بوتين وحلب: حلم نبوخذ نصّر

حجم الخط
10

 

في مثل هذه الأيام، ولكن قبل ثلاث سنوات، كان بشار الأسد يعيش نشوة انتصار عسكري نادرة، بل لعلها كانت الأولى منذ أن لجأ إلى استخدام أقصى أنماط العنف، وأشدّ النيران فتكاً، في محاولة قمع الانتفاضة الشعبية. كانت ميليشيات حليفه حسن نصر الله قد اجتاحت بلدة القصير، في ريف حمص، وسط تهليل واحتفاء، والكثير من التضليل والتزييف حول الأسباب التي تجعل القصير بوّابة لحماية مقام السيدة زينب، في ظاهر دمشق.
وتلك نشوة دغدغت أوهام الأسد في استخدام الحليف إياه ـ ولكن بأعداد تُحتسب بالآلاف وليس بالعشرات أو المئات؛ وبإسناد مباشر من وحدات الجنرال الإيراني قاسم سليماني؛ والميليشيات الشيعية العراقية، ومرتزقة أفغان وحوثيين وسواهم؛ ثم… بتواطؤ ميداني مباشر مع «داعش» ـ لمحاصرة مدينة حلب، وتوجيه ضربة قاصمة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وإلى جانب أحياء المدينة ذاتها، كان ثلاثي الأسد/ نصر الله/ سليماني يتطلع إلى استكمال مشهد ستراتيجي كاسح على الأرض، يتضمن توليف العناصر التالية، وزجها في المعركة: كسر الحصار عن قاعدة وادي الضيف، وتنشيطها؛ والقيام بخطوة مماثلة، في مطار منغ؛ وتحريك الميليشيات الموالية، في نبل والزاهرة؛ وإقامة تنسيق عملياتي مع «وحدات الحماية الكردية»، في حيّ الشيخ مقصود ذي الأغلبية الكردية؛ وصولاً إلى شنّ الهجوم الأرضي، بعد حملات قصف جوي ومدفعي مكثفة.
وذاك خيار فشل سريعاً، بل أسفر عن نتائج معاكسة تماماً، فخسر النظام الكثير، خاصة في ريف حلب الشمالي وإدلب والغاب، وبات سقوطه العسكري أقرب من أية برهة سابقة؛ الأمر الذي استوجب تدخلا روسياً مباشراً، اُضيف إلى المشهد الستراتيجي السابق إياه. ورغم آلاف طلعات القصف الروسية، واستقدام المزيد من مقاتلي «حزب الله» و»الحرس الثوري» الإيراني والميليشيات المذهبية والمرتزقة، فإنّ عناصر الميزان العسكري مع المعارضة، بما في ذلك خطوط الاشتباك مع «جبهة النصرة» و»أحرار الشام»، وخطوط التواطؤ مع «داعش»، ظلت على حالها تقريباً، دون تغيير جوهري.
وإذا كانت أغراض التدخل الروسي في سوريا عديدة ومتشابكة، بعضها جلي قريب وبعضها الآخر خفيّ بعيد المدى؛ فإنّ أحد الأغراض العسكرية الواضحة كان تمكين جيش النظام، وحلفائه، من إعادة استجماع القوى على نحو يتيح تحقيق مكاسب مادية صريحة، واسترداد مناطق ذات قيمة ستراتيجية، أو ذات صفة رمزية؛ لا تعيد زمام المبادرة إلى النظام فقط، بل تتحوّل إلى أوراق ضغط على طاولة المفاوضات: في يد موسكو، مع واشنطن والغرب حول ملفات أوكرانيا وسعر برميل النفط والقبّة الصاروخية في أوروبا؛ ثمّ، استتباعاً، في يد موسكو أيضاً، حين يتوجب أن تقترح الحلّ السياسي الذي يرضيها في سوريا.
وما دامت جميع المؤشرات تؤكد أن عمليات القصف الجوي الوحشية التي نفّذها طيران النظام استهدفت تهجير المدنيين من حلب، نحو الحدود التركية، بوصفها الوحيدة المتاحة، ولكن المغلقة، في آن معاً؛ فإنّ معركة حلب الراهنة هي، أيضاً، فصل جديد في حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضدّ نظيره التركي رجب طيب أردوغان. وهنا، لا يحتاج المرء إلى ذكاء إضافي كي يدرك أبعاد قيام طيران النظام بقصف مخيم كمونة للاجئين، الذي يقع داخل الأراضي السورية، ولكن على الحدود التركية.
ومنذ حزيران (يونيو) 2013، لا يلوح أنّ المشهد العسكري في حلب قد تغيّر كثيراً، ما خلا أنّ الكفة مالت لصالح المعارضة في الواقع؛ الأمر الذي لا يعني أنّ استيهامات الأسد لن تصيب بوتين بالعدوى؛ فيحلم، مثلاً، بأن يقود صديقه فاليري جيرجيف أوركسترا  مارينسكي حين تعزف أوبرا «نبوخذ نصّر»، على سلالم قلعة حلب!

بوتين وحلب: حلم نبوخذ نصّر

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أكد مسؤول في الحرس الثوري الإيراني مقتل 13 مستشارا عسكريا من ضباط الحرس وإصابة 21 بجروحغرد النص عبر تويتر، بعضها خطيرة، في معارك أمس شمال سوريا، ليرتفع عدد قتلى العسكريين الإيرانيين في سوريا إلى 260 عسكريا منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
    وأوضح المسؤول الإيراني أن المستشارين العسكريين قُتلوا في مواجهات مع ما سماها “جماعات الإرهاب والتكفير” في منطقة خان طومان بمحيط مدينة حلب، لكنه لم يذكر رتبهم العسكرية والألوية التابعين لها
    – عن الجزيرة نت –
    فتح الله على يديكم يا جيش الفتح
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول Hassan:

    فرضية ربما كانت وراء تدمير سوريا وهي أن تركيا وقبل ما يسمى بالربيع العربي الإطاحة ببشار قبل تغول إيران داخل سوريا. أوروبا تزعجها تركيا فكيف لو توسعت واحتلت سوريا فإنها لن تقدر عليها أوروبا وقد يصبح الخطر أكبر نحو أوروبا وقد تصل إلى فلسطين. تبخر بعدها حلم أردوغان و وباتت سوريا بعدها خرابا لما قامت أوروبا وأمريكا بدورهما كما تبخر حلم أولاند في سوريا ولم يتحقق غير حلم بوتين فأصبحت سوريا روسية

  3. يقول غادة الشاويش المنفى:

    *من اجمل وارقى وانزه ما قرات يا استاذ حديدي سلم قلمك وقلبك يا رب شكرا لهذه الكتابة الراءعة الراقية النقية عن الانحياز الايديولوجي .
    *سيد حديدي نريد مقالا عنوانه ما الحل لطرد بوتين من سوريا نحن نستطيع ان نقرا التحليل ااسياسي بقوة لكننا نحتاج الى من يرسم الحلول الاستراتيجية امام اعيننا ما هو الممكن واين ينبغي ان نركز وكيف نعمل على استخدام القنبلة الديمغرافية السورية لتغرق مناطق يعمل الاسد على تطهيرها عرقيا هو والايرانيين وما علاقة رسم الخراءط بالوجود السوري الوازن في لبنان والمؤثر بشدة على تركيبته الطاءفية وتوازنه الطاءفي والديمغرافي الحساس وما هي الخبطة الهامة التي يجب ارتكابها قبل انتخابات الرءاسة الاميريكية وكيف يمكن ضرب الدب الروسي واعادته الى الجليد القطبي لا اعرف اشعر انني كتبت لك العجة العشواءية التي تدور في راسي بدون ترتيب تقبل تحيتي واعجابي الشديد واحترامي ودعاءي لك ان يكون الله معك فيما تكتب وفيما تعتقد نحن وانت استاذنا الفاضل صبحي حديدي ولا انسى ان اشكر موونة التي لفتتني الى الاهتمام بقراءة هذه الزاوية وكنت ملتفتة الى ان حضرتك كاتب نشيط غزير الانتاج غالبا تكتب بعيدا جدا عن الكيدية الايديولوجية اثق جدا بقلمك من المرات القليلة التي قرات لك فيها واتمنى ان يرزقك الله قلبا شاكرا ومخلصا له على هذا القلم الفريد انت موهوب ومهم لنا نحن القراءالعرب والمواطنون التواقون الى التغيير وقطف ثمار التضحيات شكرا مرة اخرى على هذا المقال الرشيق

  4. يقول سامح // الاردن:

    * قاتل الله المجرمين ( الاسد وبوتين )
    وكل من شارك ف العدوان على ( حلب )
    الصامدة الأبية.
    * لك الله يا حلب .
    * حسبنا الله ونعم الوكيل.
    سلام

  5. يقول محمد قطيفان / شرق المتوسط:

    شاهدنا أول أمس ، معارك جيش الفتح في خان طومان ، وعبر تصوير جوي فريد ، واستعادتها ومناطق أخرى في ريف حلب الجنوبي ، فلم تستطع طائرات بوتين ولا نظام البعث المهزوم ، ولا مليشيات إيران وحسن نصرالله ، الوقوف في وجه هجوم الثوار الكاسح ، فهربت المليشيات في المعركة كالفئران المذعورة ، وقُتِلَ ثلاثة عشر “مستشاراً” إيرانياً ، وتم أسر آخرين .
    الثوار هم أهل الأرض ، وأصحاب الحق ، لذلك سينتصرون ، بلا أدنى شك .

  6. يقول رياض- المانيا:

    انها السلطة والكرسي اللعين… اللهم من اراد بسوريا وشعبها خيرا فوفقه لكل خير ومن اراد بها شرا فخذه اخذ عزيز مقتدر كائنا من كان.

  7. يقول احمد مشري /الجزائر:

    اصبح واضحا ان تركيا مستهدفة من قبل الروس والنظام بدليل استهداف المدنيين اكثر من استهداف الفصائل المسلحة وعليه يجب على تركيا التحرك بسرعة بتزويد فصائل الجيش الحر بالاسلحة النوعية ولسيما المضادة لسلاح الجو ولا تنصاع للضغوط الامريكية وغيرها والا فسيزداد استهدافها والضغط عليها من الروس والنظام ومادامت في كلا الحالتين تحت الضغط فعليها ان تقبل ضغط امريكا على ضغط الروس والنظام والله هو الحق وسنصر الحق.

  8. يقول أحمد بيه / المانيا:

    ماذا كان ليحدث لو لم تتدخل روسيا عسكرياً في سوريا لصالح المجرم بشار؟
    الإعلام الغربي الصامت صمت القبور كان سيسلط الإضاءة المستمرة على احتلال روسيا لجزيرة القرم
    تركيا التي فقدت زمام المبادرة واكتفت برد الفعل كانت على وشك ان تفرض منطقة الحظر الجوي في شمال سوريا
    أوكرانيا ومعها العديد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق كانت ستواصل سعيها للانضمام لحلف الناتو
    السعودية التي جمدت مخططاتها المتعلقة بتسليح فصائل من المعارضة السورية كانت على وشك إقناع البيت الأبيض بضرورة تزويد الجيش الحر بمضادات طيران وأسلحة حديثة
    أيران التي كانت على وشك ارسال قوات برية بشكل رسمي لإنقاذ نظام الأسد المتهاوي اكتفت بالاعتماد الكلي على روسيا والتي استحق رئيسها لقب “آية الله العظمى” بوتين دام ظله وظلال أجنحة طائراته التي تقصف المسلمين السنة في سوريا .

  9. يقول حي يقظان:

    *
    في الحقيقة، كل الأساليب التضليلية والتزييفية التي لجأ إليها النظام الأسدي المافْيَوي الطائفي المجرم، في سعيه اليائس إلى قمع الثورة الشعبية في سوريا، لا تختلف، في الجوهر، عن تلك الأساليب التضليلية والتزييفية التي لجأ إليها الاستعمار الفرنسي في محاولته قمع الثورات السورية المتتالية قبل حوالي قرن من الزمن. وما ذريعة «حماية مقام السيدة زينب، في ظاهر دمشق» التي اتخذتها ميليشيات «حزب الله» الإرهابية، إبان اجتياحها الخسيس لبلدة القصير (وبإيعاز من النظام الأسدي المجرم نفسه)، سوى المقابل الحديث والمبسَّط لأي من تلك الذرائع التي كانت قوات الاستعمار الفرنسي تتخذها في «حماية مقدسات الإسلام، في المقام الأول» حينما كانت تنوي اجتياحَ أيةِ منطقةٍ من المناطق التي وصل إليها المدُّ الثوري وصولاً مخيفًا لم يكن بالحسبان – خصوصًا وأن الاستعمار الأوروبي للعالم بدأ مع بداية عصر النهضة، وبعد استفاقته على وقع طبول الإصلاح الديني في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. هذا إن لم نقل أي شيء عن الأساليب المشابهة الأخرى، في استخدام القمع والإرهاب الوحشيَّين، وفي إثارة النعرات الطائفية والإقليمية، وغيرها.

    لكن، ينبغي علينا أن نتذكَّر، أولاً، أن الاستعمار الفرنسي لم يلجأ إلى مهادنة الشعب السوري العظيم، آنئذٍ، إلا عندما تصاعدت في وجهه (أي الاستعمار) حركة النضال الوطني السوري، مما أدى تأسيس الأحزاب وإنشاء البرلمان وإصدار الدستور سنة 1930. وينبغي علينا أن نتذكَّر، ثانيًا، أن هذا الاستعمار الفرنسي لم يضطر إلى توقيع تلك المعاهدة مع الثوار الوطنيين السوريين سنة 1936 إلا بعد أن تصاعدت في وجهه حركة النضال الوطني السوري من جديد، وبوتيرةٍ أشدَّ من سابقتها، حين خاب ظنُّ الشعب السوري بذلك الدستور. وينبغي علينا أن نتذكَّر، ثالثًا، أن هذا الاستعمار الفرنسي لم ينقلع عن الأراضي السورية بحذاءِ آخرِ جنديٍّ من جنوده سنة 1946 إلا بعد أن تجددت المقاومة الشعبية ووصل تصاعد حركة النضال الوطني السوري إلى أوجه، خلال الحرب العالمية الثانية.

    ومهما كانت أغراض التدخل الروسي في سوريا، في الجهر وفي الخفاء، ومهما كانت أوراق الضغط على مائدة التفاوض بين موسكو وواشنطن (حول ملفات أوكرانيا وسعر برميل النفط والقبّة الصاروخية في أوروبا، وغيرها)، فإن مصير النظام الأسدي المافْيَوي الطائفي المجرم لن يكون أوفر حظًا من مصير الاستعمار الفرنسي الغاشم، ما دام الشعب السوري العظيم مستمرًا بثورته الشعبية المباركة في وجه هذا النظام المجرم – وهذا ما يؤكد عليه رجحان الكفة لصالح المعارضة، في الواقع، على مدى السنوات الثلاث الأخيرة.

    1. يقول حي يقظان:

      * مما أدى تأسيس الأحزاب: مما أدى إلى تأسيس الأحزاب

اشترك في قائمتنا البريدية