى تعمل في الثقافة والمجالات الاجتماعية. ومن هنا أتى الحدث الذي نظمناه في ألمانيا في العام 2016 بعنوان مساحات الأمل. كان حدثاً ثقافياً امتد لثلاثة أيام في برلين. وشكل منصة لعدد من الفنانين والناشطين، والمهتمين بالأفكار الخاصة بالتغيير الاجتماعي للفتح النقاش. مستوى ضروري من العمل، فالعمل على الأرض يجب ان لا ينسينا الاجتهاد النظري. وهذا ما يتيح شبكات تواصل، بحيث لا يكون عملنا أو ما يماثله في بلد آخر من العالم موضعي، بل يفتح امكانية الالتقاء بمشاريع أخرى، وتالياً التوسع في التأثير.
○ هل يُقبل النازحون على العمل التطوعي؟
• لا شك بوجود شباب وشابات من مجتمع النازحين يساعدون في العمل على الأرض كونهم يعرفون البيئة جيداً. الراغبون في التطوع أكبر من قدرتنا في الاستيعاب.
○ لماذا حمل مهرجان 2017 عنوان «أوان»؟
• شعرنا بـ»أوان» الظهور للعلن بعد سنتين من العمل على الأرض. الحدث الذي نظمناه في المانيا كان له صدى كبير، ولم ننظم مهرجاناً في لبنان وقلنا بأنه الأوان.
○ ما هو الجواب على السؤال المطروح في إحدى ندواتكم «هل ترى ضرورة لإرتباط العمل الفني بمردود سياسي أو اجتماعي»؟
• كانت حلقة نقاش بين أربعة فنانين من بلدان مختلفة حول تأثير التوجه الاجتماعي والسياسي على العمل الفني. الفنانون الأربعة محترفون. كان الاتفاق بينهم أن التوجه الاجتماعي والسياسي له تأثيرات سلبية وإيجابية، مع وجود شبهة الاستغلال من قبل الفنان لأجل ترويج عمله. وشبهة الاعلام الذي يمكن أن يُعطي أفضلية لهذا العمل وبالتالي يستفيد الفنان مادياً. وأجمعوا على وجود نوع من الاستجابة للظرف الاجتماعي والسياسي الذي يصعب تجاهله.
○ هل ستقفل مدرسة العمل للأمل للموسيقى أبوابها مع عودة النازحين إلى سوريا؟
• تشكل المدرسة نموذجاً للتعليم الموسيقي البديل لمن ليس لديهم وسيلة للتعلم الموسيقي. عملنا مع مجتمعات اللاجئين، وإن هي لم تعد موجودة نعمل مع الفئات المهمشة، ليس في سوريا ولبنان، إنما في أي بلد آخر. التعليم الموسيقي البديل ليس مرتبطاً بظرف سياسي بل بظرف اجتماعي موجود في كافة المجتمعات.
○ من خلال العلاقة مع النازحين أطفالا، يافعين وشبابا ما هي وسيلة التعبير الأكثر قبولاً لديهم؟
• حسب الموهبة. منهم لديهم مواهب بصرية فيتجهون إلى الفيديو. والمواهب الموسيقية إلى الموسيقي. ومن يبرع في التعبير الجسدي واللفظي والكلام يتجه للمسرح. واختبارات القبول تحدد التوجه.
○ هل تعملون مع الأمهات ووفق أي برنامج؟
• برنامج «الحكي» هو الوحيد الذي نقدمه للأمهات والفتيات، بدأ سنة 2015. بالتواصل مع السيدات طلبن ببرنامج لمحو الأمية. ونظرا لتكرار الطلب قدمنا البرنامج لمرة واحدة بعد الاستعانة بخبراء. 87 سيدة تدربن، بالتزامن مع دخول الجانب الإبداعي، فكتبت السيدات قصصاً من حياتهن. من بين تلك المجموعة استمرت 25 امرأة في التدريب على الكتابة الدرامية مع الكاتبتين إيمان صعيد وياريفان حسن. وكانت مجموعة قصصية نشرت وأطلقت في المهرجان الأخير بعنوان «بلكون الورد». ونتج عرض مسرحي بعنوان «حُمرة». هو برنامج ناجح جداً وأتمنى استمراره.
○ وماذا عن حفل «زهورات» الذي قدمته نساء من اللاجئات؟
• هنّ مجــمـــوعة من خريــجـــات مدرسة الموسيقى وكان حفلهن ممتازاً. وفي الربيع ستكون لهن جولة.
○ وفق أي رؤية تبنون برنامجكم السنوي؟
• بعد تقييم السنة التي مرّت من قبل فريق العمل ومجلس الإدارة وبناء عليه نبني تصور السنة الجديدة. في 2018 سنركز على رفع جودة كافة البرامج. هي سنة هادئة بحيث نعمق ما نقوم به، ونركز الكيفية. وجديدنا انشاء أول مسرح متنقل لنا في البقاع.
○ ما هو حجم الأمل الذي بثه نشاطكم؟
• سؤال صعب. قد نكون نساهم في بناء مجموعة مميزة من الشباب ترى الأمل، وتؤمن بالحرية وبأن مجتمعاتنا تستحقها. مقابل ما ننجزه نحن وسوانا، يقدم الواقع تحديات رهيبة.

بسمة الحسيني: «العمل للأمل» اكتشفت مواهب حقيقية
المهمشون واللاجئون يحتاجون دراسة الفنون كما أبناء المهندسين والأطباء
زهرة مرعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية